Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جوع للحرية... تاريخ الإضراب عن الطعام

غاندي أشهر المضربين وأطول ثلاث حالات مسجلة لهذا النوع من الاحتجاج لسجناء عرب في مصر وفلسطين

يبرهن المضرب عن الطعام على أنه الوحيد القادر على تقرير مصيره حيث لا يترك فرصة حياته وموته بيد ظالميه (أ ف ب)

ملخص

قد لا يتمكن المحتج من بلوغ مراده ويتوفى أثناء صيامه، لكنه بإضرابه يثبت أن صوت الأمعاء الخاوية يعلو على صوت القهر.

في الآونة الأخيرة تتناول وسائل الإعلام تطورات الإضراب عن الطعام في مركز الإصلاح والتأهيل بالبحرين الذي بدأ في السابع من أغسطس (آب) الجاري، ويزداد عدد المشاركين فيه يوماً بعد يوم.

معهد البحرين للحقوق والديمقراطية أوضح أن السجناء لجأوا إلى الإضراب بعد أن أوصدت جميع الأبواب في وجوههم للتفاوض مع سلطات السجن في شان الحصول على مطالبهم، وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها إلى الإضراب عن الطعام كوسيلة احتجاجية، إذ يبدو أن اليأس يدفع الإنسان إلى التخلي حتى عن إحدى حاجاته الحيوية والأساسية، حين يرفض القيود كافة بما فيها قيد الحياة إذا كانت ستستمر في زنزانة ضيقة.

والإضراب عن الطعام هو نوع من أنواع الاحتجاج المشروع ليس الهدف منه السعي وراء الموت، ولو أنه قد يوصل إليه في بعض الحالات، ولكن لتنفيذ مطالب محددة للمحتج.

تاريخ الأمعاء الخاوية

أول الحالات المسجلة لهذا النوع من الاحتجاج السلمي كانت في إيرلندا ما قبل المسيحية، وكانت تحكمه قواعد محددة في ذلك الوقت، ويمارس في كثير من الأحيان أمام منزل الجاني، ويرجع علماء الاجتماع هذا التصرف إلى الأهمية الكبيرة التي يتمتع بها حسن الضيافة حينها، مما يجعل السماح للشخص المضرب عن الطعام بالموت أمام منزل أحدهم عاراً كبيراً على صاحبه.

تذكر بعض المصادر أن الإضراب قد يكون لليلة واحدة فقط بغية تحقيق مطالب مثل استرداد الديون أو إحلال العدالة، ولم تسجل أية حالات فعلية للموت من الجوع في إيرلندا، وهناك روايات عن أن قديس إيرلندا سانت باتريك كان يلجأ إلى الإضراب عن الطعام أحياناً.

 

 

في الهند، تعود هذه الممارسة إلى نحو 750 قبل الميلاد، وورد ذكرها في عدد من الكتب الدينية والتاريخية، وهناك قصة عن قيام بهاراتا أول أباطرة التشاكرا بالطلب من الإله المنفي "راما" العودة وحكم المملكة بعد أن لجأ إلى عديد من الوسائل لكن أياً منها لم ينجح، فقرر عندها الإضراب عن الطعام ولكن "راما" أقنعه بالتخلي عن قراره.

على كل حال، وقفت الحكومة الهندية بشكل رسمي في وجه هذه الممارسة عام 1861، إذ منعت اللجوء إليها من أجل الحصول على العدالة.

التجربة الإيرلندية

تعد إيرلندا صاحبة التاريخ الأطول والأوسع في مجال الإضراب عن الطعام، واستخدم الجمهوريون الإيرلنديون هذه الطريقة منذ عام 1917 حين نفذوا أول إضراب لهم قابله البريطانيون بالإطعام القسري، ووصل إلى ذروته بوفاة السجين السياسي توماس آش.

في عام 1920 توفي تيرينس ماكسويني عمدة مدينة كورك إلى جانب عضوين في الجيش الجمهوري الإيرلندي بسبب تجويع أنفسهم، وأدت وفاتهم إلى إنهاء ما تصفه موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية بأطول إضراب عن الطعام من دون إطعام قسري، إذ وصل إلى 94 يوماً وقام به 11 سجيناً.

بعد نهاية الحرب الأهلية الإيرلندية عام 1923 دخل نحو 8 آلاف سجين من الجيش الجمهوري الإيرلندي في إضراب عن الطعام احتجاجاً على استمرار دولة إيرلندا الحرة في اعتقالهم، وتوفي شخصان أثناء الإضراب مما أدى إلى إنهائه بشكل فوري قبل وقوع مزيد من الوفيات، ووافقت دولة إيرلندا الحرة على إطلاق سراح السجينات الإيرلنديات، واحتفظت بمعظم السجناء الذكور حتى العام التالي.

وفي ظل حكم إيمون دي فاليرا توفي ثلاثة مضربين عن الطعام في الجمهورية الإيرلندية في أربعينيات القرن الماضي، ودخل مئات غيرهم في إضرابات أقصر خلال سنوات حكمه، لكن الحكومة لم تبد أي تعاطف معهم.

أما أشهر الأحداث التي شهدتها إيرلندا فهو ما يعرف بإضراب عام 1981 الذي كان تتويجاً لخمس سنوات من الاحتجاج خلال فترة الاضطرابات التي قام بها سجناء جمهوريون إيرلنديون في إيرلندا الشمالية.

بدأت الاحتجاجات مع ما يسمى "احتجاج البطانية" عام 1976، عندما فرضت الحكومة البريطانية أوضاعاً قاسية جداً على السجناء العسكريين. وفي عام 1978 تصاعد النزاع وتحول إلى ما عرف بـ"الاحتجاجات القذرة" التي أعقبت هجمات عديدة على السجناء إذ رفضوا ترك زنازينهم، واعتراضاً منهم على معاملتهم قاموا بطلاء جدرانها بفضلاتهم. وشارك سبع سجناء في الإضراب الأول عام 1980 واستمر لـ53 يوماً.

أما الإضراب الثاني فحدث عام 1981 وأسفر عن مواجهة حاسمة بين كل من السجناء ورئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر. وتوقف الإضراب إثر موت 10 من السجناء أشهرهم بوبي ساندز، الذي شارك 100 ألف مواطن في تشييعه. وأدى هذا الإضراب إلى تطرف السياسة الإيرلندية وكان القوة الدافعة التي مكنت "شين فين" ليصبح الحزب السياسي السائد في ذلك الوقت.

إضرابات جماعية شهيرة

لجأت المطالبات في حق اقتراع المرأة في مطلع القرن الـ20 إلى الإضراب عن الطعام في السجون البريطانية، وكانت البداية مع ماريون دونلوب في 1909، لكن السلطات أطلقت سراحها لعدم رغبتها في إضفاء طابع وطني عليها في حال وفاتها، لكن بقية المطالبات في حق اقتراع المرأة في السجن حذون حذوها فقررت السلطات إطعامهن بالقوة هذه المرة، مما اعتبرته النساء نوعاً من التعذيب الذي أدى إلى وفاة ثلاث محتجات.

في عام 1913 غير قانون الإفراج الموقت بسبب اعتلال الصحة الذي عرف باسم "قانون القط والفأر" طريقة التعامل مع إضراب الطعام، إذ كان يإطلق سراح المضربين عند اعتلال صحتهم وإعادتهم للسجون عند شفائهم.

 

 

كما استخدمت النساء الأميركيات هذا الشكل من الاحتجاج السياسي للمطالبة في حقهن في الاقتراع، وقبل سنوات قليلة من إقرار التعديل الـ19 لدستور الولايات المتحدة الأميركية، قادت أليس بول مجموعة من النساء في إضراب عن الطعام انتهى بإطعامهن قسرياً أثناء سجنهن في إحدى الإصلاحيات بولاية فيرجينيا.

في ثمانينيات القرن الماضي وبعد الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا، ازدادت عمليات قمع الحركات الاشتراكية، وزج بعديد من النشطاء السياسيين والقوميين في السجون ليعيشوا في ظروف قاسية تفتقر إلى الإنسانية. ورداً على ذلك سجل أول إضراب للطعام في تاريخ تركيا عام 1984 احتجاجاً على أساليب التعذيب والمعاملة الوحشية التي يتلقاها السجناء السياسيون، وأودى بحياة أربعة من اليساريين الثوريين أشهرهم عبدالله ميرال.

في السنوات التالية، وعلى رغم طمس عديد من الحركات القومية، فإن أعداد السجناء السياسيين ذوي الميول الماركسية كان في ارتفاع. وفي 1996 أصدرت الحكومة قراراً بعزل السجناء السياسيين عن بعضهم بعضاً لإحباط المحاولات الجماعية للإضراب عن الطعام بعد تجربة استمرت لمدة 69 يوماً ونتجت منها وفاة 12 شخصاً.

مع بداية الألفية صارت موجات الإضراب عن الطعام ظاهرة متكررة في السجون التركية، وكان أشهرها إضراب أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000 الذي تمت محاولة إيقافه بالقوة في ما عرف بـ"عملية إعادة الحياة"، وكانت النتائج مأساوية إذ واجهت العملية مقاومة عنيفة ومنظمة من السجناء، ونتجت منها وفاة 28 سجيناً وجنديين.

لا يمكن الحديث عن إضرابات الطعام الشهيرة من دون المرور بالتجربة الفلسطينية وما يعرف بـ"معركة الأمعاء الخاوية"، ففي فبراير (شباط) من عام 2012 بدأ نحو 1800 سجين فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية إضراباً جماعياً عن الطعام احتجاجاً على تطبيق ما يعرف بالاعتقال الإداري. وتضمنت مطالب المضربين عن الطعام حق الزيارات العائلية للسجناء من غزة، وإنهاء تمديد الحجز الانفرادي، وإطلاق سراح المعتقلين إدارياً.

وفي الـ14 من مايو (أيار) أعلن السجناء موافقتهم على إنهاء إضرابهم بعد توصلهم إلى اتفاق مع السلطات الإسرائيلية بوساطة مصرية وأردنية وافقت بموجبه إسرائيل على قصر مدة الاعتقال الإداري على ستة أشهر فقط باستثناء الحالات التي تظهر فيها أدلة جديدة ضد المشتبه فيه، وعلى زيادة الزيارات العائلية، وإعادة المحتجزين انفرادياً إلى الزنزانات العادية، بينما وافق المضربون بدورهم على عدم الانخراط في أي نشاط عسكري داخل السجون.

جياع للحرية

كان المهاتما غاندي سجيناً مرتين لدى الحكومة البريطانية التي كرهت، بسبب مكانته العالمية، أن يموت وهو في رعايتها، وشارك غاندي في عديد من أحداث الإضراب عن الطعام تراوحت بين بضعة أيام وأسابيع عدة احتجاجاً على الحكم البريطاني في الهند وقانون الانتخاب، ومنع الطبقة الفقيرة من المشاركة في التصويت، وردع الناس عن القتال، وغيرها من الأسباب، وكان امتناعه عن الطعام وسيلة غير عنيفة وفعالة إلى إيصال رسالته، إذ أسهم في تحقيق أهداف احتجاجه بشكل كبير أحياناً، ويتماشى مع مبادئ غاندي المؤمنة بالمقاومة غير العنيفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الشخصيات الشهيرة الأخرى التي اختارت تجويع نفسها في مرحلة استقلال الهند بهجت سنغ وجاتين داس ودوت الذين استمر صيامهم لمدة 116 يوماً، محطمين بذلك الرقم القياسي الإيرلندي السابق، وانتهى الأمر بخضوع الحكومة البريطانية لمطالبهم.

في إيران تعتبر قضية أكبر غانجي، الصحافي الإيراني الذي دخل سجن "إيفين" عام 2000، هي الأشهر، إذ خاض غانجي إضرابه في الفترة ما بين الـ19 من مايو (أيار) وحتى مطلع أغسطس (آب) 2005، باستثناء 12 يوماً أطلق سراحه خلالها قبيل الانتخابات الرئاسية التاسعة.

أرفق غانجي إضرابه برسالتين وجههما إلى أحرار العالم، وأدى ذلك بالنتيجة إلى تحريك الرأي العام العالمي بخصوص قضيته، حتى إن البيت الأبيض دعا إيران إلى "إطلاق سراحه فوراً ومن دون شروط لكونه ضحية واحدة فقط ضمن موجة من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها النظام الإيراني". ولأن نداءاته للسلام تستحق أن تصغي لها الآذان ويجب ألا تذهب جهوده الشجاعة أدراج الرياح، حصل غانجي على حريته في نهاية المطاف عام 2006.

 في العالم العربي سجل الطبيب المصري إبراهيم اليماني أطول مدة إضراب عن الطعام في العالم وصلت إلى 574 يوماً (على فترتين) في السجون المصرية، وكان السبب الأساسي لاحتجاجه هو اعتقاله وإبقاؤه في الحبس على رغم أن القبض عليه تم من المستشفى الميداني الذي أقامه بعض النشطاء من الأطباء والممرضين بعد الاحتجاجات التي شهدها ميدان رمسيس على إثر أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

بدأ إبراهيم الإضراب الأول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2013 وأنهاه بعد 89 يوماً، ثم شرع في الإضراب الثاني في أبريل (نيسان) عام 2014 واضطر إلى إنهائه بعد 574 يوماً إثر تدهور حاله الصحية.

أما الناشط السياسي المصري محمد صلاح سلطان الذي يحمل الجنسية الأميركية، فسجل ثاني أطول إضراب عن الطعام في العالم. وكان سلطان اعتقل في مصر عام 2013 وساءت ظروفه في السجن فأضرب عن الطعام لمدة 495 يوماً، وحصل على حريته في مايو (أيار) عام 2015.

الأسير الفلسطيني سامر العيساوي سجل ثالث أطول إضراب عن الطعام في التاريخ، واعتقل العيساوي عام 2003 بتهمة الانتماء للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاماً، ثم أفرج عنه في إطار صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس" عام 2011، وأعيد اعتقاله بعد أشهر قليلة من ذلك.

 

 

في مارس (آذار) عام 2013، بدأ إضراباً عن الطعام، وفي الـ23 من أبريل (نيسان) وافقت النيابة العسكرية الإسرائيلية على صيغة اتفاق يقضي بالإفراج عن العيساوي في مقابل وقف إضرابه.

الناشط الفلسطيني والأستاذ الجامعي خضر عدنان معروف بإضراباته المتكررة عن الطعام احتجاجاً على الاعتقال الإداري الذي تمارسه إسرائيل، وخاض عدنان سبعة إضرابات عن الطعام تراوحت بين 28 و66 يوماً بين أعوام 2011 و2020. وفي ربيع عام 2023 بدأ إضراباً مفتوحاً انتهى بوفاة القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي" بعد 86 يوماً.

قد لا تكون كوبا معروفة بإضراباتها الجماعية عن الطعام، لكنها تشتهر بتجارب فردية عديدة، ففي عام 1972 أعن المنشق السياسي والشاعر السجين بيدرو لويس بوايتيل إضرابه عن الطعام، إذ تناول السوائل فقط لمدة 53 يوماً مما أدى إلى وفاته بسبب الجوع في الـ25 من مايو (أيار) من السنة نفسها.

 أما الصحافي والطبيب النفسي والمنشق السياسي غويرمو فاريناس، فاستمر في الإضراب عن الطعام عام 2006 لنحو سبعة أشهر احتجاجاً على الرقابة الشديدة على الإنترنت في كوبا، لكنه أنهى إضرابه بعد تعرضه لعديد من المشكلات الصحية، وحصل في العام نفسه على جائزة الحرية الإلكترونية من منظمة "مراسلون بلا حدود".

في عام 2009 قام خورخيه لويس غارسيا بيريز برفقة زوجته بالإضراب عن الطعام لدعم السجناء السياسيين، وبدأه مباشرة بعد فترة اعتقاله التي استمرت 17 عاماً. وأثمر إعلان قادة دول عدة من بينها أوروغواي وكوستاريكا والأرجنتين مساندتهم لمطالبه.

وفي فبراير (شباط) 2010 توفي الناشط أورلاندو زاباتا تامايو في المستشفى بعد إضراب استمر لمدة 83 يوماً في أحد السجون الكوبية، وجاء احتجاج سجين الرأي تامايو نتيجة الأوضاع المتردية في السجن.

ما يميز الإضراب عن الطعام عن غيره من أشكال الاحتجاج أنه قرار شخصي جداً ولا يمكن فرضه على المضرب الذي يبرهن من خلاله على أنه الشخص الوحيد القادر على تقرير مصيره، إذ لا يترك فرصة حياته وموته بيد ظالمه. وقد لا يتمكن المحتج من بلوغ مراده ويتوفى أثناء صيامه، لكنه بإضرابه يثبت أن صوت الأمعاء الخاوية يعلو على صوت القهر، وأن الحرية والعدالة حاجتان ضروريتان مثلهما مثل الطعام والشراب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات