ملخص
قد تدفع "أبل" ثمناً غالياً لوقوعها في خلاف دبلوماسي مع الصين؟
لطالما كانت الصين مجالاً مصدر إزعاج لـ"أبل"، ذلك وجود الشركة المصنعة لـ"آيفون" اللافت في البلاد بوصفها الجهة المصنعة والبائعة بالتجزئة للمنتج على حد سواء يعرضها لانتقادات مستمرة وحتى للخطر.
يتساءل النقاد عن تواطؤها في الظروف السيئة التي يعانيها الأشخاص الذين يصنعون أجهزتها هناك، والطريقة التي تجبر بها على تعريض أمن مستخدمي "آيفون" الصينيين إلى خطر، وأكثر من ذلك بكثير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن الصين مربحة للغاية لـ"أبل" أيضاً، وهذا هو السبب في أن الطرفين واصلا علاقاتهما حتى في خضم تلك الصعوبات. بالنسبة إلى معظم شركات التكنولوجيا الكبرى، بما في ذلك "غوغل" و"ميتا" (الشركة الأم لـ"فيسبوك")، كانت الصعوبات كافية إلى درجة أنها تجنبت إلى حد كبير التورط في الصين، على رغم أن كلاً من الشركتين المذكورتين حاول ذلك. تعد "أبل" مختلفة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الأعمال المعقدة الخاصة بصنع بضائع مادية.
لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت العلاقة بين "أبل" والصين أكثر توتراً. لقد جعلت مشكلات الإنتاج الناجمة عن الإغلاقات التي فرضت بسبب "كوفيد" "أبل" تعاني في إخراج ما يكفي من أجهزة "آيفون" من الصين لتلبية الطلب. وباتت نسبة أجهزة "آيفون" التي تصنع في البلاد كل عام تتراجع، وبدلاً من ذلك، تتطلع "أبل" في شكل متزايد إلى الهند. قبل ستة أشهر فقط، وصف تيم كوك، الرئيس التنفيذي لـ"أبل"، العلاقة بين "أبل" والصين بأنها "تكافلية"، لكن في الممارسة العملية، مع ذلك، يبتعد الطرفان عن بعضهما بعضاً.
والآن انتشرت في الأيام الأخيرة همسات من الصين بأن الحكومة ستحظر استخدام أجهزة "أبل" بين موظفي الحكومة –همسات أدت إلى مخاوف من أن قيوداً إضافية ستأتي. وهبط سعر سهم "أبل" في اليومين الماضيين، إذ انخفض بنسبة سبعة في المئة، ما يعكس المخاوف من أن إحدى كبرى أسواق الشركة قد تتقلص. وتأتي هذه المخاوف قبل أيام فقط من إطلاق "أبل" أهم منتجاتها لهذا العام، "آيفون 15"، في مناسبة جرت يوم 12 سبتمبر (أيلول).
ليس من الواضح لماذا أطلقت الصين القواعد الجديدة. حتى الإعلان عنها لم يكن واضحاً: لم يكن هناك إعلان عام، وتشير تقارير إلى أن الرسالة لم تشق طريقها بالضرورة عبر الإدارات الحكومية في شكل صحيح. قد لا يكون هناك حظر على الإطلاق. بعض الخوف يأتي من المعلومات الخطأ: يبدو أن منشوراً واسع الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي يشير إلى أن شركة الاتصالات المملوكة للدولة "تشاينا موبايل" لن تبيع الجهاز أسهماً في كثير من القلق، واضطرت الشبكة إلى إصدار نفي علني نادر.
لكن الواضح هو أن كثيراً من الصعوبات التي واجهتها "أبل"، أخيراً، مع الصين لا علاقة لها في الواقع بأجهزة "آيفون"، أو حتى الأشخاص الذين يصنعونها. بدلاً من ذلك، "أبل" هي في قلب معركة هادئة لكن قوية أخرى بين الصين والولايات المتحدة.
فالقيود الأخيرة لا تشكل المرة الأولى في السنوات الأخيرة التي تقع فيها "أبل" في مرمى النيران بين البلدين. في عهد دونالد ترمب، عندما كان الحديث عن حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين أعلى وأكثر اتساقاً، واجهت "أبل" مشكلات بانتظام. ومع زيادة الرسوم الجمركية، أشارت إشاعات باستمرار إلى أن "أبل" يمكن أن تتعرض لرسوم جمركية كبيرة تفرض على عديد من أجهزتها، مما يجعل تصديرها من الصين أكثر كلفة –على رغم أن الشركة في نهاية المطاف تجنبت إلى حد كبير الأسوأ من هذه الإجراءات.
هذه المرة، يبدو أن الحظر الصيني على أجهزة "آيفون" الرسمية جزء من رد فعل على محاولات الولايات المتحدة المستمرة لحظر "تيك توك"، المملوك لـ"بايت دانس" الصينية. على أقل تقدير، هناك انعكاس أنيق: حظرت الولايات المتحدة "تيك توك" من الأجهزة الرسمية، والآن تحظر الصين الأجهزة الرسمية هذه نفسها.
إذا كانت محاولة للانتقام من بكين، قد تكون "أبل" قلقة. كثيراً ما يتحدث المسؤولون الأميركيون عن حظر "تيك توك" تماماً –وإذا أدى ذلك بدوره إلى حظر كامل لأجهزة "آيفون"، قد يكون ذلك كارثياً لـ"أبل". لا شك في أن أجهزة "آيفون" الحكومية تمثل شريحة صغيرة من أعمال "أبل"، لكن البلاد ككل تمثل 19 في المئة من إيراداتها، لذلك قد يكلف تصعيد القيود "أبل" مئات الملايين من الدولارات كل عام.
الأكثر من ذلك، تنكشف "أبل" في شكل مضاعف على الصين: ليست البلاد فقط سوقاً شعبية كبيرة لشراء أجهزة "آيفون"، لكن المكان الذي تصنع فيه الغالبية العظمى منها. من الناحية النظرية، يمكن لـ"أبل" أن تتعامل حتى مع الحظر الكامل في البلاد، حتى لو انخفضت أرباحها في شكل كبير –لكن من دون أن تصنع الصين أجهزتها، لن يكون لديها ما يكفي منها للبيع في أي مكان آخر في العالم أيضاً. لقد أعطت السنوات الأخيرة أمثلة كافية على ذلك، إذ أدى "كوفيد" والإغلاقات إلى خفض الإنتاج وتركا "أبل" تؤخر إصدار الأجهزة الجديدة وتعاني من نفاد المخزون بمجرد صدور هذه الأجهزة.
كانت الصين محورية في صعود تيم كوك ليصبح الرئيس التنفيذي لـ"أبل": بصفته رئيساً للعمليات، بنى إمبراطورية التصنيع تلك التي تركز على الصين. ومنذ توليه زمام الشركة، يشارك في تحقيق توازن دقيق في شأن الصين: البقاء على مقربة بما فيه الكفاية لضمان أن الشركة يمكن أن تستمر في تصنيع أجهزة "آيفون" وبيعها، لكن ليس على مقربة بما فيه الكفاية للتسبب في مشكلات تتعلق بالسمعة، في معظم الأحيان. في الأشهر الأخيرة، أصبح ذلك أكثر صعوبة، وتلقى هو و"أبل" تدقيقاً متزايداً في كيفية القيام بأعمالهما في البلاد.
لقد تمكن السيد كوك من التغلب على تلك الصعوبات بتوازن هادئ سمح لشركته بأن تصبح الأكبر في العالم، وينتشر نفوذها في أنحاء العالم كلها، لكن المشكلات الحالية في الصين تظهر أن أقوى شركة في العالم نفسها تقع تحت رحمة الشؤون الدولية.
© The Independent