ملخص
على عكس الجزائر، المغرب أكد عدم نيته الانضمام لمجموعة "بريكس"، فما أهمية الأمر بالنسبة لكل منهما؟
بعد إعلان جنوب أفريقيا عن رغبة عديد من الدول، من بينها المغرب والجزائر، الانضمام لتجمع "بريكس"، نفت الخارجية المغربية الخبر.
وأوضحت الخارجية المغربية أن الرباط لن تشارك حتى في الدورة 15 للتكتل التي تستضيفها جوهانسبورغ بين 22 و24 أغسطس (آب) الجاري.
من جانب آخر، ترغب الجزائر بشكل جدي في الانضمام لتلك المجموعة الاقتصادية، وتعمل على إجراء تعديلات على مجالها الاقتصادي بهدف تسهيل قبول عضويتها.
تشهد العلاقات المغربية- الجنوب أفريقية تنافساً بسبب دعم جوهانسبرغ لجبهة البوليساريو التي تتنازع السيادة مع الرباط على منطقة الصحراء منذ سبعينيات القرن الماضي.
ومن ناحية ثانية تدفع العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر إلى بحث البلدين للانضمام لتكتلات اقتصادية بعيدة عن الاندماج المغاربي.
صراع سياسي
المغرب أكد عدم نيته الانضمام لمجموعة "بريكس" وأن ما يتم ترويجه هو فقط ادعاءات تقف وراءها جنوب أفريقيا التي تعتبرها الرباط دولة معادية لوحدتها الترابية.
الباحث في العلاقات الدولية محمد عطيف قال، إن المغرب لم يتلق دعوة رسمية من قبل دولة جنوب أفريقيا لحضور اجتماع "بريكس"، لكن كل الادعاءات التي يروج لها من قبل دولة جنوب أفريقيا حول رغبة انضمام المغرب لذلك التجمع لا أساس لها من الصحة.
وأضاف أن ذلك ما دفع وزارة الخارجية المغربية لإصدار بيان تفسر تنفي فيه الرباط مشاركتها في ذلك الاجتماع، نتيجة اتخاذ حكومة جنوب أفريقيا مبادرة أحادية الجانب، فضلاً عن تقييم هذه المبادرة على ضوء علاقته الثنائية المتوترة مع هذا البلد، الذي يمارس السياسة العدائية تجاه الوحدة الترابية للمغرب.
ويشير الباحث المغربي إلى أن علاقة المغرب بذلك التجمع الاقتصادي تندرج في الإطار العام والتوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية للرباط، التي تنسجم مع التحولات التي يعرفها العالم على المستوى الاقتصادي.
ولفت إلى أن الرباط تسعى إلى بناء علاقات وطيدة وعميقة مع التكتلات الكبرى التي تضم دولاً قوية اقتصادياً مثل الصين وروسيا والبرازيل والهند.
وأوضح "في الواقع يقيم المغرب مع هذه الدول شراكات استراتيجية تؤكد سياسة الرباط في تنويع الشركاء الاقتصاديين بناء عن المصلحة المشتركة شريطة الحفاظ على التوازنات الاستراتيجية الاقتصادية مع القوى الكبرى".
فرصة كسب امتيازات
تسعى عديد من الدول للانضمام لمجموعة "بريكس" لما في ذلك من مكاسب مهمة بالنظر إلى القوة الاقتصادية لذلك التكتل الذي يضم ربع ثروة العالم، ويرى محللون أن في انضمام المغرب لذلك التكتل مكاسب اقتصادية وتجارية.
يشير الباحث في العلاقات الدولية هشام معتضد إلى أنه في حالة انضمام المغرب إلى هذه المجموعة الاقتصادية سيستفيد، خصوصاً من الامتيازات الاقتصادية والتجارية للتكتل، إضافة إلى الحوافز المالية وانسيابية رؤوس الأموال الاستثمارية داخل فضاء المجموعة، خصوصاً أن بعض التقارير الدولية أكدت أن النمو العالمي لـ"بريكس" سيصل إلى أكثر من 40 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة، كما أن وزن التكتل الاقتصادي العالمي سيتعدى 20 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الباحث أنه من حيث المبدأ لا يوجد في الإطار العام والتوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية للمغرب ما يمنع من الانضمام لذلك التجمع الاقتصادي، لكن التوجه المؤسساتي يفرض وجود إطار عمل أو إجراءات محددة تنظم توسيع هذا التجمع من أجل الانخراط المسؤول للرباط كدولة في تبني طرح هذا التوجه.
وأضاف أنه "إلى حدود الساعة، مجموعة بريكس الدولية ليست لها آليات وخريطة طريق ذات مقاربة ممنهجة واضحة المعالم تتيح لمن يرغب الالتحاق بها اعتمادها من أجل وضع طلبها، بل الخطر في الأمر أن هذا الفراغ السياسي والقانوني المرتبط بمسطرة ورؤية توسيع هذا التجمع قد يتم استغلاله من طرف بعض الأعضاء، لاستخدام المنصة متعددة الأطراف لتشجيع الانقسام أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة".
سعي جزائري
كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تعهد خلال عام 2022 بانضمام بلاده لمجموعة "بريكس" في نهاية 2023، وربط ذلك بضرورة مواصلة تطوير مجال الاستثمار، وقطاع التصدير، إضافة إلى إيصال حجم الناتج الداخلي الخام إلى ما يفوق 200 مليار دولار، في الوقت الذي بلغ فيه الناتج الداخلي الخام لجنوب أفريقيا، باعتبارها أصغر اقتصاد في المجموعة 163 مليار دولار خلال 2021.
أوضح المحلل الاقتصادي أحمد الحيدوسي أن الجزائر بصدد إصلاح مجالها الاقتصادي الذي شهد اختلالات، أخيراً، وذلك عبر تهيئة الأرضية القانونية، بإصدار قانون مشجع على الاستثمار في البلاد، إضافة إلى الإجراءات الحكومية الهادفة إلى تشجيع جلب الاستثمارات الأجنبية.
ولفت الحيدوسي إلى القوة الاقتصادية للتجمع والمتمثلة في الصندوق الاحتياطي الذي يحتوي على مبالغ مهمة من النقد الأجنبي، وبنك التنمية الجديد، الذي يمول مشاريع البنية التحتية في هذه الدول الأعضاء.
من جانبه، يشير المتخصص في الشأن الاقتصادي عمر هارون إلى أن العالم باتجاه تغييرات كبرى، تتلاشى فيها الأحادية القطبية، وتشهد تعدد العملات الدولية، بالتالي لن يظل الدولار وحده في الساحة، موضحاً أن المؤشرات تجعل من "بريكس" أحد أهم التحالفات الاقتصادية العالمية في المستقبل القريب.
ويرى الخبير الجزائري في انضمام بلاده المحتمل لتجمع يضم 22 في المئة من الناتج العالمي، ويحتل أكثر من 25 في المئة من مساحة العالم، ويضم بلدين تعدادهما السكاني يقارب ثلاثة مليارات نسمة، فرصة جيدة لتصريف المنتجات الجزائرية الخام والمصنعة.
ويضيف أن للدول المنشئة لـ"بريكس" رغبة في ضم عديد من الدول النامية، وذلك في إطار ما يعرف بـ"بريكس+"، موضحاً أن التجمع يهدف لإنشاء نظام مالي جديد بعيداً من أحادية الدولار، الأمر الذي يعمل لصالح الجزائر، حيث يساعد ذلك على إمكانية تصديرها لمنتجات غير المحروقات وبالعملة الوطنية، الأمر الذي يسهم في انتعاش تلك العملة، بحسب تعبيره
وما يزيد من إمكانية انضمام الجزائر لـ"بريكس" عدم وجود أي اعتراض غربي، حيث ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية كارين جان بيير، أن الإدارة الأميركية لا تطلب من شركائها الاختيار بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، مضيفة "لقد أكدنا مراراً وتكراراً أن الولايات المتحدة لا تريد تقييد الشراكات مع الدول الأخرى، نريد أن يكون للبلدان خيار حول كيفية تحقيق النتائج لمواطنيها".
كما تدعم بعض الدول الطلب الجزائري، حيث قال الرئيس عبدالمجيد تبون، إن "الصين وباقي الدول الفاعلة في مجموعة بريكس، على غرار روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، تدعم انضمام الجزائر إلى هذا القطب الجديد"، موضحاً أن انضمام بلاده إلى التكتل لن يتم خلال القمة المنعقدة حالياً بجنوب أفريقيا، وأن أولى خطوات الانضمام قد تكون عبر قبولها كعضو مراقب.