ملخص
نسمع أن "عصر الاحترار العالمي قد حل" ولكن أي بيانات قادت إلى صدور هذه التصريحات؟ يأخذنا نيك فيريس في جولة عبر بعض القراءات المناخية الأكثر إثارة للقلق وجميعها حدثت هذا الصيف
اتخذت القراءات العلمية في أزمة المناخ اتجاهاً "مجنوناً تماماً" هذا الصيف. كانت هذه كلمات عالم المناخ بريان ماكنولدي، من "جامعة ميامي"، في يونيو (حزيران) الماضي. وبعد مرور شهرين، لم تتوقف التغيرات المناخية غير المسبوقة التي يشهدها الصيف.
بيورن هالفارد سامسيت، عالم المناخ في "مركز بحوث المناخ الدولي" (اختصاراً CICERO)، ومقره أوسلو، يخبر "اندبندنت" أن "التطورات التي طرأت على المناخ منذ ربيع عام 2023 تتسم بأنها غير متوقعة وحادة. لم نتوقع تحطيم هذا العدد الكبير من الأرقام القياسية، وبفوارق واسعة، ولفترات زمنية طويلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"كي نكون واضحين، السبب الجذري وراء ذلك كله ظاهرة الاحترار العالمي. أي من هذه التطورات ليس مفاجئاً في حد ذاته، في عالم يصبح أكثر حرارة. ولكن المثير للدهشة حقيقة أن حوادث مناخية كثيرة تحدث في وقت واحد، وبسرعة كبيرة"، يضيف سامسيت.
من جهته، كان الأمين العام لمنظمة "الأمم المتحدة" أنطونيو غوتيريش صريحاً في كلماته وقالها دونما تنميق، إذ رأى أن الحوادث المناخية التي قاساها العالم هذا الصيف تشير إلى أن "عصر الغليان العالمي قد حل".
"لقد وصل تغير المناخ. لحال مرعبة. وليست هذه سوى البداية"، قال غوتيريش في يوليو (تموز) الماضي.
ولكن ما هي البيانات التي قادت إلى إطلاق هذه التصريحات؟ في ما يلي قراءات للبيانات المناخية الأكثر إثارة للقلق المسجلة هذا الصيف فحسب.
ارتفاع درجة حرارة العالم
أولاً، لدينا ما يقال إنه التأثير الأكثر مباشرة الذي يطرحه تغير المناخ: ارتفاع درجة الحرارة العالمية.
تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية 17 درجة مئوية للمرة الأولى على الإطلاق في يوليو، وطوال فصل الصيف، تخطى بهامش كبير القراءات المناخية المسجلة عادة طوال الأربعين عاماً الماضية. عموماً، تبين أن يوليو 2023 ليس فحسب شهر يوليو الأكثر حرارة على الإطلاق [في تاريخ السجلات المناخية]، بل الشهر الذي بلغ أعلى مستوى حرارة مسجل على الإطلاق من بين أشهر السنة، وفق "المنظمة العالمية للأرصاد الجوية".
ومؤكد أن تأثير "ال نينيو" El Nino، علماً أن هذا الحدث المناخي يطرأ كل بضع سنوات ويتسبب بارتفاع درجات حرارة سطح المحيط الهادئ، قد أسهم في وصول درجات الحرارة إلى مستويات قياسية. ولكن حتى مع أخذ هذه الظاهرة المناخية في الاعتبار، خالفت درجات الحرارة المسجلة كل التوقعات.
"كان الأسبوع الأول من يوليو الأكثر حراً بين ما يربو على المئة ألف عام الأخيرة؛ على ما قال تيم بينتون، مسؤول قسم البيئة في مركز البحوث البريطاني "تشاتام هاوس"، في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت"، مضيفاً أن "القراءات المناخية قد تجاوزت الأرقام المعتادة. عادة في حوادث "ال نينيو"، تمتد الفترة الأكثر حراً بين ديسمبر (أيلول) وفبراير (شباط)، ولكن شهدنا درجات حرارة قياسية فعلاً، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول ما ستؤول إليه الأحوال في المستقبل".
درجات حرارة المحيط
كذلك حطمت درجة حرارة البحر الأرقام القياسية، متجاوزة حدود 21.05 درجة مئوية، ليس مرة واحدة بل مرتين خلال فصل الصيف.
يشير الارتفاع الكبير في درجات حرارة البحر إلى حقيقة أخرى تتعلق بتغير المناخ، وهي أن 90 في المئة من الحرارة المتزايدة الناجمة عن الانبعاثات يمتصها المحيط حالياً. مجدداً، تقدم ظاهرة "ال نينيو" تفسيراً جزئياً للبيانات غير المسبوقة، ولكنها لم تكن لتحدث لولا تغير المناخ الناجم عن أنشطة العلماء، كما يقول العلماء.
الدكتور باولو سيبي، المحاضر في علوم المناخ في "جامعة إمبريال كوليدج"، قال في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت" إن "المحيطات تمتص معظم حجم الحرارة الإضافية الناتجة من انبعاثات غازات دفيئة، لذا ليس مستغرباً على الإطلاق أن نرى الأرقام القياسية المسجلة لحرارة الهواء وحرارة سطح البحر تتحطم في الوقت نفسه".
نتيجة ارتفاع درجة حرارة المحيطات يتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر، وتتصاعد العواصف المطيرة الشديدة، وتزداد قوة العواصف الاستوائية. كذلك يهدد هذا الارتفاع البيئات البحرية مثل الشعاب المرجانية، والمجتمعات البحرية التي تعتمد عليها.
في رأي سامسيت، "لا يختلف المشهد في البحر عنه على الأرض: تحطيم الأرقام القياسية بهامش قياسي غير مسبوق".
ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية
كذلك أدى ارتفاع درجة حرارة البحار إلى انخفاض غير مسبوق في حجم الجليد البحري العالمي.
وصل الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) إلى أدنى مستوى يسجله شتاءً منذ بدأت الأقمار الاصطناعية تسجيلاتها في سبعينيات القرن العشرين. نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع من الجليد مفقود مقارنة مع متوسط المدى بين عامي 1990 و2023. يشار إلى أنه إذا كانت هذه المنطقة المفقودة من الجليد دولة ما، فستكون عاشر أكبر دولة في العالم.
يقول سامسيت إن "الجليد البحري في القطب الجنوبي كان يتجه نحو الانخفاض طوال سنوات عدة، وهي ظاهرة ترتبط بالمياه السطحية الدافئة. ولكن مع ذلك، فإن عدم حدوث تجميد خلال الأشهر الأخيرة يتخطى هذا الاتجاه بأشواط."
ويضيف سامسيت أن نقص الجليد البحري يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة إلى الحيوانات في المنطقة، ويعني أن سطح المحيط المظلم سيمتص كمية أكبر من ضوء الشمس، بدلاً من أن ينعكس بواسطة الجليد البحري الأبيض.
حرائق الغابات
أسهم ارتفاع درجات الحرارة العالمية هذا الصيف في حدوث طقس متطرف مدمر، بدءاً بالفيضانات الشديدة التي ضربت الصين والهند، وصولاً إلى موجات الحر غير المسبوقة في أميركا الشمالية وجنوب أوروبا.
كذلك أدت الحرارة الشديدة إلى نشوب موسم من الحرائق أكثر فتكاً من المعتاد في مناطق كثيرة: حرائق الغابات الأخيرة في ماوي، وهاواي، تعد الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة منذ أكثر من مئة عام، في حين أجلت السلطات عشرات الآلاف من السكان في رودس وغيرها من الجزر اليونانية، في وقت سابق من الصيف الحالي.
تظهر بيانات تتبع الحرائق الصادرة عن خدمة "كوبرنيكوس" لمراقبة الغلاف الجوي التابعة للاتحاد الأوروبي، أن أوروبا شهدت فعلاً عدداً من حرائق الغابات أكبر من الحرائق التي تحدث في المتوسط على مدار عام كامل.
سيبي من "جامعة إمبريال كوليدج" يخبر "اندبندنت" بوجود "علاقة سببية وتأثيرية واضحة بين تغير المناخ ونشوب عدد أكبر من حرائق الغابات: تفضي فترات الحرارة الطويلة إلى أحوال مناخية جافة أشبه ببراميل البارود تغذي حرائق الغابات. ومع الارتفاع المستمر في متوسط درجات الحرارة العالمية، سنشهد عدداً أكبر من حرائق الغابات الشديدة التي تحرق مساحات شاسعة من اليابسة".
مستويات ثاني أكسيد الكربون
وخلف كل البيانات المناخية غير المسبوقة نجد معياراً رئيساً: مستويات ثاني أكسيد الكربون التي لا تنفك تتزايد في الغلاف الجوي، والتي يتسبب بها حرق البشر كميات متزايدة من الوقود الأحفوري.
تبدو واضحة تماماً البيانات الواردة من مرصد "مونا لوا" في هاواي، علماً أنه يملك أطول سجل للقياسات المباشرة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. شهد مايو (أيار) 2023 أعلى مستوى يسجله ثاني أكسيد الكربون على الإطلاق، إذ بلغ 424 جزءاً في المليون، مكللاً اتجاهاً متواصلاً من مستويات الكربون المتزايدة المرصودة في الغلاف الجوي سنوياً منذ ستينيات القرن العشرين.
هذه البيانات الخاصة بقياسات ثاني أكسيد الكربون تعني أنه فيما تفاجئ وتيرة تغير المناخ العلماء، فإن الاتجاه الذي يسير به المناخ نفسه ليس مفاجئاً أبداً.
و"على رغم أن التأثيرات المناخية الحالية تبقى استثنائية، فإنها توافق التوقعات تماماً: فقد أدى ارتفاع مستوى الانبعاثات إلى تفاقم ظاهرة الاحترار العالمي، والنتيجة تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، وارتفاع درجات حرارة البحر، في مقابل تراجع مستوى الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية"، يقول سيبي من "جامعة إمبريال كوليدج".
يبقى أن "تحقيق صافي الصفر من انبعاثات الكربون خطوة بالغة الأهمية في معركتنا ضد تغير المناخ. سيتوقف ارتفاع درجات الحرارة عندما ننجح في خفض مستويات انبعاثات غازات الدفيئة في العالم إلى الصفر. لذا، كلما استغرق تحقيق هذا الهدف وقتاً أطول، أصبح كوكبنا أكثر حرارة وقسوة"، يختم سيبي كلامه.
© The Independent