ملخص
خلا التصنيف الدولي الذي أصدرته أخيراً جامعة شنغهاي الصينية بخصوص ترتيب أفضل ألف جامعة منتقاة من بين 2500 جامعة عبر العالم من المؤسسات الجامعية المغربية
تجدد غياب الجامعات المغربية عن لوائح التصنيفات الدولية لأفضل المؤسسات الجامعية في العالم، آخرها الغياب عن تصنيف جديد يصدر في شهر أغسطس (آب) من كل عام لجامعة شنغهاي الصينية (Academic Ranking of world universities).
واستعصى ولوج الجامعات المغربية من جديد إلى قائمة أفضل ألف جامعة وفق تقرير جامعة شنغهاي السنوي، وهو غياب جعل متخصصين في التربية والتعليم يطرحون أسباب هذا الغياب المتكرر، والحلول التي قد تتيح لجامعات المملكة التنافس مع أفضل جامعات المعمورة.
جامعات أميركية
خلا التصنيف الدولي الذي أصدرته أخيراً جامعة شنغهاي الصينية بخصوص ترتيب أفضل ألف جامعة منتقاة من بين 2500 جامعة عبر العالم من المؤسسات الجامعية المغربية، بينما هيمنت الجامعات الأميركية بوجه خاص على المراتب الأولى.
وسيطرت الجامعات الناطقة باللغة الإنجليزية، وتحديداً جامعات الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، على ترتيب أفضل ألف جامعة في العالم، وذلك بعد أن تصدرت جامعة هارفارد الأميركية هذه القائمة للسنة الـ22 على التوالي.
وجاءت بعد جامعة هارفارد الأميركية على التوالي في المراتب الـ10 الأولى: جامعة ستانفورد الأميركية، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ثم جامعة كامبريدج البريطانية، وجامعة بيركلي الأميركية، وجامعة برينستون الأميركية، ثم جامعة أوكسفورد البريطانية، وجامعة كولومبيا، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، ثم جامعة شيكاغو الأميركية.
أما بخصوص الوطن العربي فتميزت الجامعات السعودية بشكل خاص في تصنيف شنغهاي الدولي، وحضرت بـ12 جامعة ضمنت مكاناً ضمن أفضل 150 جامعة عبر العالم.
وحضرت أيضاً في القائمة ذاتها جامعات إماراتية ومصرية وجامعة تونسية.
أسباب الغياب
وفي هذا الصدد يعزو إدريس لكريني أستاذ جامعي وأكاديمي غياب الجامعات المغربية من تصنيف أفضل ألف جامعة في العالم إلى اعتبارات وعوامل عدة، أولها يرتبط بغياب رؤية استراتيجية قوامها إصلاح المنظومة التعليمية خصوصاً على مستوى التعليم العالي، وضعف إرساء نقاشات عمومية يشارك فيها جميع الفاعلين لتدشين إصلاح يتجاوز الاختلالات القائمة بصورة تدعم استحضار آراء الفاعلين من أساتذة وموظفين وطلاب ونخب معنية بهذا الملف.
ولفت إلى العامل الثاني يتمثل في "هيمنة بعض المقاربات السياسية الضيقة التي يتوخى منها المسؤولون القطع مع تجارب حكومية سابقة ومحاولة إرساء سياسات جديدة بهذا الشأن"، مضيفاً أن "هناك عاملاً آخر يتعلق بدعم البحث العلمي وتعزيز التنافسية ومسار التحفيز للإنتاج العلمي، الذي يمكن أن يدعم ترقي الجامعات داخل التصنيفات الدولية".
هناك عامل ثالث آخر وفق الأستاذ الجامعي ذاته يرتبط بهيمنة اللغة الفرنسية، في مقابل عدم الاهتمام الكافي باللغة الإنجليزية التي هي اليوم اللغة الأكثر تداولاً ولغة البحث العلمي، التي تعطي قدراً كبيراً من الانتشار للأبحاث والدراسات الجامعية.
ولفت لكريني إلى عامل رابع هو "ضعف البنيات التحتية التي تتيح دعم الاستراتيجيات المعتمدة بشكل يكفل تحقيق الرهانات على مستوى توسيع الجامعات وتوفير التجهيزات الكافية وتشجيع البحث العلمي، وتوفير القاعات والمدرجات، وتوفير الكوادر التربوية والإدارية لدعم مكانة المؤسسات الجامعية داخل المجتمع".
واستدرك لكريني بأنه "بغض النظر عن هذه الملاحظات لا يمكن نفي الجهود التي قام بها المغرب في العقدين الأخيرين، إذ كانت هناك مجموعة من السياسات والمخططات الرسمية التي لحظت تطوير منظومة البحث العلمي والجامعي في البلاد، لكنها مجهودات ما زالت بحاجة إلى مواكبة وتطوير بشأن بلورة استراتيجية بعيدة المدى كفيلة بإعطاء دفعة قوية للبحث العلمي، وتعزيز مكانة الجامعات المغربية داخل المجتمع من حيث انفتاحها على سوق الشغل واستحضارها للتغيرات المجتمعية ودخولها التنافس الدولي، خصوصاً أن المغرب يحتضن كفاءات علمية في مختلف المجالات التي تتطلب كثير من التشجيع، وتوفير إمكانات الاشتغال وجعل الطالب محور هذه الاستراتيجيات بما يضمن له ولوج سوق الشغل والاستمرار في العملية التعليمية.
إعادة النظر في السياسات التعليمية
ويرى المحجوب ادريوش، باحث في شؤون التربية والتكوين، أن هذه التصنيفات الدولية تعتمد على مؤشرات عدة، من أهمها معيار الأداء الأكاديمي وكفاءة البحوث العلمية والمواد الدراسية التي تقدم في الجامعة وعدد الباحثين لكل أستاذ وحجم الأبحاث العلمية والدراسات التي نشرت في المجلات العالمية، ثم مدى الاستفادة من دعم المانحين والقطاع الخاص.
واعتبر ادريوش أن هذه المؤشرات تظل غائبة في الجامعات المغربية، الشيء الذي يستوجب إعادة النظر في السياسات التعليمية المتبعة، والابتعاد عن العشوائية في تخطيط وتنفيذ وتنزيل وتقييم هذه السياسات، من قبيل سن نظام "البكالوريوس" قبل ثلاث سنوات ليعمل به السنة الموالية لاعتماده عوض نظام "إجازة ـ ماستر ـ دكتوراه"، ليتفاجأ الجميع بإلغائه واعتماد إصلاح جديد داخل النظام السابق.
وأعطى الباحث مثالاً ثانياً، هو الاستراتيجية الوطنية لتطوير البحث العلمي 2025 التي أعدت من طرف لجنة وطنية أحدثتها وزارة التعليم عام 2005، وشملت مجالات الحوكمة المتعلقة بمنظومة البحث والإبداع والتعاون الدولي وتثمين نتائج البحث العلمي، مبرزاً أنها "عناوين كبرى لتدابير كثيرة للاستراتيجية لم يفعل منها كثير".
ولفت ادريوش إلى "جانب آخر يتمثل بضرورة توفير الجانب المالي أولاً عبر تخصيص نسبة مهمة من الناتج الإجمالي الخام للجامعة المغربية وقطب البحث العلمي، وثانياً بمساهمة الرأسمال الوطني في البحث العلمي داخل الجامعات أو خارجها، وكذا زيادة حصة القطاع الخاص لإنتاج ابتكارات ذات قيمة مضافة، وهو أمر سيسهل الحصول على تمويلات وطنية وأجنبية".
ودعا الباحث عينه إلى هيكلة البحث العلمي في شكل أقطاب مع هيكلة وتنصيب مؤسسة المجلس الوطني للبحث العلمي، وأيضاً إحداث بنيات تحتية مجهزة للنهوض بالبحث العلمي، وضرورة الاستثمار في الباحثين المغاربة الموجودين في بلدان العالم انطلاقاً من المنتدى العالمي للمغاربة المقيمين بالخارج بالتبني والمتابعة والتمويل، وإحداث مختبرات دولية تشارك فيها جامعات مغربية.
وزارة التعليم العالي المغربية سبق لها أن أكدت ضمن بلاغ سابق لها بمناسبة تصنيف دولي آخر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن التصنيفات الدولية للجامعات تعد من أهم الموشرات التي يمكن الاستدلال بها، لإبراز جودة التعليم العالي وتطور البحث العلمي في أفق كسب رهان التميز الأكاديمي والعلمي الذي يصبو إليه المخطط الوطني، لتسريع تحول منظومة التعليم العالي لعام 2030، كما أكدت الوزارة عزمها على مضاعفة الجهود من أجل الارتقاء بتصنيف الجامعات المغربية إلى مستويات أفضل.