ملخص
مثلما أثرت التفاعلات التجارية والثقافية المتواصلة بين العرب والهنود في الماضي، ها هي تعود اليوم في قمة "مجموعة الـ20" في الهند
كانت أبرز سيوف العرب الأوائل تحمل اسم المهند والهندواني، تيمناً بموطن صنعته ذائع الجودة والصيت، وهو الذي كان ولا يزال يشكل رمز القوة والمنعة والسطوة.
وعندما حملوا عصا الترحال يقتفون أثر التجارة في مياه المحيط الهندي، كانت أعينهم الحادة تيمم بصرها شرقاً نحو بلاد الهند والسند التي خاضوا في عرصاتها وساحاتها حضوراً بارزاً يستلهم منه الأبناء اليوم ذلك التاريخ المشرف للأثر الباقي في عميق الثقافة الهندية حتى اليوم.
وحتى وقد تعفرت لحاهم بغبار الأسفار، كانت تعود مضمخة بروائح المسك والقرنفل والكافور والصندل والنارجيل التي مثلت نكهة العلاقات الثقافية والتجارية بين الحضارتين الممتدة منذ بواكير التاريخ.
وحين شدا الركبان والملاحين الأوائل بـأغنية "يا مركب الهند يابو دقلين/ ياليتني كنت ربانك. أسعى بك البر والبحرين/ وأحمل المال باخنانك (لثمامك)"، لم يأت اختيار الهند معبراً عن أشواق الشاعر اليمني يحيى عمر اليافعي مصادفة ولكنه ترجمة فعلية لتفاعلات ثقافية وإنسانية تركت أثراً ألهم الشاعر والملاحين في أهازيجهم الخالدة حتى اليوم. كما عنى بها الوجهة التي ارتبطت بنواصي مراكب العرب وربابنتهم عبر التاريخ فتوجت هذه الأغنية العلاقة الأدبية والثقافية وجسدت ذلك الثراء في العلاقات التجارية المتواصلة بين العرب والهنود بلغ التأثير المباشر في لغة كل منهما وثقافته التي تجذرت في العادات والتقاليد وحتى الأطعمة الشعبية وغيرها.
المركب يخوض رحلة جديدة
ومثلما أثرت التفاعلات التجارية والثقافية المتواصلة بين العرب والهنود في الماضي، ها هي تعود اليوم في قمة "مجموعة الـ20" في الهند من خلال رحلة جديدة للمركب وربانه ليعبرا ضفتي منطقة الخليج، ممثلة بالسعودية التي اعتمر ولي عهدها "غترة" العرب ورمزهم الثقافي الأول حاملاً فوقها هموم وتطلعات ومصالح أبناء السعودية والوطن العربي برؤية تحمل قيمة تتعدى البترول ومزاداته إلى مصاف الندية والتعاون المتنوع المشترك منطلقاً من رؤية تؤكد "للعالم أجمع أن العرب سوف يسابقون على التقدم والنهضة مرة أخرى، وسوف نثبت ذلك كل يوم"، وهي الرؤية التي ستحضر في فصول وتداولات القمة وستنال اهتماماً عالمياً بما ستحمله بالتزامن مع نهج جديد شكل مفاجأة للمجتمع الدولي برمته.
ثقافة ونكهة مشتركة
علاقة الشعبين التي تعدت نكهة التوابل والعطارة عندما ظلت تحط حمولاتها في مرفأ عدن ومنه إلى بقية دول الجوار والشام ومصر وأوروبا، تطورت إلى علاقات تبادل استراتيجي اتخذ أبعاداً متعددة جسدته الشواهد المادية بين الثقافات حول منطقة الخليج العربي وغرب ووسط القارة الآسيوية خلال ازدهار هذه الحضارة وهي الشواهد التي تؤكد أن العلاقات التي أضحت لصيقة لا يمكن الاستغناء عنها بعدما أثرت في بعضها تأثيراً بالغاً، خصوصاً أن الإنسان الهندي الذي ارتحل منذ فترة طويلة إلى منطقة الخليج العربي يحرص أن ينقل معه ثقافته وعادات بلده.
في هذا الصدد ليس مستغرباً أن نجد أن كثيراً من البهارات والتوابل والأطعمة والأطباق العربية الشهيرة والرئيسة هي هندية في الأساس جرى خلطها بالنكهة العربية فشكلت مشتركاً يرفض الطمس أو الاستغناء كما هي الحال في الجوانب الثقافية وحتى الإنسانية التي تحضر بين عدد من العائلات في الخليج واليمن ذات الأصول الهندية والعكس كذلك في الهند التي استوطنها عرب كثيرون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول الأستاذ اليمني في جامعة مولانا آزاد الأوردية في الهند ومؤلف كتاب "إسهامات العرب في إثراء العربية في الهند" سعيد بن مخاشن إن التاريخ الثقافي والصلات المشتركة بين العرب والهند موغلة في القدم، بحيث تمتد عبر آلاف السنين، بل إنها قديمة قدم وجود البشرية بدأها السبئيون (نسبة إلى حضارة دولة سبأ اليمنية 1000 ق.م) الذين كانوا من أوائل الشعوب التي قامت بنقل البضائع من مناطق آسيا إلى أطراف أوروبا خلال الألف الأول قبل الميلاد.
كما "لم يزل العرب يسافرون إلى الهند منذ زمن قديم للتجارة ولمآرب أخرى، ولعبوا دوراً مهماً في توطيد العلاقات الهندية والعربية، فحذا العرب من اليمن والسعودية بشكل خاص حذو العرب الآخرين وجعلوا يتوجهون إلى الهند للتجارة".
إزالة الستار
يشير مخاشن إلى أن "أرض الهند تحتضن عدداً كبيراً من أبناء العرب الذين سافروا إلى مناطق عدة بما فيها أرض الدكن، ولاية مهاراشترا، ولاية كيرالا، ولاية مدهيه براديش، ولاية اترابرديش فتديروها واستوطنوها وأسهموا إسهامات جبارة في توطيد العلاقات الثنائية وفي نشر الثقافة العربية في أحضان الهند".
ويخلص إلى أن هذه العوامل وغيرها شكلت روابط متينة بين الحضارتين والشعبين العربي والهندي.
صور منقولة
يتطرق الأكاديمي اليمني إلى ما صوره الأديب والفنان العربي يحيي عمر أبو معجب من نماذج متعددة عن الازدهار الذي حظيت به الهند التي أقام فيها سنوات عدة، وعبرت أشعاره عن الانسجام بين العرب والهنود في تلك الفترة، وانطوت كلماتها المنظومة على ألفاظ هندية مثل كلمة "اتشا واجها" بمعنى نعم.
كما أشار إلى انتقال اللبس التقليدي "المعاوز والفوط" الحيدرآبادية على نطاق واسع إلى أرجاء اليمن وبالذات على امتداد الساحل من المهرة حتى حرض وهي بمثابة قطع من القماش الملون أو المخطط تلتف على الخصر حتى ما دون الركبة.