Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

داخل بلاط تشارلز: ملك عصري في عجلة من أمره

إنه ملك شغوف وعرضة لتقلبات المزاج ويعتمد على زمرة من المستشارين الإعلاميين ولم يهدر أي وقت ليخرج من الظل ويصوغ إرثه الخاص

الملك والملكة يقفان على شرفة قصر باكنغهام (غيتي)

ملخص

بعد مرور عام على تولي التاج، كيف تعامل تشارلز مع الدراما العائلية المعقدة والمشحونة بين هاري وأندرو؟

مع أن وفاة الملكة كانت متوقعة، إلا أن الأخبار الواردة من بالمورال في الثامن من سبتمبر (أيلول) 2022 جاءت بمثابة صدمة للعالم. وفجأة فقدت المملكة المتحدة والكومنولث عاملاً موحداً حيوياً: إذ أضفت الملكة جواً ساحراً من الهدوء في عالم سريع التغير. إلى جانب صدمة رحيل الملكة، كان السؤال الآخر هو إلى أي مدى سيتمكن الملك الجديد من التكيف وهو يملأ المكان الشاغر الذي تركته والدته.

وسرعان ما سرت الطمأنينة في المساء التالي في خطاب الملك الملهم للأمة. ألقى تشارلز عديداً من الكلمات في الماضي، لكن هذا الخطاب كان بلا شك أفضل ما قدمه. ومن المؤثر أننا نقرأ كلمات الخطاب اليوم كما لو أننا نستمع إليه يوم ألقاه في قصر باكنغهام تلك الليلة. إلى جانب الإشادة التامة بوالدته، وضع معايير العهد الجديد، وفي السنة التي تلت ذلك، التزم بإخلاص بتعهداته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكثيراً ما تواترت الشكوك في ما إذا كان بإمكان الملك الجديد التكيف مع الواقع الجديد والتحول من كونه أمير ويلز المتحفز والسباق، الذي لا يتوانى عن إثارة الأمور عندما تقتضي الحاجة، إلى الدور الأكثر حذراً للملك الدستوري. في خطابه، جدد الوعد الذي قطعه بالخدمة مدى الحياة. وعلى وجه الخصوص، تناول القضايا الرئيسة، وهي إيمانه الراسخ بكنيسة إنكلترا وفهمه للحاجة إلى "دعم المبادئ الدستورية التي تقع في جوهر أمتنا". وأدرك أنه منذ تلك اللحظة أنه لم يعد قادراً على التحدث عن القضايا والمسائل التي كرس طاقاته لها في الماضي.

فالعهد الجديد يجلب معه فرصة لإحداث التغييرات، وهو حتماً رجل متقدم في السن في عجلة من أمره. تماماً مثلما شرع إدوارد السابع أبواب قصر باكنغهام ليتغلغل دخان السيجار في الممرات التي كانت تعبق برائحة العفونة من قبل، كذلك أعاد الملك الجديد قصر باكنغهام للحياة. كان القصر في حال خمول منذ أن غادرت الملكة إليزابيث الثانية إلى وندسور في مارس (آذار) 2020، ولم تقض ليلة هناك مرة أخرى. كانت ثمة زيارة دولة لرئيس جنوب أفريقيا في الخريف الماضي، كما أقيمت حفلات استقبال أخرى في القصر. مفاد الرسالة بأن العائلة المالكة نشطة وتتطلع إلى المستقبل بعزيمة.

كان الظلام خيم على قلعة وندسور إلى حد ما في الأيام التي تلت وفاة الملكة، وتولى الملك الجديد بغتة مسؤولية المكان وراح يقضي ليالي الجمعة هناك ويجري مراسم تقليد الأوسمة والأوشحة هناك. وكان ملهماً تنظيم حفلة التتويج والقلعة خلفية للحفلة، وتلك كانت المرة الأولى التي يحدث فيها أمر كهذا على مر تاريخها الطويل.

يبدو أن الملك يستمتع بهذه المساكن المختلفة، وهو يقطن في كلارنس هاوس وسيستمر بلا شك في العيش هناك لبقية فترة حكمه. فقصر باكنغهام قيد الإصلاح، مما يجعل الإقامة فيه غير عملية الآن، لكن كلارنس هاوس منزل أفضل بكثير، وبالنسبة إلى الملك فإن لديه ذكريات غاية في الأهمية مع أمه الملكة. إلى جانب لندن ووندسور، يحب الملك ساندرينغهام (الذي كان تحت رعايته لسنوات عدة). لقد أنشأ بالفعل حديقة جديدة هناك وبحسب علمي فإن جميع البستانيين مشغولون وهم يهرولون لإنجاز التغييرات في المساكن الأخرى أيضاً. كذلك كان الملك مشغولاً بتزيين منزل ساندرينغهام. ويحتفظ بهايغروف [ملكية ريفية تقع في غلوسترشاير، إنكلترا، وكانت المقر الرئيس للملك تشارلز حين كان ولياً للعهد البريطاني] وخلال عطلته الاسكتلندية أمضى بعض الوقت في قلعة مي (منزل الملكة الأم في كيثنيس) وبيرخال وكذلك في قلعة بالمورال. ثم هناك دومفريز هاوس، الذي أنقذ من البيع في عام 2007، ولدى الملك عقارات في رومانيا، ولا سيما المعتكف الطبيعي في تلال وادي زالان في ترانسيلفانيا. إنه في مدار دائم.

وارء الكواليس، لا يخالجني شك في أن الملك يستخدم قوته الناعمة لإنجاز المساعي التي تهمه، وهو يفعل ذلك ضمن الحدود الدستورية المقيدة. وهو على دراية جيدة بما حوله، لا سيما بعد أن خضع لأطول "فترة تدريب مهني" في التاريخ لإعداد نفسه للعرش. الآن، بعد أن أصبح عاهلاً للبلاد، لديه الفرصة لمناقشة المسائل على مستوى أعلى.

ولا يزال من الصعوبة بمكان الخروج بمقاربة هذا العهد و"قراءته" على النحو الذي كان متاحاً في العهد الماضي. الملك الجديد رجل يعرف بتقلب المزاج والحماسة العفوية المباغتة، ومن وجهة نظري، وأنا أعترف طواعية أنني "رجل من الأمس"، حبذا لو كان لنا أن نعلم ما رأي بعض مستشاريه الإعلاميين فيه. كان النجاح الباهر للملكة والأمير فيليب (والأميرة آن) أنهم لم ينحنوا أمام الضغوط الإعلامية، بل واصلوا العمل، كما ينبغي لنا جميعاً فعله. كان ذلك ناجعاً. ومن الواضح أن هؤلاء المستشارين يعملون للترويج للملك والملكة كاميلا بأي ثمن، ولكن في بعض الأحيان على حساب الآخرين.

في الفترة التي سبقت التتويج، كان لدي ما لا يقل عن ستة صحافيين ذوي خبرة ومراسلين ملكيين يلجأون إلي للحصول على المشورة بشأن تعقيدات الحدث، في وقت كانت فيه إدارة الاتصالات الملكية إما غير راغبة أو غير قادرة على إبلاغهم بها، ومثال ذلك ما الذي كان يقصد "بيوم ذوي الياقات البيضاء"، الذي شاع شرحه بعد ذلك. نسفت إمكانية إجراء مقابلة جميلة أو اثنتين من دون تفسير، وبالتالي فوت بعض الفرص الجيدة (من وجهة نظري الانتقائية باعتراف الجميع، بناء على 60 عاماً فقط من الدراسة).

كان للتتويج جوانب تبعث على القلق، وأفضل تلخيص لها هو: "آنت وديك" [إشارة إلى الثنائي المشهور في التلفزيون البريطاني، أنتوني مكبارتلين وديكلين دونيلي، وهما مشهوران في العروض الترفيهية والبرامج التلفزيونية]؛ الأعيان بالوراثة لم يكونوا حاضرين للمرة الأولى منذ 1000 عام". الشمول أمر يستدعي الإعجاب، ولكن بدا لي أن هناك كثيراً من الإقصاء. أعترف بأنني من الطراز القديم بلا خجل، ولكن كان هناك عدداً من الأشخاص الذين لم توجه لهم الدعوات إلى الحفلة الذين كان ينبغي دعوتهم. لم يتوقع أحد 545 من الأعيان بالوراثة (أو 420 من النبلاء) الذين شكلوا نسبة كبيرة من الجماعة في عام 1953، لكن عديداً من هؤلاء الأشخاص يؤدي الدور نفسه على المستوى الإقليمي كما تفعل الملكية على المستوى الوطني، وهم يفعلون ذلك من طريق النسب الوراثي. ومن المؤكد أن تهميشهم يعني المخاطرة بعزل مجموعة كبيرة من الدعم. شعرت بالأسف لغياب فرسان الرباط والسرادق الذهبية لمراسم التطهير لصالح الشاشة الغريبة. ها قد تبدد تقليد آخر عمره قرون.

ربما رتب كل ذلك على عجل، مع عديد من التدخلات من رئيس الأساقفة أدرجت لتجنب إثارة وسائل الإعلام العدائية المحتملة أو رد الفعل العام السلبي، ومع المستشارين عديمي الخبرة الذين يروجون لأفكارهم يساراً ويميناً.

واجه الملك مشكلات. انقلبت العائلة المالكة على السيدة سوزان هوسي بسرعة كبيرة بسبب حادثة نغوزي فولاني، وكان من الجيد أن الملك تجاوزهم في الوقت المناسب وأعادها لحيث كانت. في آخر أخبار الموسم السخيف، انخرطت وسائل الإعلام أيضاً في حملة مفرطة حول ذهاب الأمير أندرو إلى الكنيسة مع عائلته أثناء إقامته في بالمورال.

أستشعر إنسانية عظيمة هنا، فليس سراً أن الملك والأمير أندرو ليسا مقربين، لكن الأمر متروك للملك لرعاية أخيه. سيتعين عليه إعالته. وبصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، فهو يحقق ما كانت تتمناه الملكة. من المؤكد أن الملك يظهر الرحمة في الطلب من أخيه أن يمكث. حضر الأمير أندرو الكنيسة مع العائلة في عيد الميلاد وعيد الفصح، ولم لا يذهب إلى كنيسة كراثي يوم الأحد عندما يحل ضيفاً في بالمورال؟ من الواضح أن هذه ليست إشارة إلى أنه سيعود للحياة العامة. انقلب العالم ضده، وفي ظل هذه الظروف، لن يكون مصدر نفع، كذلك الأمير هاري، إذ كان من الصادم أن يكون الأمير هاري مستعداً لنشر مذكراته التي تحمل عنوان Spare خلال حياة جدته، ناهيك عن إصدار مسلسل "نتفلكس" الذي قدم فيه منصة لعدد من النشطاء لتقريع الكومنولث، إلى جانب مظالم أخرى. تعامل الملك مع هذه القصة الطويلة المستمرة بتحفظ مثير للإعجاب، ولم يتعاط على الإطلاق مع أي من التهكمات التي وردت في مذكرات هاري ودعا عائلة دوق ساسيكس إلى حضور حفلة تتويجه وحضر الأمير هاري بمفرده.

من الواضح أن الملك يترك الباب موارباً لعودة ابنه (بمفرده) في مرحلة ما في المستقبل، وهي العودة التي قد تكون أقرب مما يفترضه بعضهم. غير أن من المفارقات المحزنة أن الأمير هاري أنشأ ألعاب "إنفكتس" Invictus من أجل تشجيع الجنود الجرحى على عدم اعتبار أنفسهم ضحايا، في حين أنه جعل من نفسه مثالاً للضحية وغدا متذمراً إلى الأبد.

تمثل وفاة الملكة والأمير فيليب، إلى جانب مغادرة الأمير أندرو والأمير هاري الحياة العامة، مشكلة أخرى للملك. توجد آلاف عدة من الجمعيات الخيرية الآن من دون دعم ملكي، ومما لا شك فيه أن الألوية تحتاج إلى عقداء ملكيين والجمعيات الخيرية إلى رعاة ورؤساء. في أيامنا هذه، لا يبتغي العالم سوى الملوك أو المشاهير، غير أن أي شخص تعامل مع أحد من الطبقتين يدرك أن التعامل مع أهل الطبقة الأولى أسلس وأنفع من الثانية.

هناك الآن عدد قليل جداً ممن يمكنهم تولي هذه الأدوار، فإلى جانب الملك وقرينته كاميلا، هناك أمير وأميرة ويلز، والأميرة الملكية، ودوق ودوقة إدنبرة الجديدين. لا يمكن للملك أن يطلب من دوق كنت أو الأميرة ألكسندرا تولي مزيد، ودوق غلوستر الآن في عامه الـ80. ويبدو الملك غير راغب في إشراك أميرات يورك. بالفعل، لدى جميع الآخرين ما يزيد على حاجتهم من المسؤوليات. ولئن تفهمنا أن تقليص حجم الملكية قد يجعلها في حال أفضل، إلا أن ذلك لن ينجح بحق.

من الواضح أن الملك يحظى بدعم مقتدر من القرينة كاميلا، على رغم أن توليها هذا الدور الجديد في سن 76 لا بد وأن ينطوي على احتمال كبير بأن يسبب لها التوتر، وهي موفقة في عدم إرهاق نفسها. في الماضي، لم تقم في كثير من الأحيان سوى بجزء من جولة ملكية، وعادت للمنزل في وقت مبكر، والآن بعد أن أصبح الملك مشغولاً للغاية، فمن المحتمل أنها تراه بشكل أقل كل يوم. كذلك أتوقع أن الأميرة الملكية ستتدخل وتساعده عندما يحتاج إلى هذا النوع من الدعم، هذا ما رأيناه بالفعل في بعض الفعاليات العسكرية الطابع، وسنرى ذلك أكثر.

الأمير وليام هو أيضاً عامل رئيس في العهد الجديد، وفي الواقع، إن وسائل الإعلام سريعة الحركة في نهجها، وفي رغبتها في الإشباع الفوري، لدرجة أنه كانت هناك لحظة رمزية مثيرة للاهتمام في مايو (أيار). فقد توج الملك يوم السبت، وفي مساء الأحد جلس هو وكاميلا في مقاعدهما في حفلة قلعة وندسور، بينما صعد الأمير وليام إلى المسرح وألقى خطاباً شكسبيربياً فسره بعض عناصر وسائل الإعلام على أنه يثبت نفسه بقوة كرجل اللحظة الجديد، رجل المستقبل.

بدا الأمر كما لو أن الملك توج يوم السبت وها هي شخصية جديدة في بؤرة الاهتمام يوم الأحد. يعد أمير وأميرة ويلز الجديدان رصيداً هائلاً في هذا العهد، وكونهما شابين وجذابين مع عائلة فتية جميلة، ينظر إليهما حتماً على أنهما الأمل الكبير للمستقبل. والأمير وليام يفعل الأشياء على طريقته، إذا كان لا يريد ارتداء تنورة في اسكتلندا، فلم يتعين عليه ذلك؟ ربما يحبذ الرجل بنطال التشينو.

سيكون الجانب الثقافي هو العنصر الرئيس في هذا العهد، والملك رجل واسع الثقافة، يحب الحدائق ويحب الفن والموسيقى، ولديه مدرسة فنية خاصة به، ولديه عازف قيثارة. وقيل لي إن رئيس أساقفة كانتربري خشي أن يلتقي الملك بملحن آخر قبل التتويج فيطلب من الفور قطعة أخرى، فحتى ذلك الوقت، كان كلف 12 ملحناً.

قريباً سيتقدم على الساحة الدولية أكثر، وحققت زيارته الرسمية إلى ألمانيا نجاحاً باهراً. كان لديه بالفعل عدد لا بأس به من الأتباع هناك، وكان الألمان معجبين بمخاطبته للبوندستاغ [البرلمان الألماني] باللغة الألمانية المثالية. محطتاه التاليتان هما فرنسا وكينيا.

زاد عبء عمله كثيراً، إلا أنه مدمن عمل. ويقول أولئك الذين رأوه إنه مسترخ ويستمتع بدوره، فبعد أن عاش لفترة طويلة في ظل والديه، قد يكون لديه الآن شعور بالتحرر وفرصة أن يكون الرجل الذي يريد. سبق وأشار بعضهم إلى أنه يرى نفسه "ملك تصريف الأعمال"، لكنني أتساءل حقاً عما إذا كان يرى نفسه على هذا النحو. أحسب أنه يرى أن عهده يوفر عديداً من الفرص ويجسد كثيراً من عمل حياته.

هوغو فيكرز كاتب ومؤلف السير الذاتية للملكة الأم والأميرة أليس، أميرة اليونان والدنمارك

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات