عادت لغة الوعيد والتهديد بين طرفي الصراع في اليمن منذرة بعودة العنف الذي هدأ منذ نحو عام على أمل أن يهيئ الظروف لاتفاق سلام بين الفرقاء ينهي القتال ومأساته المريعة.
ومساء أمس الجمعة، حذر محافظ مأرب " شرق"، عضو مجلس القيادة الرئاسي، سلطان العرادة، جماعة الحوثي من "نفاد الصبر" إزاء تماديها المستمر واستغلالها لدعوات السلام، التي تم بموجبها فتح ميناء الحديدة "غرب" ومطار صنعاء اللذين تسيطر عليهما الجماعة دون أن تنفذ بالمقابل الالتزامات التي عليها.
تحت مظلة السلام
وفور عودته من الخارج عقد العرادة اجتماعاً موسعاً ضم قيادات مدنية عسكرية وأمنية وسياسية في مدينة مأرب الاستراتيجية والغنية بالنفط التي تشكل آخر قلاع الشرعية اليمنية شمالاً، قال خلاله إنه "لا يمكن أن تظل ميليشيات الحوثي الإرهابية تحت مظلة السلام الكاذب تستورد ما تريد، وتحاصر الشعب اليمني وموانئه وطرقاته، وتمنع صادراته التي يتغذى منها المواطن اليمني"، في إشارة إلى تدفق السلع والمواد التجارية عبر ميناء الحديدة، عقب رفع الحظر عن الميناء المطل على مياه البحر الأحمر غرب البلاد من قبل الشرعية والتحالف الذي تقوده السعودية، وما يمثله ذلك من مورد اقتصادي ضخم للميليشيات المنقلبة في عام 2014، وفي المقابل تواجه البلاد أزمة مالية غير مسبوقة، جراء توقف تصدير النفط منذ تسعة أشهر، بفعل هجمات شنتها ميليشيات الحوثي على موانئ التصدير الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية بعد أن قامت بقصفها مرات عدة.
العودة لمشروع الدولة
وإزاء ذلك، دعا في اللقاء الذي حضره رئيس هيئة أركان الجيش اليمني، صغير بن عزيز، إلى "ضرورة الاصطفاف الفعلي حول مشروع الدولة ومبادئ ثورتي سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) (اندلعتا ضد نظام الإمامة شمال اليمن 1962 والاستعمار البريطاني في جنوبه 1963) وعدم الالتفات للصراعات والمناكفات والمشاريع الصغيرة". في إشارة إلى حالة التباين الحاد داخل الشرعية اليمنية التي يمثلها مجلس القيادة الرئاسي الذي يقوده رشاد العليمي ويضم في عضويته سبعة أشخاص آخرين يشكلون طيف القوى اليمنية التي تلتقي في مناهضة المشروع الحوثي، وتتباين في الرؤى والمنطلقات السياسية التي أعاقت، وفقاً لمراقبين، مهمة استعادة الدولة التي أنيطت بالكيان الذي تأسس في أبريل (نيسان) 2022.
الحوثي يتآكل
في قراءة لوضع المشهد السياسي ومصير معركة الشرعية اليمنية مع الجماعة المدعومة من إيران في ظل عودة الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد صيغ سلام مشتركة، قال عضو مجلس القيادة الرئاسي، إن مشروع "الحوثيين يتآكل من الداخل، ويعاني من مشكلات داخلية كبيرة جداً، وأبرزها عدم قبول الشعب أن يكون تابعاً لولاية الفقيه في قم (مدينة إيرانية) ورفضه لرؤية الميليشيات وأفكارها المنحرفة".
وأوضح أن الجماعة "الحوثية لا يمكن أن تخضع للسلام الحقيقي لأن ذلك يعني نهايتها، وإنما تريد أن تكسب الوقت وتلعب على الأطراف الأخرى".
السلام بوجه أو بآخر
وعلى وقع عودة الزيارات التي تشهدها صنعاء والرياض ومسقط لوفود عمانية وأممية ودولية لإيجاد تفاهمات تسعى لتجديد الهدنة المنتهية والدخول في خطة سلام، توعد المسؤول اليمني بهزيمة الحوثيين الذين فشلوا على رغم الهجمات المستميتة الضاغطة منذ سنوات إسقاط محافظته التي تضم أعتى قوات الشرعية العسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال العرادة "سنقف رغم الظروف والعراقيل على المستوى الداخلي والخارجي، وسنستعيد دولتنا ونفرض السلام بوجه أو بآخر عبر الأمم المتحدة، فهو المطلوب، ما لم يعبر أبطال القوات المسلحة والأمن والمقاومة الشعبية".
وأضاف أن "الشعب اليمني يمتلك أكثر مما يمتلكه الحوثي من القوة والإرادة والحق".
وشدد على أنهم "يمثلون الجمهورية اليمنية، وأن أمل الناس فيهم، ويجب حمل هذه المهمة بكفاءة وجدارة وجلب الناس لاستعادة الدولة، بعيداً من المناطقية والقبلية والحزبية والمذهبية".
سجال السياسة أو الحرب؟
حديث العرادة يعيد سجال الوعيد والتلويح بعودة الحرب إلى واجهة المشهد السياسي، الذي شهد هدنة غير معلنة منذ أكتوبر الماضي بين طرفي الصراع.
ففي حين يلوح الحوثي بالتصعيد كما هي عادته في حال لم تلب مطالبه من بينها "تسليم مرتبات موظفي الدولة" التي يواجه بشأنها ضغطاً شعبياً بات يخشاه، ترد الحكومة الشرعية المعترف بها بلغة تتوعده باعتباره "طرفاً انقلابياً نهب رواتب الموظفين وسخرها لحربه ضد الشعب اليمني"، وفقاً للسردية الرسمية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، اتهم وزير الدفاع اليمني، فريق ركن، محسن الداعري، الحوثيين "بالاستمرار في عملياتهم العدائية، واستهداف مواقع القوات المسلحة في أكثر من جبهة".
ترقب واعد
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب سلسلة من التحركات الدولية بشأن الملف اليمني الملتهب عقب تنامي الاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي جراء رفض الأخيرة دفع رواتب الموظفين الحكوميين منذ أعوام وفي مقدمتهم المعلمين الذين أعلنوا إضرابهم عن العمل بالتزامن مع تفاقم مريع للأوضاع الإنسانية المزرية التي يعاني منها ملايين السكان هناك في ظل قمع رهيب يمارس ضد كل من يعبر عن ضيقه وهو ما عزز حالة الغليان الشعبي الذي أكدته تصريحات قادة الميليشيات.
إذ دفعت حالة الغليان هذه زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي إلى تصعيد لهجته في آخر خطاباته ضد التحالف الدولي الذي تقوده السعودية، في خطوة اعتبرت محاولة لإظهار التماسك أمام أتباعه، على وقع الدفع بعلاقات طهران والرياض أخيراً وتفعيل بنود الاتفاق السياسي بين البلدين، أتاح لهما عقد محادثات موسعة لوزير الخارجية الإيراني والقيادة السعودية بالتزامن مع اختتام وفد عماني لمفاوضاته في صنعاء مع قادة الجماعة ربما سينتج منها اتفاق يتعلق بالتهدئة والدخول في مفاوضات سلام وسط تعدد أحاديث من جانب المسؤولين في الميليشيات باستعجال نتائج المحادثات في محاولة لكبح الضغوط التي يواجهونها في مناطق سيطرتهم.
وهو ما جاء على لسان القيادي في الميليشيات محمد علي الحوثي عندما حاول طمأنة الساخطين بأن "المرحلة التي مضت هي الأصعب، والمرحلة الآتية ستكون فيها انفراجة كبيرة على الشعب اليمني كله"، في نبرة متفائلة توجه بالدعوة إلى "توحيد الجهود" كي تتكلل بالنجاح.
وفي هذا الصدد نقلت وكالة "فارس" الإيرانية أمنيات رئيس "المجلس السياسي" التابع للحوثيين في صنعاء مهدي المشاط، أن تفضي الجهود العمانية إلى نتائج "تخفف المعاناة"، معتبراً أن "صنعاء مع السلام العادل الذي يضمن حقوق الشعب اليمني وأثبتت ذلك خلال الفترة الماضية"، في إشارة إلى التزام التهدئة.
ومع حال الغليان التي دشنها المعلمون منذ أيام، سارعت الجماعة بإطلاق تهديدات صريحة بالعودة للحرب، وهو ما عده مراقبون هرباً من الاستحقاقات التي عليها ومحاولة للتنصل برمي الكرة في ملعب الحكومة الشرعية وتحميلها مسؤولية ذلك.وعلى رغم ذلك، يرى مراقبون أن خطابات الوعيد المتبادلة ربما تحمل رسائل سياسية أكثر من كونها تهديداً حقيقياً بحثاً عن مزايا أفضل في المشاورات السياسية الجارية التي من المتوقع أن تتوج، برعاية إقليمية، باتفاق يقضي بتمديد الهدنة الإنسانية المنتهية، وإيجاد معالجات للملفات الإنسانية الملحة من بينها عملية صرف المرتبات.