ملخص
يحصل أبناء غزة على جواز سفر موقت لمدة عامين يمكنهم من السفر من دون رقم وطني بسبب مخاوف من التوطين
تبدأ الحكاية، عام 1948، حيث لجأ عدد من أبناء قطاع غزة إلى مناطق في الضفة الغربية، ومن ثم لجأوا إلى الأردن على أثر الاجتياح الإسرائيلي، عام 1967، ومنذ ذلك الوقت، يعيش هؤلاء في المملكة بلا جنسية أو أرقام وطنية وبفرص عمل محدودة ومقيدة ومن دون تأمين صحي، فيما السفر حلم بالنسبة لكثيرين منهم.
وعلى بعد نحو 70 كيلومتراً من العاصمة عمان، يقع مخيم غزة في مدينة جرش حيث يقطن معظم أبناء غزة، منذ عام 1968، في مساكن لا تزال أسقف معظمها مصنوعة من ألواح "الزينكو".
واليوم، يضم المخيم أكثر من 24 ألف لاجئ مسجلين من أصل 155 ألفاً من أبناء غزة يقيمون في الأردن، ويبحثون عن حقوق مدنية مثل الصحة والتعليم والعمل والتملك.
الحرمان من الدراسة والعمل
وعلى رغم إقامتهم الطويلة في الأردن، يفتقرون في الأردن لكثير من الحقوق المدنية كالحد من حريتهم في العمل والتعليم، الأمر الذي ينعكس على ظروفهم الحياتية ويحولها إلى جحيم.
وعلى سبيل المثال، يقول أحدهم، إن طلبه للالتحاق بالتعليم المهني رفض بسبب عدم حصوله على رقم وطني أردني، فيما يضطر كثيرون للدراسة في المدارس الخاصة بدلاً من الحكومية، ووفقاً للتعليمات الحكومية، يمنع أبناء غزة من العمل في القطاع الحكومي، ومزاولة كثير من المهن كطب الأسنان والهندسة الزراعية والمحاسبة والصيدلة والسياحة والمصارف، ما يدفعهم للتوجه نحو فرص قليلة جداً في القطاع الخاص أو من خلال عمل غير منظم يجعلهم عرضة للاستغلال وغياب الحقوق العمالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول محمد، وهو أحد أبناء قطاع غزة في الأردن، إنه يضطر سنوياً لدفع 500 دولار مقابل الحصول على تصريح عمل ما يثقل كاهله، فضلاً عن اضطراره لتجديد وثائقه الرسمية كجواز السفر الموقت ورخصة القيادة بمبالغ مضاعفة، وأيضاً للعمل بعدما واجه صعوبة في الالتحاق بالجامعات الرسمية.
ويحصل أبناء غزة على جواز سفر موقت، مدة عامين، قد يمكنهم من السفر، ومن دون رقم وطني، بسبب مخاوف رسمية من التوطين، لكن كثيرين يرفض طلبهم، ويعيشون جراء معاناتهم أوضاع فقر وبطالة وسوء سكن ومرافق خدماتية وما يترتب على هذه الحال من تداعيات صحية ونفسية ومسلكية.
سماح بالتملك وإعفاءات طبية
في المقابل، تقول الحكومة الأردنية، إنها سمحت لأبناء غزة في المملكة بالتملك منذ عام 2019 وإنه منذ ذلك الحين تقدم 1257 شخصاً بطلبات تملك عقارات، وفقاً لتعليمات وشروط وفئات محددة، إذ يسمح لرب الأسرة من أبناء قطاع غزة بالتملك فقط وليس للأبناء، وبمساحة محددة، أو بتملك منزل مستقل على قطعة أرض مساحتها محددة، أو شقة سكنية واحدة، كما تقول الحكومة الأردنية، إنها تقدم إعفاءات طبية خاصة بمرضى الفشل الكلوي والسرطان لأبناء قطاع غزة، إلا أن هذا غير كاف برأي جهات ومنظمات عمالية تطالب دوماً الحكومة الأردنية بتنظيم عمل أبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن وإعفائهم من تصاريح العمل مراعاة لظروفهم الاقتصادية والتوقف عن معاملتهم وكأنهم عمالة مهاجرة.
وتؤكد مؤسسة "تمكين" الحقوقية العمالية، إنه على رغم قرار الحكومة بتقديم تسهيلات لأبناء قطاع غزة، عام 2018، فإن عديداً منهم ما زالوا محرومين من الحصول على فرص عمل لائقة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بينهم، وتوضح المؤسسة أنه مع بداية عام 2016، أصبحت إمكانية الالتحاق بسوق العمل أكثر صعوبة، عقب صدور قرار عن وزارة العمل يجبر أبناء قطاع غزة العاملين والراغبين بالعمل على إصدار تصاريح عمل، رافقه قرار آخر صدر عن وزارة التربية والتعليم يمنعهم من العمل في المدارس الخاصة، استناداً إلى قرار كانت الوزارة قد أصدرته، عام 2015، ولم يتم تطبيقه حينها، لكنها عادت لتطالب بتطبيقه.
مخيم متهالك
وتتحدث وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" عن أن نحو ثلاثة من كل أربعة مساكن في مخيم غزة لا تصلح للسكن، ويظهر مسح للاجئين أجرته منظمات دولية أن معظم سكان المخيم يعيشون في حالة فقر وبعضهم لا يزيد دخله اليومي على 1.25 دولار، بينما تقول دائرة الشؤون الفلسطينية، إنها تخصص ميزانيات سنوية لتحسين البنى التحتية لمخيم غزة في جرش، وإعادة تأهيل الوحدات السكنية وتقديم تأمين صحي مجاني، لكن، أخيراً، وبسبب نقص تمويل "الأونروا" بدا واضحاً تأثير ذلك سلباً على الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في المخيم، وما تبع ذلك من توقف للخدمات كخدمة النظافة والمراكز الصحية والمدارس.
وأكد رئيس لجنة الخدمات في المخيم خضر عبسي أن ثمة نقصاً في التحصيل العلمي في المخيم، ما تترتب عليه ضغوط معيشية، مشيراً إلى أن الإعالة التي تقدم للعائلات بمقدار 30 دولاراً لـ800 عائلة كل ثلاثة أشهر لا تكفي، مضيفاً "كيف ستكفي 10 دولارات للشخص في كل شهر؟ وماذا يتوقع من مركز صحي متواضع لا توجد فيه عيادات تخصصية ولا يقدم العلاج الكافي ما أدى لتفاقم الأمراض؟".
معاناة مستمرة
ويصطدم كثيرون من أبناء غزة في الأردن ممن حالفهم الحظ بالدراسة الجامعية بقرار رسمي لا يسمح لهم بالحصول على شهادة مزاولة مهنة، ما يعني أن شهاداتهم الجامعية ليست أكثر من حبر على ورق، وفيما ينجح البعض في السفر إلى الخارج لا يتمكن كثيرون من ذلك، كما يحجم كثيرون من أصحاب العمل عن تشغيل هؤلاء الأشخاص بسبب عدم وجود رقم وطني لديهم.
ويقول أحد أبناء قطاع غزة في الأردن، إن جميع المهن تعتبر مغلقة أمام أبناء غزة، وهو من مواليد الأردن ومتزوج من أردنية ولا تنتهي معاناته عند هذا الحد، بل تمتد للعلاج والتعليم والحصول على جواز سفر.
وتقول الباحثة المتخصصة في الشأن الفلسطيني نادية سعد الدين، إن أبناء غزة في الأردن يحصلون اليوم على جواز سفر لمدة خمس سنوات بدل سنتين ومن دون رقم وطني كما كانت عليه الحال سابقاً، إضافة إلى هوية شخصية لتسهيل أمورهم اليومية. وتضيف "لكن أوضاعهم سيئة مقارنة بباقي اللاجئين الفلسطينيين في المملكة، حيث إن 72 مهنة مغلقة أمامهم، فضلاً عن قائمة محظورات طويلة وموافقات أمنية متعددة"، وتشير سعد الدين إلى سنوات متراكمة من تدهور الأوضاع وغياب الحقوق المدنية لأبناء غزة في الأردن، إضافة إلى معاناة اقتصادية شديدة إذ ترتفع نسبة البطالة والفقر في صفوفهم إلى 64 في المئة، إضافة إلى معدلات أمية وعمالة أطفال كبيرة جداً.