Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظم تقليدية لا تزال حاضرة بقوة في مجتمعات القبائل الجزائرية

تتمسك بضوابط خاصة من مجلس صلح وبرلمان "قروي" لتسيير شؤون سكانها

يرأس "تاجماعت" أمين يساعده عدد من العقال في أداء مهامه أثناء الجلسات (وسائل التواصل)

ملخص

"تاجماعت" و"العزابة" مجالس شورى لإدارة شؤون قرى "قبائل" و"إباضيي" الجزائر

لا تزال بعض المناطق في الجزائر تحافظ على نمط تسيير خاص، يعرض المشكلات ويطرح الحلول ويناقش المشاريع في برلمان "قروي" مصغر، بعيداً من الإدارة الرسمية، وهو بذلك يشكل نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، يخضع للضوابط التقليدية أكثر منها الوطنية، وهي الحال في منطقة القبائل حيث يسمى "تاجماعت"، وأيضاً لدى "الإباضيين"- نسبة إلى المذهب الإباضي"- حيث يعرف بـ"العزابة"، لكن تبقى المهمة واحدة تتمثل في تنظيم شؤون السكان.

مجلس شورى "قروي" ذكوري

ويعتبر "تاجماعت" كما يطلق عليه سكان منطقة القبائل في الجزائر، مجلس شورى "قروي" أو مجلس إدارة تقليدي، دوره فض النزاعات وتخفيف المشكلات عبر حملات تضامن وتقديم تسهيلات، كالزواج وتشييد مساكن وإيجاد منصب عمل ومساعدة الأرامل والأيتام وغيرها من متطلبات الحياة، كما يقوم بتنظيم نشاطات تراثية وتقليدية تسهم في تماسك سكان القرية.

ما يلفت الانتباه في "تاجماعت" أنها مؤسسة خاصة بالذكور وحدهم، أما النساء فليس لهن فيها مكان إلا في حالات استثنائية جداً كالتدخل لفك عراك أو شجار جماعي بين الفرقاء، كذلك هي قاعدة اقتصادية "تضامنية" ثم هيئة قضائية تعود لها مهمة الفصل في النزاعات ومعاقبة المخالفين، وأيضاً مؤسسة تنفيذية تلعب دور الشرطة في تطبيق ما تم التوصل إليه من أحكام وتوصيات.

مبادئ تواجه انتقادات

مبادئ ومواصفات عمل "تاجماعت" جلبت معارضة من قبل أطراف محلية عدة ومن خارج المنطقة، إذ ترى الفئة الأولى طريقة النشاط تقليدية وعشائرية لا تتماشى مع التطور الحاصل في أنظمة التسيير، ثم تنتقد تهميش العنصر النسوي لا سيما في ما تعلق بصناعة القرار، ما يجعل الأحكام الصادرة تعسفية في حق بعض المواطنين، بينما تعتبر جهات أن هذا المجلس "القروي" يعوق ممارسة العدالة بتدخله في مهام الشرطة والقضاة، كما أنه يسهم في نشر الفوارق والكراهية بين مختلف أطياف المجتمع. وهناك فئة ترى أنه من المناسب أن تيسر كل منطقة أمورها بنفسها بما أنها أدرى بمسائل الناس وطريقة عيشهم.

ويرأس "تاجماعت" أمين، يسهر على تحضير مكان اجتماع المجلس، وضبط برنامج الجلسة، وتسيير تدخلات الأعضاء، وتطبيق العقوبات على المخالفين، ومتابعة تنفيذ قرارات الجلسة بعد رفعها، وهو يسعى دائماً إلى تفضيل التراضي والوساطة والعفو في حل المعضلات والإشكالات المطروحة على الجلسة قبل الوصول إلى تطبيق القوانين العرفية أو المدنية أو اللجوء إلى التقاضي أمام المحاكم.

ويساعد الأمين في أداء مهامه أثناء الجلسات عدد من العقال، إذ يسهم كل عاقل في دفع المتخاصمين إلى تسوية ودية قبل طرح قضيتهم على جلسة "تاجماعت" العلنية.

نظام تسيير مثير

على كل شخص يسكن في القرية أو ينحدر منها ووصل سن البلوغ، حضور الاجتماع الأسبوعي، هي مبادئ "تاجماعت"، ولا يمكنه التغيب إلا بسبب المرض أو مبرر مقبول، ويتعرض كل متغيب من دون تبرير مقنع إلى غرامة مالية مختلفة القيمة بحسب الظروف، وهي العقوبة التي يتم تطبيقها على كل بالغ يغادر الجلسة قبل نهاية أشغالها. الأمر نفسه يتعرض له كل من يتلفظ بكلام فاحش أو إهانة داخل الجلسة أو خارجها، أو يمارس التدخين، أو يستعمل القسم في أقواله، أو يحاول السطو على منصب أمين "تاجماعت" بغير وجه حق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تفرض غرامة على كل من يقاطع المتحدثين أو يحاول الحديث بدلاً عنهم من دون السماح له بالتدخل من قبل الأمين، وأما إذا نشبت مشاجرة بين بعض الأعضاء أثناء الجلسة، فإن المتورطين في الشغب يتعرضون لعقوبة استثنائية.

ويشترط على الحاضرين وكل من يريد التحدث أن يدلي بأقواله واقفاً، على اعتبار أن أشغال الاجتماع تتم في وضعية جلوس بمن فيهم الأمين.

وفي السياق، أوضح مسؤول اللجنة الاجتماعية بمجلس "تاجماعت" بقرية تيغليت محمود، جمال تباني، أن الجانب الاجتماعي دائماً حاضر ويشكل محوراً مهماً في نشاطات اللجنة التي تساعد المحتاجين وذوي الحاجات الخاصة من خلال توزيع المواد الغذائية الضرورية، والمواظبة على عمليات توزيع اللحوم الطازجة، التي يطلق عليها "تيمشرط"، مشيراً إلى استحداث بنك معلومات عن المتبرعين بالدم.

الإمامة الصغرى

وإذا كان "تاجماعت" هو مجلس الشورى في منطقة القبائل، فإنه "العزابة" أو "الإمامة الصغرى" لدى "الإباضيين" المتمركزين في مدينة غرداية جنوب الجزائر، يخضع للضوابط الاجتماعية ويستمد مبادئه من المذهب الإباضي.

ويطلق اسم "إعزابن" على المنتمين إلى المجلس، وهم في الغالب من أهل الحكمة والدين والمشورة، ويشترط أن يكون العضو متزوجاً صاحب حرفة أو عمل.

إلى ذلك، أبرز أستاذ علم الاجتماع، كمال بوقصة، أن هذه الأنظمة عبارة عن ظواهر مصدرها الثقافة القديمة والتقليدية والمحلية التي ما زالت في الساحة وتفرض وجودها، وهي ظاهرة اجتماعية لها جوانب سياسية، مضيفاً، "للأسف ليس لدينا دراسات تناولت هذه الظواهر بالإسهاب، باستثناء بعض الباحثين الفرنسيين الذين تناولوها في دراسة واحدة موجودة بالمكتبة الوطنية، وهي دراسة فرنسية عن العروشية في الجزائر". وأكد أن هذه الظواهر لم تختف، لكن المجتمع هو الذي لم يعطها المجال الواسع للعمل، موضحاً بخصوص دور "تاجماعت"، أن "المجتمع القبائلي حافظ على تقاليده وعلى الثقافة المحلية والنظام التقليدي والعروش، وإلى يومنا هذا نسجل رغبة لدى الشباب القبائلي للنظام الاجتماعي القديم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير