Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديمقراطية المصالح... بماذا يستقوي انقلابا النيجر والغابون؟

هشاشة المواقف الدولية وسياسة الكيل بمكيالين ربما تسوقان بلداناً أخرى في المنطقة لتكرار الظاهرة

يرتبط نجاح الانقلابات بمدى ما يحققه العسكريون من انتقال حقيقي ببلدانهم نحو السلام والاستقرار والتنمية (أ ف ب)

ملخص

هل تجبر ردود الفعل الدولية عسكر النيجر والغابون على التراجع عن انقلابهم وإعادة الأنظمة السابقة؟

يعتمد انقلابا النيجر وتابعه الأحدث في الغابون على رد فعل المجتمع الدولي والإقليمي تجاه التمرد على النظام الديمقراطي. فهل تجبر هذه الردود العسكر في كلتا الدولتين على التراجع عن انقلابهم وإعادة الأنظمة السابقة؟

الاتحاد الأوروبي أكد في بيان له، الخميس الماضي، رفضه الاستيلاء على السلطة بالقوة في الغابون، داعياً جميع الأطراف إلى ضبط النفس، كما أشار البيان إلى مخاوف جدية في شأن إدارة العملية الانتخابية التي سبقت الانقلاب العسكري.

وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قد صرح الخميس الماضي بأنه لا يمكن مقارنة الانقلاب العسكري في الغابون بانقلاب النيجر، مشيراً إلى أن العسكريين في ليبرفيل تدخلوا بعد انتخابات شابتها مخالفات.

وأضاف بوريل في تصريحات لوسائل الإعلام أن "الاتحاد الأوروبي يتقاسم المخاوف الجدية في شأن الطريقة التي جرت بها الانتخابات في الغابون".

العودة السريعة

أما الاتحاد الأفريقي فقد علق عضوية الغابون به، كما عبرت فرنسا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا عن مخاوفها المتعلقة بانقلاب الـ30 من أغسطس الماضي في ليبرفيل، لكن لم يتضمن حديثها توجيه مناشدات مباشرة لإعادة الرئيس الغابوني المعزول علي بونغو إلى منصبه مثلما فعلت مع الرئيس النيجري محمد بازوم.

من جهتها دانت المجموعة الاقتصادية لدول وسط وغرب أفريقيا "إيكواس" في 31 أغسطس الماضي الانقلاب العسكري في الغابون، وحثت السلطات هناك على "اتخاذ جميع الإجراءات من أجل العودة السريعة إلى النظام الدستوري"، مشيرة إلى أنها تتابع بقلق عميق الوضع في البلاد، ومعلنة عن انعقاد وشيك لمجلس السلام والأمن التابع لها لبحث القضية (من دون تحديد موعد معين).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويجيء الموقف الجديد للولايات المتحدة، الذي يسعى إلى حلول دبلوماسية للأوضاع في النيجر والغابون بحسب ما صرح به جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، أمس الجمعة، بمثابة عدم تصعيد للمواقف.

من الواضح أن ما تحمله التصريحات المتواترة ومواقف القوى الإقليمية والدولية تجاه الانقلاب في الغابون أضعفت اللهجة السابقة التي كانت منصبة من هذه القوى نفسها على انقلاب النيجر في الـ26 من يوليو (تموز) الماضي، حينما رافقتها تهديدات بالتدخل العسكري، وهو ما لم تجر الإشارة إليه في انقلاب الغابون.

كما لم يحدد التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا تاريخاً بعينه لرد فعله حيال الغابون (أعلن عن انعقاد وشيك لمجلس السلام والأمن)، مما يعطي دلالة على التهدئة.

كذلك يأتي الموقف الفرنسي أقل تفاعلاً مع التطور الجديد الحاصل، فعلى رغم إدانة باريس للانقلاب فإن البعض يصف موقفها بأنه "أقل انفعالاً"، ويعزون ذلك إلى اللغة الهادئة في خطاب العسكريين الغابونيين، ووعدهم الالتزام بكل الاتفاقات المبرمة في السابق، وطمأنة المانحين والدائنين للدولة بالوفاء، إلى جانب عدم استفزازهم فرنسا، الحليف الاستعماري، كما فعل نظراؤهم في النيجر عندما أعلنوا إبطال الاتفاقات العسكرية المبرمة معها وأمروا السفير الفرنسي بالرحيل.

لكن الموقف الفرنسي تجاه الغابون على رغم الفروض الدبلوماسية التي تحتم رفض الانقلاب، يشبه من بعض جوانبه ما يمكن تسميته بمباركة التحول العسكري في ليبرفيل، وذلك منذ أن قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن إن "بلادها تتابع الموقف هناك من كثب".

ويشير بعض المراقبين إلى أن الإدانة في أصلها تجيء من القوي الغربية بسبب ما تدعيه من إسقاط العسكريين للنظام الديمقراطي، لكن ضعفها تجاه الغابون أعطى حافزاً للانقلابيين للمضي قدماً، وقد اتضح هذا في استباق العسكريين بكلتا الدولتين للأحداث. فقد أعلن قادة الانقلاب في الغابون الخميس الماضي أن مراسم تنصيب الجنرال بريس أوليغي نغيما رئيساً انتقالياً ستقام في الرابع من سبتمبر (أيلول) الجاري أمام المحكمة الدستورية. وأكد الناطق باسم "لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات أولريك مانفومبي مانفومبي أن "الجنرال أوليغي قرر أيضاً إنشاء مؤسسات انتقالية على مراحل". كما اتسمت الخطوات في النيجر بالتحدي، إذ أعلن المجلس العسكري الحاكم الخميس الماضي منع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية من العمل في "مناطق العمليات" العسكرية.

قوة دفع

الترتيبات في كلتا الدولتين تمضي غير عابئة بأية تهديدات وكأن انقلاب الغابون أعطي "قوة دفع" جديدة لهما معاً، وفي ذلك يقول الأستاذ بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية في الخرطوم معتصم عبدالقادر الحسن "يرجع الباحثون الانقلابات في الدول عامة، وأفريقيا على وجه الخصوص، إلى الظروف القاسية كالفقر وفشل الأداء الاقتصادي والفساد، باعتبار أن مثل هذه الظروف عوامل مهيئة لتقبل الناس لأي تغيير سياسي". ويضيف الحسن "منذ عام 2017 شهدت أفريقيا بشكل عام انقلابات أكثر من أية قارة أخرى في العالم، والانقلابات معروفة منذ نشأة الدول، وعلى رغم تعدد الوسائل التي تستغل في التغيير، سواء كانت هادئة أو عنيفة، فإن ما يحدث من تغيير في مسار الدولة وسياساتها وما يتبع ذلك من نجاح أو فشل مرهون بمراقبة الدولة المعنية أو موقف المجتمع الدولي من حولها". ويوضح "ربما يكون تمسك العالم بصيغة الديمقراطية هو وسيلة للتصحيح وضمان الرقابة بحكم ما شهده العالم من فشل وانحرافات أنظمة عسكرية لم تقدم لبلدانها نجاحات محسوبة، ولكن تعامل العالم مع حيثيات وظروف استقلال معظم البلدان الأفريقية، وخروج الدول المستعمرة التي استفادت كثيراً من ثروات شعوب القارة، ربما تشوبه أغراض التمسك بمصطلح الديمقراطية التي تتنادى بها الدول الغربية".

ويضيف "في الحال الراهنة من الملاحظ أن شعار الديمقراطية الذي يرفعه الغرب كحجة لاستغلاله الدول والشعوب في القارة الأفريقية يتخذ بعداً ذا مقاييس مختلفة في التعامل مع الأطراف الأفريقية. فعلى رغم أن الديمقراطية واحدة كشعار وغاية، فإن اختلاف الحرص عليها يجعلها حجة غير منطقية، كما أن اختلاف التعامل بين دول تهدد بالتدخل العسكري، وأخرى تسكت عن التهديد، يضعف لهجة القوي الإقليمية والدولية في مواجهاتها للانقلابات".

ويتابع الحسن "هذه الدلائل مجتمعة، والممثلة في ضعف المواقف، والكيل بمكيالين، ربما تقوي من الظاهرة الانقلابية التي يتوقع لها أن تسوق بلداناً أخرى في وسط وغرب أفريقيا، وربما خارج حزام هذه المنطقة إلى أن تحذو حذواً مماثلاً، وذلك لما تشهده من إصرار ونجاح في وجه الضغوط الخارجية والإقليمية".

لكن هذا أيضاً يرتبط، بحسب الحسن، سواء التي استتبت أنظمتها العسكرية أخيراً كمالي وبوركينا فاسو وغينيا، أو الحديثة في كل من النيجر والغابون، بمدى نجاح العسكريين في إحراز انتقال حقيقي ببلدانهم إلى واقع أفضل يسوده استقرار وسلام اجتماعي، إلى جانب مكافحة الفساد، وشفافية توظيف الثروات في التنمية والبناء، فضلاً عن إعادة تنظيم المؤسسات ضمن توجه ديمقراطي حقيقي وأكثر احتراماً لحقوق الإنسان.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير