ملخص
في عام 1940 وجّه جورج أورويل سهام انتقاداته اللاذعة إلى الذين رفضوا الاستعداد للحرب العالمية الثانية. ماذا عن استعدادنا لمواجهة مخاطر أزمة المناخ اليوم؟
في أكتوبر (تشرين الأول) 1940، انكبّ جورج أورويل على تحرير دعوة غاضبة لحمل السلاح. وافتتح مقالته "الأسد ووحيد القرن" بإحدى أقوى الجمل في تاريخ المقالات الإنجليزية "وأنا أكتب الآن، يحلّق فوق رأسي بشر متحضّرون إلى أبعد الدرجات، وهم يحاولون قتلي".
أعدت قراءة المقالة الثورية أثناء عطلتي الأسبوع الماضي لأجد أنها ما زالت تفيض غضباً وقوة في يومنا هذا، تماماً كما كانت عندما تدفقت كلمات أورويل النارية من قلمه منذ ما يربو على 80 عاماً. وليس السبب بالضرورة أنه أصاب في تصوّره للمستقبل كما حصل في روايته اللاحقة "1984" التي يمكن اعتبارها نبوءة، بل أنّ انتقاده القاسي لتلك المرحلة التاريخية ما زال ثاقباً.
وكتب بعد مرور ستة أشهر على أبعد تقدير على الانسحاب الذليل من دنكيرك "أي شخص قادر على قراءة خريطة يعلم بأن خطر الموت يتربص بنا".
"لا أعني بأننا انهزمنا أو أنه علينا الانهزام... لكن في هذه اللحظة نحن غارقون بمأزق، بل بمأزق عميق، وقد بلغنا هذه المرحلة بسبب الحماقات التي ما زلنا نرتكبها والتي ستجلب لنا الهلاك حتماً إن لم نصلح أحوالنا فوراً".
ما كانت تلك الحماقات؟ كتب أورويل "كان من المعلوم بعد عام 1934 أن ألمانيا تسلّح نفسها من جديد. وبعد عام 1936، أدرك كل شخص يملك بعد النظر أن الحرب آتية. وبعد ميونيخ، أصبح السؤال الوحيد عن توقيت اندلاع الحرب. واندلعت تلك الحرب في سبتمبر (أيلول) 1939. بعد مرور ثمانية أشهر، ظهر للعلن أن الجيش البريطاني لم يتطور عن معايير عام 1918 من حيث التجهيزات".
حملنا نحن حراباً بينما حملوا هم أسلحة تومي الرشاشة.
كان يستشيط غضباً من المتساهلين، أولئك الذين "لا يمكن ببساطة أن يتعلّموا" وليسوا بالضرورة أشراراً، الذين أغشوا أبصارهم عن طبيعة الفاشية، "أشخاص غير قادرين تماماً على فهم الزمن الذين يعيشون فيه ولا العدو الذين يقاتلونه".
ما عليك سوى استبدال عبارة "طبيعة الفاشية" بـ"طبيعة أزمة المناخ" كي تشعر بقوة كلمات أورويل في يومنا هذا.
إذ يبدو المتساهلون في مسألة المناخ اليوم، سواء في السياسة أو الحكومة أو الإعلام أو في مختلف أنحاء العالم الافتراضي، غير قادرين أيضاً على استيعاب أوضح الحقائق عن العالم الذي نعيش فيه، وعما سيتطلبه العمل على التخفيف من التداعيات المتوقعة تماماً لارتفاع درجات الحرارة.
أي شخص مبصر يعلم ما الذي سيحدث. ومع ذلك فنحن في مأزق، كي نكرر تصريح أورويل العاميّ الساخر المُخفّف- وكم نحتاج إلى إصلاح سلوكنا بسرعة.
لا يسع أورويل أن يمتنع عن تذكير قرّائه بأنه "سنة تلو الأخرى، ظلّت صحف "بيفربروك" تؤكّد لنا بالبنط العريض أن الحرب لن تقع". دأبت صحيفة "دايلي إكسبرس" على قطع هذا الوعد حتى قبل ثلاثة أسابيع من إعلان الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المنطلق نفسه، يتوافق جزء كبير من المعلّقين اليوم على وجهة نظر تقول إنه علينا جميعاً أن نهدئ من روعنا بعض الشيء وإن الآتي لن يكون سيئاً بقدر ما يريد المتعصّبين لأفكار اليقظة أن يوهموننا به.
وتطالبنا هذه الآراء بأن نسخر من معظم أشكال الطاقة المتجددة ونستخف بها على أساس أنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب. فالمضخات الحرارية تافهة ودعونا لا نتطرق حتى إلى موضوع السيارات الكهربائية. وسوف تنقذنا التقنيات غير المجرّبة على الأرجح (املأ الفراغ ببرنامج بلو سكاي القائم على التكهنات). سوف نحتاج إلى البلاستيك والنفط حتى بعد أن نتوصّل إلى صفر انبعاثات لذلك علينا عدم توقيف عمليات التنقيب. وسيعاقب الناخبون أي شخص يهددهم بتخفيض مستوى معيشتهم، لذلك على السياسيين أن يخففوا أي التزامات قاموا بها سابقاً نزولاً عند نصائح غير حكيمة.
التوصل إلى صفر انبعاثات؟ طبعاً لكن في الوقت المناسب، لمَ العجلة؟ لا تنفعلوا بسبب من نصّبوا أنفسهم شهداء أزمة المناخ. وهل يمكننا أن نتكلم عن الصين عوضاً عن هذا الموضوع؟ هل ننكر تغير المناخ؟ كلا، نحن أشخاص واقعيون.
ما ينقص هذه التصريحات هو أي حس بعامل الوقت والعجلة وأي شعور بالقناعة الحقيقية وأي اقتراحات بديلة إيجابية قابلة للتطبيق. ويكمن السر في أن تظهر كأنك تقبل ما يقوله العلم لكنك تصنّف المشكلة برمتها باعتبارها "صعبة جداً".
ألا يذكّرك هذا برفض أورويل للمتساهلين في عام 1940 "تعاملوا مع الفاشية كما تعامل جنرالات الخيّالة مع الأسلحة الرشاشة في عام 1914- بتجاهلها".
أما اليوم، فالسبيل الوحيد كي لا ندرك تداعيات التأخير هو دفن رؤوسنا بالرمال. شرح عدد كبير من خبراء الاقتصاد والعلماء المرموقين على مدار أكثر من عقدين كلفة التراخي بالتفصيل- سواء من الناحية المادية أو البشرية.
سوف تطاول هذه التداعيات الاستجابة للكوارث والتعافي منها وإصلاح البنى التحتية؛ وسوف تمتد إلى تكاليف الرعاية الصحية تطلّ برأسها عبر الاختلال في مجالي الزراعة والسلع الغذائية، وفي الهجرة والنزاعات وتكاليف التأمين والاضطرابات التي ستحلّ بالتبادل التجاري العالمي وستؤثر في ثقة المستثمرين والشركات، وتؤدي إلى دمار النظم البيئية، بما فيها المياه. باختصار، ستؤثر أزمة المناخ في كل جانب من جوانب حياة مليارات البشر- ولا يزال المستهترون واللامبالون يستهترون بالموضوع، ولا يبالون به.
في نهاية المطاف، سقط مهادنو ثلاثينيات القرن الماضي على وقع نقاش النرويج الشهير الذي نظر في طريقة إدارة الحرب في مايو (أيار) 1940. شنّ لويد جورج هجوماً شرساً على "تراخي (الحكومة) وانعدام كفاءتها" في الاستعداد لنزاع يمكن استشرافه بسهولة. "هل يمكن لأي شخص أن يقول لي إنه راضٍ عما فعلناه بشأن الطائرات والدبابات والسلاح، ولا سيما السلاح المضاد للطائرات؟"
تمهّل لويد جورج قليلاً: فعمّ مجلس العموم صمت مطبق.
"لا أحد راضياً. العالم بأكمله يعرف ذلك. وها قد وصلنا الآن إلى أسوأ موقع استراتيجي وجد هذا البلد نفسه فيه على الإطلاق".
كانت تلك نهاية تشامبرلين و"رجال ميونيخ". وهنا جاء دور تشرشل الذي لا يمكن أن ننسى وصف مايكل فوت له في كتابه رجال مذنبون Guilty Men، المنشور بالتزامن مع مقالة أورويل بأنه "دينامو إعادة التسليح الذي أرغى وأزبد وتحدى وأسهب بالحديث عن استيائه من التأخير".
نحن بحاجة اليوم إلى دينامو من هذا النوع.
كان أورويل على قناعة- تبيّن أنها صائبة- بأن الشعب البريطاني مستعد للتضحية في عام 1940 "سوف يؤدي ذلك إلى زيادة قاسية في العمل وفصول شتاء باردة ومملة وطعام مملّ وغياب الترفيه والتسلية وفترات طويلة من القصف. لا بد أن يتراجع مستوى المعيشة العام... وسوف تعاني الطبقة العاملة من أمور مريعة. ومن شبه المؤكد أنهم سيتحملون كل ذلك، بشرط أن يعرفوا ما الذي يحاربون من أجله... لكنهم سيرغبون في الحصول على نوع من دليل بأن حياتهم المستقبلية وحياة أولادهم ستكون أفضل".
سيحتاج العالم اليوم أيضاً قيادة متينة. فمن هو تشرشل في عصرنا نحن؟
ألان رسبريدجر هو المحرر السابق لصحيفة "غارديان" ورئيس التحرير الحالي لمجلة "بروسبكت".
© The Independent