Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثورة عالمية في زرع الأعضاء و"الرحم" تتوسع

القلب الأسهل والأكثر انتشاراً بعد الكلى ولبنان ينقصه الدعم المالي وثقافة الوهب

جراحون وممرضون يجرون عملية جراحية للقلب على طفل باستخدام مسبار متخصص مصغر (أ ف ب)

ملخص

العالم يشهد تطوراً سريعاً في عمليات زرع الأعضاء لكن غياب ثقافة الوهب يبقى التحدي الأكبر في لبنان

في خمسينيات القرن الماضي، انطلقت أولى عمليات زرع الأعضاء مع عملية زرع كلية ناجحة لإنسان. آنذاك، تركزت الأبحاث على عمليات زرع الكلى لاعتبارها الوحيدة التي من الممكن أن تحصل باللجوء إلى واهب حي، وحتى اليوم تبقى جراحة زرع الكلية الأكثر شيوعاً في العالم بين مختلف عمليات زرع الأعضاء.

حقق هذا المجال تطوراً كبيراً وتوسع ليشمل عمليات زرع وجه وأمعاء وجلد، كما يعتبر زرع الرحم من أحدث التطورات فيه وباتت هذه العملية تجرى في عدد من الدول، على رغم أنها من جراحات زرع الأعضاء الأكثر تعقيداً.

تطور عبر التاريخ

خلال الأعوام الأولى من بدء عمليات زرع الأعضاء، أجريت عمليات زرع الكلى حصراً، لكن في أواخر الستينيات تمت بنجاح جراحات عدة لزرع كبد وقلب وبنكرياس، وبعد إجراء أكثر من 400 عملية زرع رئة على الكلاب، نجح فريق الدكتور جيمس هاردي من جامعة مسيسيبي في إجراء أول عملية زرع رئة لإنسان من واهب متوفى عام 1963، لكن المريض الذي أجريت له عملية الزرع توفي بسبب تشخيص حالة سرطان الرئة بعد 18 يوماً.

ثم في مرحلة لاحقة تطورت تقنيات زرع القلب التي بدأت بعمليات أجريت على الكلاب، إلى أن أجرى جراح قلب من جنوب أفريقيا هو الدكتور كريستيان برنارد أول عملية زرع قلب في العالم، وكان المتلقي يعاني مشكلات صحية عدة وتوفي بعد 18 يوماً من الجراحة، لكن حققت العمليات التي أجريت لاحقاً نتائج فضلى، إذ عاش المريض الثاني الذي خضع لعملية زرع قلب حياة نشطة خلال 19 شهراً.

أما الخامس فعاش 12 عاماً بعد العملية، فيما عاش المريض السادس 24 عاماً، ولاحقاً ابتكر الدكتور روبرت جارفيك تقنية جديدة ومختلفة في جراحة الأعضاء وصمم قلباً اصطناعياً استخدم عام 1982 لإجراء أول عملية زرع قلب اصطناعي للإنسان، ثم في تسعينيات القرن الماضي أجريت عمليات زرع قلب اصطناعي لـ150 مريضاً.

بحلول 1998، سجل تطور ملحوظ في مثبطات المناعة للحد من رفض جسم المرضى للأعضاء، وفي العام نفسه تكللت أول عملية زرع يد لمريض بالنجاح في فرنسا أجراها الدكتور جان ميشال دوبرنارد، ثم في 2000 أنجز أول عملية زرع ليدين في الوقت نفسه وعام 2005 أجرى أول عملية زرع جزئي لوجه مريضة، ثم أجريت أول عملية زرع وجه كامل في إسبانيا في 2010.

أما أولى عمليات زرع الرحم الناجحة، فأجريت في السويد عام 2014 بعد تجارب فاشلة في دول أخرى في العالم مثل السعودية وتركيا، وحتى اللحظة نجحت عشرات عمليات زرع الرحم والولادات في العالم، ومنها لبنان حيث أجريت العملية في مركز ومستشفى بلفو الطبي عام 2018 بالتعاون مع الفريق الطبي السويدي وبعد تلقي فريق الأطباء في المستشفى التدريب اللازم لإنجاز هذه العملية.

وبالفعل رزقت السيدة الأولى الأردنية التي خضعت لجراحة زرع الرحم بطفلين، ومنذ نحو أسبوع تكللت أول عملية زرع رحم في بريطانيا بالنجاح في مستشفى أكسفورد، فنجح الأطباء في زرع رحم امرأة بعمر 40 سنة كانت قد أنجبت طفلين لشقيقتها البالغة من العمر 34 سنة، في جراحة استمرت تسع ساعات، وكانت عملية استئصال الرحم للواهبة استمرت ثماني ساعات قبل أن تجرى عملية الزرع لشقيقتها المصابة بحالة نادرة تصيب الجهاز التناسلي للمرأة.

الأكثر تعقيداً

حصلت تطورات مهمة في مجال زرع الأعضاء خلال العقود الماضية، بحسب الطبيب الاختصاصي في جراحة المسالك البولية وفي زرع الكلى بمركز بلفو الطبي الدكتور باسكال حج، لكن تعتبر عملية زرع الرحم أحدثها في المجال.

وعلى رغم أن الدراسات بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، لم تجرَ أول عملية زرع رحم ناجحة لامرأة على يد فريق الأطباء السويدي إلا بعد 15 سنة، فولد الطفل الأول من أم خضعت لهذه العملية عام 2014 في السويد، لذلك يعتبر فريق الأطباء السويدي الأنجح في المجال، نظراً إلى فشل المحاولات السابقة في دول أخرى، واستطاع هذا الفريق الطبي تدريب كثيرين حول العالم في كندا وأستراليا ولبنان وبريطانيا.

ويضيف حج، "التطور المهم الذي حصل في مجال زرع الأعضاء لا يرتبط بأنواع الأعضاء، إنما بالتقنيات المعتمدة في هذا المجال بوجود الذكاء الاصطناعي، فبوجود الروبوت لم تعد هناك حاجة إلى جراحة وهو معتمد في دول عدة انتقلت من الجراحة التقليدية إلى الجراحة الروبوتية في زرع الأعضاء وسحبها، فعلى سبيل المثال تجرى عملية زرع الكلية بالمنظار أو بواسطة الروبوت".

وحتى اللحظة تبقى الكلية أكثر الأعضاء التي تجرى فيها عملية زرع ويليها الكبد والقلب ثم البنكرياس والرئة، كما أصبح من الممكن إجراء عملية زرع أمعاء، إذ تجرى عمليات زرع لمعظم الأعضاء الحيوية في الجسم، لكنها لا تتم في مختلف دول العالم لأن ذلك يرتبط بمدى صعوبة العملية والتعقيدات فيها، فلكل من الأعضاء خصوصية بحسب وظائفه وعوامل عدة أخرى، مما يؤثر في مدة مختلفة ونسبة التعرض لالتهابات ونسبة الرفض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق حج، تعتبر عملية زرع الرئة من العمليات الأكثر صعوبة لأن الحال الصحية للمريض تكون عادة سيئة عند لجوئه إليها، كما قد يزيد احتمال حصول التهابات ومضاعفات ورفض جسم المريض للرئة وهي من العمليات التي لا تجرى في لبنان إلا نادراً بسبب كلفها العالية ولو كان من الممكن أن تجرى من الناحية التقنية.

أيضاً، تعتبر عملية زرع البنكرياس من العمليات الصعبة وربما تكون تقنياً أكثر تعقيداً بعد من عملية زرع الرئة، لكنها تجرى في لبنان.

أما عملية زرع القلب، فمن العمليات السهلة نسبياً، وكذلك زرع الكبد وإن كانت مدتها تطول، خصوصاً أن نسبة رفض العضو فيها أقل، وترتفع نسبة نجاح عملية زرع الكلية بشكل خاص لتتخطى 90 في المئة.

في المقابل، تعتبر عمليات زرع الرحم من الأصعب تقنياً وتتكثف الجهود لكسب مزيد من الخبرة في هذا المجال، وقد حصل تطور سريع خلال الأعوام الأخيرة، إذ أنجزت 90 حالة زرع رحم في العالم، علماً أن الرحم يشكل حالة خاصة لأنه ليس من الأعضاء الحيوية ولا تجرى عملية الزرع لإنقاذ الحياة كما بالنسبة إلى الأعضاء الأخرى، بل لهدف معين، ثم يستأصل العضو بعد أربع أو خمس سنوات.

تحديات يمكن تخطيها

ويمكن تعزيز نسبة نجاح عملية زرع الأعضاء وقبول الجسم للعضو بواسطة مثبطات المناعة بما أن الرفض أبرز التحديات وقد يؤدي إلى فشل العملية عندما تكون هناك ضرورة لاستئصال العضو، فقد حصل تطور كبير في مثبطات المناعة، مما يقلل من احتمال رفضه، كما حدث تطور على مستوى التوافق بين الواهب والمتلقي لخفض نسبة الرفض وزيادة فرص نجاح عملية الزرع.

كل ذلك مع الوضع في الاعتبار أيضاً أن الرفض الحاد من الجسم للعضو الجديد يعالج بمثبطات المناعة، أو يمكن أن يكون الرفض مزمناً، فيكون عمر العضو في جسم المريض انتهى.

ويعتبر الكبد والكلية من الأعضاء التي قد تدوم نحو 20 سنة بعد العملية في حال المتابعة الطبية وتجنب الالتهابات والتقيد بالتوصيات، فمن يخضع لعملية زرع يكون أكثر عرضة للإصابة بالتهابات وبالسرطان، وبعدها تجرى عملية زرع ثانية لعضو جديد بانتظار توفيره من واهب حي أو متوفى.

تزيد الصعوبات في توفير الأعضاء عندما يكون الواهب متوفى، ما يحصل في النسبة الأكبر من الحالات بما أن نسبة واهب حي لا تتخطى 25 في المئة، بحسب رئيس قسم أمراض الرئة والإنعاش الطبي في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" ورئيس لجنة وهب الأعضاء في المستشفى البروفيسور موسى رياشي.

وثمة مشكلة حقيقية في ثقافة وهب الأعضاء، ففيما تعتبر إسبانيا رائدة في هذا المجال بعد أن أصبح هذا المبدأ في صلب ثقافة الشعب، تتكثف الحملات لنشر هذه الثقافة في العالم والتشجيع على وهب الأعضاء خلال العقدين الأخيرين، بما أن رفض الوهب من التحديات الأساسية في عمليات زرع الأعضاء، وإن كنا نشهد تحسناً في هذا المجال.

يقول رياشي، "في مستشفى أوتيل ديو دو فرانس أسسنا لجنة لوهب الأعضاء في مواجهة هذا التحدي لنشر هذه الثقافة والتدخل سريعاً في حالات الموت الدماغي بغية زيادة فرص وهب الأعضاء في مرحلة مبكرة، فهي من العناصر الأساسية للحفاظ على الأعضاء التي يمكن وهبها، وعند تدهور الوضع الصحي لأحدهم نتحقق ما إذا كان مؤهلاً للوهب قبل التحدث إلى الأهل ونحرص على نقل المعلومة بالشكل الصحيح بالاستناد إلى المعايير الأخلاقية والطبية".

ومن الأعضاء التي ثمة صعوبات لتأمينها قرنية العين التي لا تتوافر بمعدلات كافية، ففي لبنان تتوافر بشرائها من الولايات المتحدة حيث يزيد العدد على الطلب بما لا يقل عن 2000 أو 2500 دولار، بدلاً من أن تتأمن عن طريقة الوهب، علماً أن القرنية من الأعضاء التي تزيد فرص الحفاظ عليها خلال ما لا يقل عن ست ساعات بعد الوفاة.

بشكل عام، حصلت أزمة في مجال عمليات زرع الأعضاء في فترة الجائحة مع زيادة التخوف من خفض المناعة وتداعيات ذلك وسط انتشار الفيروس، وكان من الممكن تخطي الأزمة في العالم، فيما لا يزال التطور بطيئاً في لبنان.

وهنا يقول رياشي، "استطعنا تحديد أسباب العرقلة والعمل على المعرفة المبكرة بالوفاة بالتنسيق مع الـNOODT عبر توقيت إعلان الوفاة وخفض نسبة الرفض والعناية الصحيحة للمريض الذي سجل لديه الموت الدماغي. فالعناية تختلف تماماً عندها وهو علم جديد تجري دراسته حفاظاً على سلامة الأعضاء التي يمكن وهبها".

ومن التحديات في مجال وهب الأعضاء وعمليات الزرع أيضاً في لبنان، كلف عملية الوهب والزرع التي تتحملها وزارة الصحة والجهات الضامنة في الخارج، فكانت وزارة الصحة في لبنان تتولى ذلك، لكن التحدي اليوم كبير، إذ يوضح رياشي أهمية مواجهة ذلك عبر تعزيز دور الجهات الضامنة والجمعيات في تغطية الكلف لزيادة فرص الوهب.

المزيد من صحة