Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقبرة جماعية جديدة تحكي أيام الرعب في مدينة الجنينة السودانية

استمرار رصد انتهاكات وجرائم الحرب غرب دارفور

 الأسوأ على الإطلاق هو أن قتل الناس في الطرقات بات أمراً عادياً بحسب يعقوب (أ ف ب)

ملخص

نهبت كل ممتلكات الفارين فضلاً عن عمليات اغتصاب وتعذيب استهدفت النساء من قبيلة المساليت على وجه التحديد

يبدو أن كثيراً من تفاصيل أيام الرعب الذي عاشته ولاية غرب دارفور في الـ 15 من يونيو (حزيران) الماضي، لا سيما حاضرتها مدينة الجنينة، لا يزال مخفياً بالخوف ودخان المعارك، لكن ذاكرة الفارين مثقلة بمشاهد لم يتحدث عنها بعد ولم توثق، وكثير من الشهود غابوا أو غُيبوا، وآلاف المفقودين ربما هم تحت الأرض، لا عين رأت ولا أذن سمعت عن مصيرهم.

 

مقبرة كجا

العشرات ممن غيبهم الموت في قاع وادي كجا الذي يشق المدينة في هدوء يمنحها الألق والخضرة، تحول أيضاً إلى مقبرة ابتلعت كثيرين أثناء محاولتهم الفرار في غياب الشاهد والدليل والقبر، وكشف عضو لجنة حصر الانتهاكات والأوضاع الإنسانية بغرب دارفور الأكاديمي والوزير السابق أحمد إسحاق يعقوب المعروف بـ (أحمد مدني)، أحد كبار زعماء قبيلة المساليت المتخصص في الشأن الإنساني، عن العثور على مقبرة جماعية جديدة قرب مقابر مدرسة كجا شمال شرقي مدينة الجنينة في الطريق إلى ضاحية أردمتا، تضم حوالى 54 جثة معظمها من قبيلة المساليت، إضافة إلى المقبرة التي سبق ووجد فيها حوالى 87 جثة أيضاً معظمها من المساليت.

وأكد يعقوب أن شهوداً كثراً أكدوا أنه في الـ 15 من يونيو الماضي هوجم موكب يضم آلاف الفارين من الرجال والنساء والأطفال قرب مدرسة كجا وسط المدينة، وأجبرت كثافة النيران ما بين 300 إلى 500 شخص منهم على الدخول إلى وادي كجا بينما كان في ذروة فيضانه ذلك اليوم، وجميعهم ماتوا إما برصاص ميليشيات "الدعم السريع" أو غرقاً في قاع الوادي.

كما أكد شهود آخرون، بحسب يعقوب، "أنه في ذلك اليوم والذي تلاه قتل ما لا يقل عن 400 شخص من الفارين على الطريق بين الجنينة ومدينة أدري التشادية، عندما هاجمت الميليشيات موكبهم بالمدافع الرشاشة الثقيلة والأسلحة الخفيفة الأخرى، وكان معظم القتلى من الأطفال والنساء، أما الشباب والكبار من الرجال فقد كانوا يؤمرون بالوقوف صفاً لتتم تصفيتهم، ولم يكن يسلم من ذلك الفعل حتى الأطفال الذكور".

وتابع عضو لجنة حصر الانتهاكات والأوضاع الإنسانية بغرب دارفور أنه "فوق كل ذلك تم نهب كل ممتلكات الفارين، فضلاً عن عمليات اغتصاب وتعذيب استهدفت النساء من قبيلة المساليت على وجه التحديد، أما الذين وصلوا سالمين من الفارين فمعظمهم كانوا من الذين ادعوا كذباً أنهم ليسوا من قبيلة المساليت، وبلغ عدد المفقودين 2000 شخص بحسب رصد منظمات محلية ذات صدقية".

حصر الانتهاكات

وتجرى عملية حصر دقيق لا تزال مستمرة بإشراف ومتابعة قانونيين وناشطين ونظاميين سابقين بغرض الإحاطة بتفاصيل كل الجرائم والانتهاكات التي وقعت غرب دارفور، بخاصة في عاصمتها الجنينة، بهدف جمع المعلومات والبيانات، كما يستعد فريق من أبناء قبيلة المساليت خارج السودان لشرح أمر الانتهاكات التي استهدفت القبيلة للمحكمة الجنائية الدولية خلال سبتمبر (أيلول) الجاري.

وأشار عضو اللجنة إلى أنهم في الداخل "على علم بتلك التحركات لكنهم يجهلون بعض تفاصيلها، بخاصة المرتبطة بطبيعة الأدلة التي ستحملها المجموعة إلى المحكمة على رغم كثرتها، منوهاً بعدم اطمئنانهم للمحكمة الجنائية الدولية كآلية لرد مظالم أهل دار مساليت الذين تعرضوا للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وما صاحب ذلك من عدوان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مرتين خلال العقدين الماضيين".

واتهم يعقوب المحكمة الجنائية بضعف الأداء كونها لم تحاكم متهماً واحداً ولم تفصل في أية قضية مرتبطة بالانتهاكات والجرائم في دارفور على مدى عقدين كاملين من الزمان، ولذلك اقترح يعقوب أن تتم محاكمة أولئك المجرمين داخل دارفور بمحكمة تنعقد لها ولاية دولية أو في محكمة هجينة أو بإنشاء محكمة على غرار محكمة أروشا الخاصة بجرائم الإبادة في رواندا، بدلاً من المحكمة الجنائية الدولية.

أما في شأن أعداد الفارين والمهجرين قسراً من ولاية غرب دارفور، فهي في نظر يعقوب أعداد كبيرة جداً، إذ بلغ عدد الذين وصلوا إلى الأراضي التشادية حتى قبل أسابيع قليلة من الذين شملتهم عمليات الحصر بحسب بعض المنظمات في مدينة أدري التشادية حوالى 185 ألف شخص، أي بمعدل 2000 شخص يصلون الأراضي التشادية في اليوم الواحد، مما يعني أن العدد لا يقل بأي حال عن حوالى 205 آلاف لاجئ داخل الأراضي التشادية حتى الآن.

محاصرون بالداخل

ورجح المتخصص في الشؤون الإنسانية أن تكون الأرقام الفعلية للاجئين من غرب دارفور إلى دولة تشاد أكبر من ذلك بكثير نتيجة توقف عمليات التسجيل لما يقارب الشهر، مما يجعل الأرقام المذكورة لا تواكب العدد الحقيقي على الإطلاق، إضافة إلى أن هناك الآلاف من سكان الجنينة فروا إلى الداخل نحو منطقة أردمتا للاحتماء بحامية الجيش حيث القيادة العسكرية هناك، كما لايزال هناك أيضاً آلاف المحاصرين في ما يشبه الإقامة الجبرية في كل مناطق كرينك ومورني وهبيلا وفوربرنقا وبيضة وأرارا وغيرها من التجمعات السكانية غرب دارفور.

والأسوأ على الإطلاق، بحسب يعقوب، هو أن قتل الناس في الطرقات بات أمراً عادياً، وربما يكون نصف عدد سكان الولاية المقدر بحوالى مليوني نسمة هم الآن من المهجرين قسرياً، إما نازحون في الداخل أو لاجئون تمكنوا من عبور الحدود إلى دولة تشاد المجاورة، مبيناً أن النازحين داخلياً وأولئك الذين في شبه إقامة جبرية هم في حال حصار محكم في معظم المواقع، إذ تفرض عليهم مبالغ كبيرة كإتاوات أسبوعية تثقل كاهل الأهالي المعدمين الذين يتعرضون للعنف والتعذيب، بخاصة أولئك الذين يعجزون عن دفع تلك المبالغ المفروضة عليهم باسم توفير الحماية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه يعقوب إلى أن أسوأ تلك المعاملات تتم في محليات فوربرنقا وهبيلا وبيضة وأرارا وكرينك، أما في مدينة الجنينة فيطلب من المجبرين على البقاء داخلها دفع رسوم كبيرة نظير خدمات صغيرة وتافهة، مثل رسوم تشمل نقل الأمتعة من مكان لآخر، بينما لا تقدم خدمات المياه والكهرباء والدواء والصحة والتعليم للنازحين أو المجبرين على البقاء في مدن وتجمعات غرب دارفور السكانية الذين باتوا يعيشون في حال من الخوف الدائم.

مآسي المعسكرات

أما اللاجئون في الخارج وفي شرق دولة تشاد بخاصة، فمأساتهم أخطر من أن يتصورها العقل في ظل العدد القليل جداً من المنظمات غير القادرة على مواجهة تحديات الطوارئ الماثلة هناك، فالناس ينتظرون مجرد التسجيل في كثير من تلك المواقع فضلاً عن تقديم أي شيء لهم، كما يعاني اللاجئون، وفق عضو اللجنة، من انعدام مواد الإيواء، وقد تحصل معظمهم على المواد البلاستيكية لبناء المأوى من إمكاناتهم الذاتية الشحيحة، كما أن طريقة ترحيلهم من مركز الاستقبال في أدري إلى المعسكرات الجديدة تتم بطريقة لا تخلو من إهانة شديدة للاجئين بخاصة الأطفال.

ومن أمثلة التعامل التي يرويها يعقوب أن اللاجئين يطلب منهم تفكيك خيامهم الهزيلة استعداداً لترحيلهم منها، ثم يتركون في المكان نفسه أياماً عدة من دون ترحيلهم على رغم الأمطار الغزيرة، مما يعرض الأطفال لأمراض عدة.

جوع وعطش

وعن الأوضاع داخل المعسكرات قال يعقوب "لا توجد مراحيض لائقة ولا كافية، وهناك مشكلة حقيقية في توفير مياه الشرب، ويضطر كثيرون للذهاب إلى البرك في الوادي القريب من المعسكر للحصول على المياه، وهي عكرة يستحم فيها معظم الناس"، كذلك يعاني اللاجئون الجوع وشح الطعام ومعظم الناس فقدوا كثيراً من أوزانهم جراء سوء التغذية، بخاصة وسط الأطفال دون سن الخامسة، أما بخصوص المنظمات الدولية والأممية فأكد مقرر اللجنة ألا وجود لموظفي الأمم المتحدة الدوليين ومعظم العاملين هنا من العمال الوطنيين وبقدرات محدودة.

آلاف الجرحى

وبخلاف اللاجئين في المعسكرات فهناك ما يفوق 1000 جريح في المستشفيات التشادية يحتاج معظمهم إلى تدخل جراحي عاجل خارج منطقة أدري، ومنهم من يعاني كسوراً تحتاج إلى العلاج خارج تشاد، وهواجس اللاجئين لم تنقطع بوصولهم الأراضي التشادية، فلا يزالون، بحسب عضو لجنة حصر الانتهاكات والأوضاع الإنسانية بغرب دارفور، يتخوفون أحياناً من تسلل بعض أفراد "الدعم السريع" إلى داخل الأراضي التشادية.

وكان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ذكر أنه يمتلك معلومات جديرة بالثقة عن مسؤولية "الدعم السريع" عن مقتل 87 شخصاً في الأقل دفنوا في مقبرة جماعية غرب دارفور، بعضهم من عرقية المساليت، مما دفع مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق في شأن جرائم حرب جديدة في دارفور.

ورداً على تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" بتوثيقها مقتل ما لا يقل عن 40 مدنياً، بما في ذلك إعدام 28 فرداً في الأقل من قبيلة المساليت في مدينة مستري غرب دارفور، أعلنت "الدعم السريع" رفضها أية اتهامات مسبقة من دون الوقوف على حقيقة ما جرى، مبيناً أنه سيتعامل مع تلك المزاعم بجدية في ما يتعلق بأحداث غرب دارفور، والتزامها بالتعاون مع أية لجنة تحقيق عادلة من جهات محايدة تشكل لهذا الغرض، نافية وجود أية تحالفات بينها وبين أية ميليشيات في دارفور أو غيرها من المناطق.

وتجدد العنف وعمليات النزوح في دارفور بصورة حادة مع استمرار المعارك بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وقدرت الأمم المتحدة عدد القتلى بأكثر من 4 آلاف، بينهم مئات المدنيين، وتسبب في أزمة إنسانية كارثية جعلت أكثر من 6 ملايين سوداني على حافة المجاعة، ووضع البلاد على شفا حرب أهلية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي