ملخص
أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين بالهند توقيع مذكرة تفاهم "لإنشاء ممر اقتصادي يشمل الهند وأوروبا والشرق الأوسط".
تتخذ السعودية من موقعها ومساحتها الشاسعة التي تعادل نحو 14 دولة أوروبية "دوراً مهماً ومحورياً" في القارة التي تضم 48 بلداً ويفوق تعداد سكانها أربعة مليارات نسمة، ولربما أن جغرافيتها التي تربط مشارق الأرض بمغاربها هي ما دعتها غير مرة لإطلاق سلسلة من المبادرات في قمم "الـ20" المتعاقبة التي تعد "أضخم مسرح اقتصادي على مستوى العالم".
ظهرت شمس آخر المبادرات من نيودلهي حين أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان توقيع مذكرة تفاهم "لإنشاء ممر اقتصادي يشمل الهند وأوروبا والشرق الأوسط".
وعن المشروع العابر للقارات، يقول ولي العهد إنه "مشروع حديث سيشمل خطوط أنابيب للكهرباء، والهيدروجين وتطوير سكك حديدية، وسيسهم في أمن الطاقة الدولي".
والطاقة والسعودية صنوان لطالما اقتبس العالم جذوة طاقته منهما، إذ تعد البلاد الحاضنة لـ"أرامكو" وأنابيبها مصدراً رئيساً للطاقة في العالم، وهي المتمثلة في منتجات النفط والغاز والبتروكيماويات.
ولئن كانت البلاد قد علا كعبها لعقود بفضل الذهب الأسود فإنها اليوم تمضي نحو التخفف منه لأجل الكوكب ومناخه وكائناته الحية التي يفوق عددها 14 مليون كائن حي.
البلد الذي يعيش نشوة اقتصادية وسياحية ورياضية يسعى لمصادر دخل بعيدة من "الوقود الأحفوري" الذي بات هاجساً تتوجس منه الأرض الحانقة من اللهيب الذي يكتنفها على نحو متصاعد عاماً بعد عام.
الشرق الأوسط الأخضر
وإحلالاً لمصادر الطاقة التقليدية المهددة للمناخ تسارع البلاد نحو استبدالها بالطاقة المتجددة الناتجة من المصادر الطبيعية، وثمة مبادرة أطلقتها البلاد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وعقدت لأجلها قمة تحمل عنوان المبادرة وهي (مبادرة الشرق الأوسط الأخضر) في العاصمة الرياض، وشكلت القمة حينها أول حوار إقليمي من نوعه بشأن المناخ، وحضرها قادة من 28 دولة اتفقوا على العمل معاً لمكافحة التغير المناخي بزراعة أكثر من 50 مليار شجرة وبمبادرات أخرى.
وعلى رغم أنه مشروع غير مسبوق بوصفه "أضخم مشروع تشجير في تاريخ المعمورة" إلا أن ثمة تحديات وعراقيل قد تعترضه في المنطقة الجافة التي تعاني ندرة المياه.
دعم للدول الفقيرة
وبالعودة إلى قمة "الـ20" التي يعيش في دولها ثلثا سكان العالم، كانت السعودية أول بلد عربي يحتضنها في النسخة الماضية، التي عقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وأطلقت حينها الرياض عدداً من المبادرات.
لكن تلك التي تعد أكثرها أثراً هي مبادرة "تعليق مدفوعات خدمة الدين للدول الأكثر فقراً" لدعمها وحماية الأرواح فيها ولتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستفاد من مبادرة الرياض التي انبثقت من تلك القمة نحو 41 دولة، منها 26 دولة أفريقية، فيما يمكن أن يستفيد لاحقاً من المبادرة 73 دولة من تلك المؤهلة للحصول على قروض من المنظمات العالمية.
وفي تلك القمة أيضاً التي عقدت افتراضياً للمرة الأولى بسبب جائحة كورونا، حملت المملكة مبادرات "استشفائية" من الفيروس الذي لا يبقي ولا يذر لمن لا يملكون عزماً لمواجهته، دولاً وأجساداً.
إسهامات مالية
وضمن مبادراتها واسعة النطاق أسهمت السعودية في دعم الجهود العالمية لمواجهة كورونا بمبلغ 500 مليون دولار، إضافة إلى مبلغ 300 مليون دولار قدمت إلى دول بعينها لمساعدتها في التصدي للجائحة.
ووضع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي نفذ أكثر من 772 مشروعاً للأمن الغذائي في 71 دولة، البلد الخليجي على قائمة "أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية".
وفي تلك القمة أيضاً سارعت الرياض نحو مبادرة لمعالجة انتشار "كوفيد وسلالته" وكانت تهدف إلى ضمان توزيع السلع والخدمات الحيوية، والإمدادات الثانوية الحيوية من خلال وقف جميع القيود على حركة التجارة الدولية، وهو ما قدره مراقبون بمدى تفهم الرياض "لحاجة العالم لحلول للتحديات الصحية والاقتصادية، وتضافر جهود الحكومات وقطاع الأعمال لمعالجة الأزمة".
هاكثون
على صعيد تقني، نالت مبادرة "هاكثون" الافتراضية تفاعلاً عالمياً واسعاً في وقت لم يعد الغنى عن العالم الافتراضي زهداً أو خياراً يحتمل الترك، وهو العالم الافتراضي الذي جمع في تلك القمة زعماء ورؤساء يمثلون اقتصادات 80 في المئة من دول العالم.
وحرصت المبادرة التي أطلقتها مجموعة "الـ20"، وترأستها السعودية في 2020، بالتعاون مع مركز الابتكار التابع لبنك التسويات الدولية على تسليط الضوء على أهمية الحلول التقنية من خلال قدرتها على تمكين الابتكار وحل المشكلات، ودعم آليات الاستجابة التنظيمية والإشرافية للتصدي للجائحة.
المركز الوطني للطاقة المتجددة
في إطار المبادرات السعودية، أطلقت البلاد "البرنامج الوطني للطاقة المتجددة" بمبادرة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للطاقة المتجددة، ويهدف البرنامج إلى تعظيم وتحسين حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، وذلك بزيادة إسهام مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء لنحو 50 في المئة بحلول عام 2030، وتقليل استخدام الوقود السائل، والوفاء بالتزامات المملكة نحو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وحالياً، تقوم وزارة الطاقة السعودية على 15 مشروعاً للطاقة المتجددة، منها 14 مشروعاً للطاقة الشمسية الكهروضوئية، ومشروع لطاقة الرياح بطاقة إجمالية تبلغ 701 غيغاواط، وتم تشغيل مشروعين من هذه المشاريع، هما مشروع سكاكا للطاقة الشمسية ومشروع دومة الجندل لطاقة الرياح، بطاقة إجمالية تبلغ 700 ميغاواط، ولا يزال العمل قائماً في مراحل تطوير المشاريع الأخرى.
وتمتلك السعودية أكبر شبكة كهربائية في الشرق الأوسط، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي يمكنها من أن تكون مركزاً إقليمياً لتبادل الطاقة الكهربائية، وفي هذا الإطار، يعتقد متخصصون أن هناك فرصاً كبيرة للتعاون في تنفيذ مشاريع قطاع الكهرباء في البلاد، بما في ذلك مشاريع التوليد (التقليدي وباستخدام الطاقة المتجددة) ومشاريع النقل والتوزيع، والربط الكهربائي مع الدول الأخرى، ومجالات تبادل الخبرات، والتدريب وبناء القدرات".
التحالف العالمي للمحيطات
وفي أكتوبر 2021 عقب إعلان البلاد انضمامها إلى "التحالف العالمي للمحيطات"، كشف ولي العهد السعودي مبادرة تأسيس "مؤسسة استكشاف المحيط" التي ستتولى مسؤولية إجراء الأبحاث واستكشاف محيطات العالم، وتندرج هذه المبادرات ضمن "مساعي المملكة الأشمل لتغدو بلداً رائداً في الحفاظ على البيئة".
وتحالف المحيطات "منظمة دولية مكرسة للحفاظ على الحياة البحرية في المحيطات، ويتمثل الهدف الرئيس منها في حماية 30 في المئة على الأقل من محيطات العالم بحلول عام 2030 عبر التوسع بالمناطق البحرية المحمية". وتعد السعودية واحدة من الدول العربية القليلة المنضمة إلى هذا التحالف.