ملخص
رغم تفاقم الأوضاع في السودان وحاجة النازحين لها تسريب مواد إغاثية إلى السوق السوداء
وسط تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الخرطوم منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، استقبلت مدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر عبر مينائها ومطارها كميات ضخمة من مواد الإغاثة الإنسانية قدمتها بعض الدول لتوزيعها على المتضررين في مناطق النزاع والنزوح وتتضمن مواد غذائية وأدوية منقذة للحياة.
ومنعت قوات "الدعم السريع" وصول هذه المواد الإغاثية إلى المناطق المنكوبة في وقت تعاني الأسر النازحة أوضاعاً إنسانية متأزمة، إلى جانب الأسر المستضيفة التي تمر بأوضاع اقتصادية قاسية، مما جعل الفوضى تضرب هذه المواد من نهب وسرقة وتسريب إلى الأسواق على رغم الحراسة المشددة، إذ ضبطت كميات منها تباع علناً في المحال التجارية وعليها شعارات الدول التي وضعت كملصقات على الصناديق "الكرتونية".
فما حقيقة ما حدث في شأن هذه المواد ووكيف تسربت إلى الأسواق من دون رقابة الجهات الحكومية السودانية ذات الاختصاص؟
جودة وطلب
قال صابر الوالي صاحب متجر في مدينة بورتسودان، "بالفعل أسواق المدينة وعلى امتداد البصر تمتلئ بمواد الإغاثة وبأعداد كبيرة، بصفتي تاجراً كنت أشتري بضاعتي من تجار الجملة، لكن منذ فترة أشتري مواد الإغاثة المعروضة على الأرض أو من داخل متاجر سوق المدينة الكبيرة، وهي تحوي كل المواد التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية".
وأشار إلى أن تلك المواد تباع بأثمان باهظة، بخاصة الدقيق والسكر واللبن المجفف نظراً إلى جودتها العالية، مما جعل كثيرين من الزبائن يطلبونها مرات عدة ويوصي بعضهم عند نفادها بأن تحجز لهم كميات منها بعد دفع ثمنها مقدماً.
وأوضح أن تسريب هذه المواد إلى الأسواق وبيعها بصورة علنية أديا إلى استياء المواطنين لأنهم يعتبرون أنه كان الأحق أن تذهب إلى مستحقيها من النازحين ومن هم في مناطق القتال بدلاً من أن تباع في الأسواق بهذه الطريقة المسيئة والمشينة.
مطالبة بالتحقيق
فيما طالبت المواطنة السودانية إلهام علي التي تعمل معلمة بضرورة التحقيق في أمر مواد الإغاثة التي وصلت إلى البلاد وما صاحبها من أحداث، متسائلة "كيف وصلت إلى الأسواق؟ ومن المستفيد من بيعها؟، في وقت تمر كل فئات المجتمع السوداني بأوضاع مزرية، حتى الولايات الآمنة أصبحت تعاني الغلاء وارتفاع الأسعار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبرت أن نهب وسرقة مواد الإغاثة انتهاك واضح وفاضح لحقوق المواطن الذي تضرر كثيراً من الحرب، فهذه المساعدة جاءت في الأصل لإنقاذه، لتمكينه من تفادي الأخطار التي لحقت به من جوع وتفشي الأمراض والأوبئة.
ونبهت إلى "أن هناك مجموعة من الشباب لا ندري إلى من ينتمون حضروا إلى المنازل التي تؤوي نازحين بغرض تسليمهم مواد إغاثة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث على رغم أن الحرب دخلت شهرها الخامس، ولم تصل مساعدات سواء للنازحين أو الأسر المستضيفة وأصبح شراؤها من الأسواق أمراً عادياً، ومن وجهة نظري ليست هناك أعذار ولا مبررات لما حصل".
حفيظة المسؤولين
ومنذ فترة شكلت لجنة تسييرية من عدد مقدر من المسؤولين في ولاية البحر الأحمر لمتابعة سير العمل بالإغاثة الإنسانية، لكن ما آلت إليه الأحداث في شأنها جعل المسؤولين في حال تحفظ فامتنعوا عن الحديث وإفادة الرأي العام عن الكميات التي وصلت وكيف تم التعامل معها من ترحيل وتخزين؟ ومن هي الفئات التي تم حصرها؟ وكيف تعرضت للنهب والسرقة على رغم الحراسة؟ وكيف وصلت إلى الأسواق؟ ولمصلحة من تعود الأموال الطائلة عقب بيعها؟
لكن كل هذه الأسئلة تقابل بحال صمت بليغ من قبل المسؤولين السودانيين مما يدل على حديث مسكوت عنه لعدم إثارة مزيد من الخلافات، في وقت تمر البلاد بمنزلق خطر.
الصحافي السوداني محيي الدين شجر المهتم بالشأن الإنساني قال إن "كميات من المواد الغذائية والأدوية تم تسريبها إلى أسواق بورتسودان تعرض على الأرض تحت أشعة الشمس المرتفعة مما يجعلها عرضة للتلف، في وقت حرمت آلاف الأسر النازحة من هذه المواد وهي المعنية بالأمر".
وأضاف أن المساعدات بعد تخزينها بمنطقة سلبونا في البر الشرقي ببورتسودان وهي نحو 13 ألف طن كما يزعمون، تعرضت للسرقة من جهات مجهولة، جاءت ليلاً وكسرت المخازن وحملتها في شاحنات، منوهاً بأن سلطات ولاية البحر الأحمر ضبطت شحنات كانت مهربة.
وتابع "كما بذل الهلال الأحمر السوداني جهوداً في إيصال مواد الإغاثة للنازحين على رغم تسلمه كميات ضئيلة، أما الإغاثة التي وصلت إلى ولايات دارفور فقد دار حولها لغط كبير إذ إنها اختفت قبل بلوغها مقصدها، إلى جانب الاعتداء على المسؤولين عن توزيعها".
ورأى شجر أن "هذه التفلتات في شأن الإغاثة يجب التحقيق فيها ومكافحة التهريب ومعاقبة كل من تسول له نفسه التلاعب باقتصاد وأمن البلاد سواء في ولاية البحر الأحمر أو غيرها من الولايات".