ملخص
تجميد ملف الجزائر أثار خلافاً بين مراقبين بعضهم طالبوا بإصلاحات اقتصادية وآخرون أرجعوه إلى مواءمات سياسية
عكس التوقعات في الأقل الجزائرية جمدت مجموعة "بريكس" ولو موقتاً انضمام الجزائر إليها، الأمر الذي أثار نقاشات على جميع المستويات سواء في الداخل أم الخارج حول أسباب عدم القبول، وبين من يعتبرها سياسية واقتصادية وأخرى "خصومية"، يزيد الصمت الرسمي من غموض ما جرى في قمة جوهانسبورغ.
وجاء خلو قائمة الدول المقبولة في تكتل "بريكس" من اسم الجزائر ليحدث "صدمة" محلية، على حد وصف متابعين، ويطرح استفهامات خارجية، على رغم تعليق وزير المالية الجزائري لعزيز فايد، الذي مثل الرئيس تبون في قمة جوهانسبورغ، بقوله إن بلاده أخذت علماً بالقرار الذي أعلنه قادة مجموعة "بريكس"، والقاضي بدعوة ست دول جديدة لعضوية المجموعة، وفتح المجال في المستقبل القريب لدول أخرى.
فايد قال أيضاً، "قناعتنا تظل راسخة بأن الجزائر بتاريخها المجيد ورصيدها الثري في مختلف المجالات إضافة إلى موقعها الجيواستراتيجي تقدم لعضويتها مزايا جلية"، موضحاً أن بلاده تعول في ذلك على اقتصادها المتنوع والنمو التصاعدي، لخلق فرص للتعاون المثمر داخل المجموعة.
وذهب إلى أن الجزائر تقدمت بترشحها للانضمام إلى "بريكس" من منطلق إدراكها أن خيار التحالف والتكتل سيادي واستراتيجي وتنموي، من شأنه أن يسهم في التعاون مع مكونات المجتمع الدولي الأخرى.
واتخذت مجموعة "بريكس"، في قمة لقادتها في مدينة جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا، التي عرفت غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحضوره عبر تقنية "الفيديو"، قراراً تاريخياً بضم أعضاء جدد، هم السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، إلى المؤسسين الخمسة، روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند.
تصريحات لافروف كاشفة
لكن تأتي تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي حضر القمة نيابة عن الرئيس بوتين، لتكشف عن بعض الذي حدث داخل القمة، وأن قبول دول ورفض أخرى إنما جاء لاعتبارات عدة قد تكون غير واقعية، ولم تخضع لمعايير محددة وإنما لحسابات سياسية أكثر منها اقتصادية.
لافروف قال إن النقاشات حول توسيع "بريكس" كانت مكثفة لم تخل من مشكلات، لكن بشكل عام كانت كل دولة تستهدف اتخاذ القرار بضم أعضاء جدد.
وأشار إلى أنه أخذت المعايير والإجراءات بالنسبة إلى المنضمين الجدد في الاعتبار، لكن الاعتبارات الأهم لقبول عضوية دولة من الدول المرشحة كانت هيبتها ووزنها السياسي، وبطبيعة الحال مواقفها على الساحة الدولية، "لأن الجميع متفقون على أن نوسع صفوفنا من خلال ضم ذوي أفكار مشتركة".
وزير الخارجية الروسي أوضح أيضاً أن من الدول التي تحمل الأفكار المشتركة تلك التي تؤيد تعددية الأقطاب، وضرورة جعل العلاقات الدولية أكثر ديمقراطية وعدالة، وزيادة دور جنوب العالم في آليات الحوكمة العالمية، وختم بأن الدول الست التي أعلنت أسماؤها اليوم تستوفي هذه المعايير بشكل كامل.
الرفض المنتظر
وتعليقاً على "فشل" انضمام الجزائر إلى "بريكس"، قال الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة جنيف حسني عبيدي، في تغريدة له على "إكس"، "إن عدم القبول كان منتظراً، وما حدث يعد فرصة للتفكير العلمي لبناء منظومة اقتصادية عصرية ومنفتحة على العالم، كما أن تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل تشكل أولويات بالنسبة إلى المواطن قبل التكتل، متوقعاً أن يكون الانضمام تدريجاً يساعد في تحسين الأداء الاقتصادي والمصرفي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعاد عبيدي ليتحدث عن غموض معايير العضوية، وأبرز أن عدم انضمام الجزائر في مقابل دخول دول أخرى أقل اقتصادياً أمر يدعو إلى الاستغراب، منوهاً بأن شروط عضوية مجموعة "بريكس" غامضة لأن توسيعها لدول جديدة لم يكن محل اتفاق الجميع لضمان الفاعلية، وهو ما دفع بفكرة "بريكس +" التي لم تقنع الجميع.
وأضاف أن المعيار الاقتصادي لم يكن المعيار الوحيد، بدليل أن دولاً اقتصادها أقوى من إثيوبيا ومصر مثل إندونيسيا وحتى نيجيريا لم تلتحق بالمجموعة، مشيراً إلى أن عناصر معقدة ترتبط بخيارات الدول المؤسسة والتفاهمات والمساومات السياسية داخل المجموعة هي المحدد للقبول أو الرفض بالإجماع، إذ يكفي تحفظ واحد لرفض قبول دولة معينة.
تناقضات واعترافات
رفض انضمام إندونيسيا وباكستان ونيجيريا وماليزيا، وهي الدول التي تكاد هيبهم وسمعتهم العالمية تتفوق على هيبة كثير من الأعضاء وقبول كل من مصر وإثيوبيا، وهما تعيشان على إيقاع توتر كبير بسبب سد النهضة وحصة مصر من مياه النيل، كما أن مواقف إيران والأرجنتين دولياً مقارنة بدول عدة، لا سيما تهديدات طهران المستمرة لجيرانها ولدول الشرق الأوسط، يدحض تصريحات لافروف ويبقى يثير استفهامات.
ولفت الانتباه إلى أن رفض طلب الجزائر تم إما على خلفية غياب المؤهلات الاقتصادية التي تؤهلها للانضمام إلى المجموعة، أو بسبب خصومات تكون بينها وبعض الدول التي تكون عملت في الكواليس على منع قبول انضمامها في مقابل تحفيزات مالية لصالح "بريكس"، لا سيما في ظل تردد الهند إحدى الدول المؤسسة أو "رفضها" انضمام الجزائر في الأقل خلال الوقت الحالي.
من جانبه يرى رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان أن الاستثمار الدبلوماسي والسياسي والإعلامي الذي نفذته الجزائر ورئيسها لدخول "بريكس" لم يشفع في تعويض نقاط ضعفها الهيكلية، مشيراً إلى أنه أمام هذه العودة للواقع، يجب البحث عن مسؤوليات الإخفاق لكن من دون العمل على جلد الذات.
وأوضح أن الدول الأعضاء في معايير اختيارها ركزت على الأبعاد الاقتصادية بخاصة مصالحها الوطنية، وعليه فإن "خيبة الأمل يجب أن تفتح أعيننا على الواقع ومراجعة أنفسنا بدل تحميل الآخرين أسباب مشكلاتنا".
وقال إن "ضعفنا الاقتصادي الدراماتيكي هو خطؤنا نحن، فالطبيعة منحت الجزائر كل الخيرات، لكننا عجزنا أن نثمنها"، مشيراً إلى أن "من بين النقائص التي تضرنا كثيراً، وعدم فهم طريقة سير العالم الاقتصادي، واعتمادنا على الدعم المعمم، وعلى المنطق الريعي والشعبوي من دون حدود، مع تفشي الفساد في الإدارة واستعمالها لأغراض شخصية، فضلاً عن الخيارات الكارثية للمسؤولين التنفيذيين".
اقتصاد متذبذب وغير مستقر
الإعلامي المهتم بالعلاقات الدولية محمد دلومي اعتبر بدوره أن تجمع "بريكس" وعاء اقتصادي بالدرجة الأولى، وإن كانت السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد، بالتالي فإن عدم تمكن الجزائر من دخول هذا الفضاء يعود لعوامل عدة تتعلق بوضعها الاقتصادي المتذبذب وغير المستقر.
وقال إن دول "بريكس" تجمعها المصالح المشتركة، ودخول هذا الفضاء يتطلب تحقيق جملة من الشروط ما زالت الجزائر متخلفة عنها، فعلى سبيل المثال النظام البنكي ما زال متخلفاً عن المنظومة المصرفية العالمية، فضلاً عن بيروقراطية معقدة لا تشجع على الاستثمار.
وأوضح أنه وعلى رغم الإصرار الرسمي على ضرورة رقمنة الإدارة إلا أن الوضع لا يزال متأخراً، مقارنة مثلاً بمصر التي خطت خطوة كبيرة في هذا المجال، فضلاً عن بنية تحتية جديرة بالاهتمام، وهو ما تفتقره الجزائر.
كما أن قوانين الاستثمار تكاد تكون الوحيدة في المنطقة العربية التي تبقى غير مستقرة وفق دلومي، الذي أوضح أن "بريكس" في أساسه جمع أسرع الدول في ما يتعلق بنسبة النمو، والجزائر وفق تقارير دولية لم تحقق قفزة في هذا المجال مقارنة بدول عربية أخرى، إذ إن تنبؤات بعض الهيئات الدولية حول نسبة النمو في 2023 وضعت الجزائر من بين الدول العربية الأقل نمواً اقتصادياً عكس ليبيا والعراق مثلاً، على رغم تطمينات الجهات الرسمية الجزائرية التي تقدم تقارير على نسبة نمو متقدمة.
وختم حديثه بالإشارة إلى أنه على رغم تمتع الجزائر باستقرار سياسي عكس إثيوبيا، إلا أن ذلك لم يشفع لها لحجز مكان في "بريكس" في ظل اعتماد اقتصاد البلاد على النفط.