ملخص
أوروبا لم تتمكن من إصدار اليورو كعملة موحدة قبل تقارب الأنظمة الاقتصادية بين دولها وإنشاء بنك مركزي أوروبي
مجموعة "بريكس" تشبه قطاراً تقوده قاطرة صينية، والقمة الـ 15 في جوهانسبورغ جنوب أفريقيا، بدت مهرجاناً لممثلي 40 دولة من حول اجتماع داخل أبواب مغلقة لقادة يريدون تغيير العالم: الرئيس الصيني شي جينبينغ، الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أرسل الوزير سيرغي لافروف ليمثله بسبب مذكرة توقيف ضده صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
هاجس المجموعة التي تمثل ربع الاقتصاد العالمي وخمس التبادل التجاري وتضم 40 في المئة من سكان العالم هو الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية للغرب بقيادة أميركا ورمزها الدولار، وطموحها هو التوصل إلى "نظام عالمي أكثر توازناً"، وهي تقوم بدورين: دور لكل دولة عضو، ودور جماعي، الصين قوة عظمى، وروسيا قوه كبرى، وكل من جنوب أفريقيا والهند والبرازيل قوة إقليمية مهمة تطمح للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن ضمن الدعوات إلى توسيع المجلس، أما الدور الجماعي، فإنه تشكيل قطب وازن على القمة الدولية يمثل ما صار يسمى "الجنوب العالمي" ويكون مقابل القطب الأميركي، وأما أميركا، فإنها واثقة بلسان مستشار الأمن القومي جيك سوليفان من أن المجموعة "لن تشكل منافساً جيوسياسياً للولايات المتحدة أو أي بلد آخر".
لكن دور "بريكس" في اللعبة الجيواقتصادية مهم ومؤثر، أولاً عبر "بنك التنمية الجديد" الذي مركزه شنغهاي ومهمته تقديم قروض وتسهيلات لبلدان الجنوب العالمي كبديل من صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين تهيمن عليهما واشنطن، وثانياً من خلال التخلي عن الدولار بوصفه "عملة عالمية بشكل لا رجعة فيه" بحسب خطاب بوتين عبر الفيديو، وهذا يعني أن يتم التبادل التجاري بين بلدان المجموعة كما بينها وبين دول في العالم بالعملات المحلية بدل الدولار: الراند الجنوب أفريقي، الريال البرازيلي، الروبية الهندية، الروبل الروسي، واليوان الصيني، وثالثاً بالمزيد من توسع المشروع الصيني "الحزام والطريق" في آسيا وأوروبا وأفريقيا، ورابعاً عبر البحث في ما دعا اليه الرئيس البرازيلي، وهو إصدار عملة موحدة من دون إلغاء العملات المحلية، والسؤال هو: هل تبدو الأمور سهلة إلى هذا الحد؟ وأين الطموحات من الوقائع؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوروبا لم تتمكن من إصدار اليورو كعملة موحدة وبديل من العملات الأوروبية المحلية قبل تقارب الأنظمة الاقتصادية بين دولها وإنشاء بنك مركزي أوروبي من دون إلغاء البنوك المركزية في كل بلد، ولا شيء من هذا جاهزاً في "بريكس"، والاقتصادات مختلفة في بلدان الأعضاء الخمسة، وإنشاء بنك مركزي مهمة صعبة وعملية خاسرة، فضلاً عن أن الخروج من نظام "سويفت" للتحويل بين المصارف هو، حتى إشعار آخر، عقاب أكثر منه استقلالية، فالدولار لا يزال يشكل 60 في المئة من الاحتياط العالمي، ونسب مبادلات "سويفت" بين المصارف هي 42 في المئة بالدولار، و32 في المئة باليورو، واثنان في المئة باليوان، وأقل من ذلك بالروبل الذي يترنح مقابل الدولار مثل عملات دول أخرى من بين 40 دولة طامحة للانضمام إلى "بريكس".
الرئيس الجنوب أفريقي لم يكتم حقيقة ما يراه في "بريكس" ودول أخرى من مشكلات البطالة وانعدام المساواة والفقر ليقول "لا نبحث عن تحديات لأي دولة بل نريد تنظيم الاقتصاد العالمي"، والرئيس البرازيلي نفى اللجوء إلى تحدي "مجموعه السبع" وحدد الهدف بـ "تنظيم الجنوب العالمي"، والرئيس الصيني ركّز على توسيع العضوية في "بريكس" على أساس أن في انضمام بعض البلدان، وبشكل خاص السعودية ومصر، قوة للمجموعة، مقابل تحفظات الهند والبرازيل خوفاً من أن يصبح التوسع الزائد نقطة ضعف، لكن ما يغري الدول الأفريقية في طلب القروض والاستثمارات من الصين وروسيا هو أنهما لا تفرضان، مثل أميركا وأوروبا، شروطاً سياسية مع القروض من نوع حقوق الإنسان والديمقراطية.
ولا مفرّ من التوسيع وإدخال دم جديد على المجموعة، والبحث عن "نظام عالمي أكثر توازناً" ليس وراء الباب.