Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عداوة المثقفين لبعضهم بعضا

المنافسة لا تكون حول النص الجميل الصادق والعنيف بل حول مدى تجاوب النص مع رغبات السلطة

ثقافة عداوة المثقف للمثقف هي توريث من صورة سلطة الفقيه (أ ف ب)

ملخص

يذم المثقف السياسي لتعنته وتجبره وإقصائه للمختلف، لكن في المقابل ينتج هذا المثقف طبعة أخرى من مثل هذا السلوك حيال المثقف المختلف عنه.

يعيش المثقف العربي والمغاربي طوال حياته مراوحاً بين شهوتين مركزيتين تنخران داخله، شهوة لسلطة الفقيه الذي جلس إليه صغيراً على حصير الجامع فأدهشه بتحكمه المطلق في الجميع باسم الكتاب والمكتوب والكلام، وشهوة لسلطة السياسي الذي أثاره بسلطته عن طريق الأيديولوجيا أو العسكر منذ أن دخل المدينة آتياً من الريف، ريفية المثقف هنا ليست الجغرافيا المكانية لكنها جغرافيا فكرية وقيمية وسلوكية قبل كل شيء، وهي ميزة عميقة في المثقف العربي والمغاربي.

من هاتين الشهوتين القويتين لسلطتين متكاملتين أو متقاطعتين نشأت ثقافة العداوة بين المثقفين العرب وتناسلت عبر العصور والحقب السياسية المتعاقبة حتى أضحت ظاهرة اجتماعية وسياسية وسيكولوجية أساسية في بنية عقل هذه المجموعة الاجتماعية جيلاً بعد جيل، ولا تزال مستمرة حتى الآن، الروائيون يعادون الروائيين ويعادي الشعراء الشعراء والفلاسفة يعادون الفلاسفة ويعادي المسرحيون المسرحيين والسينمائيون يعادون السينمائيين.

في داخل كل مثقف عربي ومغاربي ينام ويستيقظ سائس وفقيه رافعين سيفيهما، في سعير عداوة المثقفين للمثقفين يتشبه المثقفون بالساسة، قد يبدو نفر من المثقفين في الظاهر وكأنهم يمارسون نقداً ومعارضة للنخب السياسية، لكنهم في الواقع اليومي يقتفون خطاهم ويسلكون المسلك ذاته مع بعض التوابل البسيطة المختلفة.

يذم المثقف السياسي لتعنته وتجبره وإقصائه للمختلف، لكن في المقابل ينتج هذا المثقف طبعة أخرى من مثل هذا السلوك حيال المثقف المختلف عنه.

ثقافة عداوة المثقف للمثقف هي توريث من صورة سلطة الفقيه، فهذا الأخير يرفض ويحارب التعدد ولا يقبل بتقاسم السلطة ولا باختلاف في الرأي أو التأويل، ومثله يفعل المثقف المعاصر حيال المثقف لأنه يريد أن يكون وحده الواحد والوحيد في المجتمع.

على رغم التغير الكبير في إيقاع الحياة التي تحيط به والمفتوحة على العالم، لم يتمكن المثقف المعاصر الحداثي كما التقليدي في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط من التحرر من صوت الفقيه الذي لا يزال يصرخ بعنف في ضميره ويوجهه بشكل لا واعٍ.

لقد ظل الفقيه عبر التاريخ العربي والإسلامي يبحث عن فرض رأيه على العامة وتهميش رأي المختلفين معه بادعائه حيازة العلم كاملاً والقول بتمثيل الله على الأرض، فالمثقف العربي والإسلامي حداثياً كان، شيوعياً أو ليبرالياً، إسلامياً أو علمانياً، هو الآخر يريد أن يكون مالك الحقيقة المطلقة ومالك الفلسفة المطلقة ومالك الجمال ومالك الكتابة والفهم، ومن هذا الإحساس الأناني ومن هذه النرجسية المرضية المزمنة يمارس فعل الكراهية ضد المثقف الآخر المختلف عنه.

شهوة جنون السلطة حولت المثقف العربي والمغاربي إلى كائن اجتماعي وسياسي غريب فهو يريد أن يرى المثقفين جميعاً يعيشون في ظله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمثقف المعاصر مثله مثل السياسي العربي والمغاربي لا يريد لأحد أن يتقاسم معه السلطة، ولو كانت سلطة وهمية وواهمة.   

يتقرب المثقفون من أصحاب القرار من ملوك ورؤساء ووزراء ومتنفذين مالياً أو إدارياً، يتم عادة هذا التقرب أو التزلف من خلال المشي بتلذذ على جثث غيرهم من المثقفين الآخرين.

لإرضاء ذوي القرار، لكم يحلو للمثقفين أكل لحم بعضهم بعضاً وهم جلوس حول موائد السلطان سعداء بما تجود به مآدبهم.

على موائد السلطان، كلما أرق المثقف نجاح مثقف آخر، يبحث له عن فخ لإسقاطه وتشويه صورته بكل التهم أمام السائس.

إن حمى التهافت نحو السلطان لا تكون إلا بإبداء العداوة والكراهية للمثقف الآخر وتشويهه.

إن شهوة السلطة التي غرسها الفقيه والسائس في المثقفين المعاصرين جعلت منهم بوق إذاعة الرصيف، فلا يتوقفون عن توسيخ بعضهم بعضاً وهم في ذلك يستعيرون مصطلحات وأدوات الهجوم مثل مفهوم "التكفير" الآتي من سلطة الفقيه، ومفهوم "التخوين" المستمد من خطاب السائس.

يقيس المثقفون أهميتهم ومكانتهم بحسب قربهم من السلطة أو بعدهم منها، والسلطة تدرك خيوط اللعبة فتزيد في إشعال حروب العداوة والكراهية بينهم لأن ذلك هو السبيل لبقائها ولاستمرارية سلوكاتها.

ويتحدد مفهوم الهامشي والمركزي في الثقافة لدى المثقف النذل بحسب علاقتها بالسلطة السياسية أو الدينية أو هما معاً.

في ظل هذا الخلل الثقافي والأخلاقي والسياسي لا تكون المنافسة بين المثقفين حول النص الجميل الصادق والعنيف والنص الشيطان وحول الأفكار والرؤى، لكنها تكون حول مدى تجاوب هذا النص مع إيقاع رغبات السلطة المركزية وهو الطريق للعيش السعيد في أحضانها.

وقد توسعت ثقافة عداوة المثقفين للمثقفين حتى وصلت إلى الجوائز التي أصبحت غالبيتها بين يدي شللية إبداعية تقاتل أسماء معينة بكل الوسائل وتشيطنها لقطع الطريق عليها حتى لا تصل إلى منصات التتويج بالجوائز.

ويؤمن المثقف العربي والمغاربي المتهافت ويعمل بسياسة، "من يصعد إلى الأعلى يأخذ السلم معه حتى لا يصعد أحد من بعده".

وأقبح شيء في حياة المثقفين العرب والمغاربيين هي النميمة التي يعتقد بعضهم بأنها ظاهرة صحية، إنها تدمير حقيقي لقيم الاختلاف، وقد كرست وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هذه النميمة وعصرنتها وتفننت في تعميم شيطنة المثقفين لبعضهم بعضاً من خلال اختفاء بعضهم في أسماء مستعارة.

كلما زادت شهوة المثقف العربي والمغاربي للسلطة تعددت جبهات العداء بين المثقفين وارتفع منسوب الطاعة وقلت ثقافة القيم السامية التي هي من صميم الأدب وجوهر الفكر الحر، وانتفت الأخلاق العالية وساد الانحطاط في الخطاب وفي الفكر.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء