ملخص
لماذا لم تجد العقوبات السياسية والاقتصادية لـ"إيكواس" والاتحاد الأفريقي في الضغط على انقلابيي النيجر؟
بعد إعلان الاتحاد الأفريقي عن تعليق عضوية النيجر ثارت تساؤلات حول ما إذا كان التكتل الإقليمي وأيضاً المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) سيراهنان على الأدوات السياسية والدبلوماسية والضغوط الاقتصادية لحل الأزمة التي تفجرت في هذا البلد جراء انقلاب قاده الحرس الرئاسي ضد الرئيس المعزول محمد بازوم.
وفي ظل غياب أية بوادر عن تراجع قادة الانقلاب تحت التهديدات بالزحف العسكري، فإن ورقة العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تكرسها "إيكواس" والاتحاد الأفريقي قد تكون بديلاً لا سيما في بلد يواجه شبح الانهيار الاقتصادي على رغم الثروات التي يحظى بها.
وتزيد العزلة السياسية والاقتصادية للبلاد من معاناة النيجريين في الدولة التي يبلغ معدل الفقر بها 48.9 في المئة وحصة من الدخل للفرد 420 دولاراً أميركياً، مما قد يجعل الانقلابيين أمام وضع يصعب التعامل معه.
أوراق ضغط محدودة
باتت النيجر الآن معزولة إقليمياً بسبب العقوبات التي فرضتها مجموعة "إيكواس" والاتحاد الأفريقي، ومع ذلك لم يتراجع الانقلابيون ولو قيد أنملة، مما دفع الأولى إلى التلويح بالخيار العسكري من أجل إعادة النظام الدستوري للبلاد وهو تهديد أيضاً لم يردع القادة الجدد في نيامي.
واعتبر وسيط "إيكواس" عبدالسلام أبو بكر، القائد العسكري والرئيس السابق لنيجيريا، أن زيارة النيجر في مطلع الأسبوع كانت "مثمرة للغاية" وأنه لا يزال يأمل في التوصل إلى حل سلمي، مما قلص من احتمال حدوث اجتياح عسكري.
ومع أن مالي وبوركينا فاسو شهدتا انقلابات خلال العامين الماضيين فإن "إيكواس" والاتحاد الأفريقي لم يشنا على هذين البلدين في الساحل الأفريقي عقوبات قاسية كما جرى هذه المرة مع النيجر.
في هذا السياق، يقول الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية الصادق الزريقي، "لا أعتقد بأن ’إيكواس‘ والاتحاد الأفريقي يمسكان بكل أوراق الضغط السياسية والاقتصادية في مواجهة الانقلاب في النيجر، لسبب أساس هو أن الغرب من يملك هذه الأوراق، أي فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا تمثل ’إيكواس‘ أية ميزة غير أنها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ولديها هامش محدود من التحرك في فرض العقوبات، لا سيما أن كل هذه الدول تشترك في نسيج اجتماعي متقارب جداً".
وأكد الزريقي لـ"اندبندنت عربية" أن "المشكلة في إيكواس أنها هي نفسها تشهد انقسامات، وهناك دول لا تريد المشاركة في الحرب المحتملة، والولايات المتحدة تناور هي الأخرى، وهناك خلاف أميركي – فرنسي حول النيجر، ومسؤولون فرنسيون يتحدثون عما سموه خيانة من واشنطن في الملف النيجري".
واستنتج الزريقي أن "كل هذه المؤشرات تجعل الاحتمالات الأخيرة واردة، لا سيما بعد فشل وفد إيكواس الذي ذهب إلى نيامي وواجهه الانقلابيون بقرار فترة انتقالية لمدة ثلاثة أعوام مما يجعل من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع، لكن عموماً هناك ثلاثة خيارات، السياسي الذي تقوده إيكواس نفسها والخيار العسكري وخيار ثالث هو الوساطة وتقوده بعض الأطراف الدولية".
بحسب تقارير صحافية أفريقية فإن مجموعة "إيكواس" بدأت بحشد قواتها من الجيش النيجيري في بلدات قريبة من النيجر، لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك بمثابة إعلان لبدء الحرب على الجارة التي باتت محط أنظار العالم، على رغم حديث المجموعة حول أنها تعطي الأولوية للمحادثات الدبلوماسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أداة غير جيدة
ويستبعد مراقبون إمكانية أن تلعب العقوبات الاقتصادية دوراً بارزاً في ردع الانقلابيين، لا سيما أنه سلاح جُرب مع المجلس العسكري في مالي وبوركينا فاسو أيضاً على رغم أن العقوبات هذه المرة أشد.
وقال الباحث السياسي الفرنسي جوليان أنتولي، إن "هذه العقوبات ليست جديدة تماماً، وقد تم بالفعل فرض عقوبات مالية أو دبلوماسية في مواقف سابقة، وسرعان ما أصبحت العقوبات إحدى الطرق الرئيسة للضغط على الجيش الموجود في السلطة رداً على الانقلابات المتعاقبة في مالي وغينيا وبوركينا فاسو".
وأردف أن "الموقف الذي اتخذته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تجاه النيجر يعد أكثر صرامة، العقوبات الناجعة عادة تلك التي ترتبط بأهداف واضحة وقابلة للتحقق، وفي حالة النيجر فإن هذه العقوبات ستتسبب في توترات أكبر لا سيما في حال فقدان المواد الغذائية".
وبيّن أن "العنصر الحاسم سيكون مدة تطبيق العقوبات، لكن الثابت أنه في حال فشل المفاوضات بين الإيكواس والمجلس العسكري، سيقود ذلك إلى تطبيق العقوبات لمدة أشهر وقد يتسبب في آثار أكثر ضرراً على المدى المتوسط، مثلاً قد تتسبب هذه التدابير في تأخر وصول الأموال التي يحولها المغتربون إلى النيجر وهو ما سيؤدي إلى خلق توترات".
التفاوض هو الحل
ومع الفشل في احتواء الانقلابيين، فإن الكثير من المتابعين يرون أن الابتعاد عن سلاح العقوبات واللجوء إلى التفاوض قد يكون حلاً مع هؤلاء خصوصاً في ظل المخاوف عن صحة الرئيس محمد بازوم.
وقالت الباحثة السياسية النيجيرية عايشاتو ممادو، إنه "لا يمكن تحقيق عودة النظام الدستوري في النيجر من دون الحوار والدبلوماسية، في اعتقادي من الممكن تهيئة الظروف لحوار حقيقي بين مختلف الأطراف في النيجر لما فيه مصلحة البلاد".
وأوضحت أن "على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التريث حتى يتسنى تنظيم المرحلة المقبلة، خصوصاً أن العقوبات لن تزيد سوى من معاناة الشعب النيجري، لذلك الحل في التفاوض من أجل تعزيز العودة السريعة إلى النظام الدستوري وجعل كل دول المنطقة تستفيد من تجربة الديمقراطية الوليدة التي شهدتها النيجر".
ورأت أن "إصلاح الوضع يتطلب اتخاذ إجراءات أخرى مثل إصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته وتنظيم الحياة الديمقراطية لا سيما في ظل الوضع الصعب الذي تشهده البلاد، فمن غير المعقول أن يكون هناك أكثر من 149 حزباً سياسياً في دولة تشهد انهياراً اقتصادياً، صحيح أن الانقلاب يرجع بالبلاد سنوات إلى الخلف لكن من الضروري انتهاج الدبلوماسية والحوار كحل".
خيار وساطة جديدة
مع فشل "إيكواس" في لي ذراع الانقلابيين فإن هناك مؤشرات، بحسب متابعين، إلى وساطة جديدة قادرة على نزع فتيل الأزمة، لا سيما بعد تصعيدهم الأخير في ما يخص إعلان مرحلة انتقالية تدوم ثلاثة أعوام، وهي خطوة اعتبرتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا استفزازية.
وعلى رغم غياب أية وساطة ثانية إلى جانب الوساطة التي تقوم بها "إيكواس" فإن متابعين يرجحون دخول طرف ثالث تكون لديه القدرة على إقناع الانقلابيين بحل سلمي للأزمة الراهنة، لا سيما في ظل الخطر المحدق الذي تمثله الجماعات الجهادية التي لم تتوقف عن شن هجمات منذ الانقلاب الذي شهدته النيجر في الـ26 من يوليو (تموز) الماضي.
وفي ظل الغموض الذي يحيط بتوقيت التدخل العسكري الذي تنوي "إيكواس" القيام به فإنه من غير الواضح ما إذا كانت المجموعة والاتحاد الأفريقي سيبقيان على العقوبات السياسية والاقتصادية كخيار لحل أزمة النيجر التي تكتسب أهمية جيوسياسية بالنسبة إلى الغرب.