ملخص
توقف برامج المساعدات الحكومية وتحفيز الاقتصاد خلال الجائحة زاد من أعباء كلفة المعيشة على ملايين الأسر الأميركية.
زادت معدلات الفقر في الولايات المتحدة العام الماضي بأعلى نسبة زيادة سنوية على الإطلاق في البلاد صاحبة الاقتصاد الأكبر في العالم.
ووفقاً لأرقام مكتب الإحصاء الأميركي الصادرة أول من أمس الثلاثاء، ارتفعت نسبة الفقر بين الأطفال في عام 2022 بأكثر من ضعف تلك النسبة في 2021، إذ بلغت 12.4 في المئة مقابل نسبة زيادة 5.2 في المئة في العام السابق 2021، في حين وصلت نسبة الفقر بين الأميركيين العام الماضي إلى 12.4 في المئة مقابل نسبة زيادة 7.8 في المئة العام السابق.
إلى ذلك ارتفع مؤشر أعداد الفقراء بشكل عام في أميركا بنسبة 11.5 في المئة، ما يعني محو كل مؤشرات تحسن معدلات الفقر منذ عام 2019.
أدى ارتفاع كلف المعيشة بشكل عام مع توقف برامج المساعدات الحكومية التي أطلقتها إدارة الرئيس جو بايدن للتخفيف من أضرار أزمة وباء كورونا إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر بهذا الشكل الهائل، تزامناً مع التراجع اللافت في قيمة الدخول الحقيقية لأغلب الأسر الأميركية.
الزيادة غير المسبوقة في أعداد الفقراء في الولايات المتحدة تأتي بعد عامين فحسب من الانخفاض الكبير في معدلات الفقر نتيجة برامج التحفيز الاقتصادي والمساعدات المالية الحكومية للمواطنين بسبب أزمة وباء كورونا، التي توقفت في معظمها نهاية عام 2021 مع رفض الكونغرس تمديد أجلها، بخاصة مدفوعات الإعفاء الضريبي للأسر التي لديها أطفال.
مساعدات أزمة كورونا
إضافة إلى مدفوعات الخصم من الضرائب بحسب عدد الأطفال للأسر الأميركية في فترة أزمة الوباء، زادت أيضاً مدفوعات إعانات البطالة وكذلك معونات التغذية، علاوة على استفادة الأسر الأميركية عموماً من عدد من برامج تحفيز الاقتصاد الحكومية الأخرى، وتوقفت معظم تلك البرامج قبل عام تقريباً ما ترك الأسر الأميركية في وضع معيشي أسوأ.
وفي ما يتعلق بفقر الأطفال، كان البرنامج الأهم من برامج الدعم والتحفيز في أزمة الوباء هو ما تضمنه قانون خطة الإنقاذ الأميركية بقيمة 1.9 تريليون دولار من إعفاء ضريبي عن كل طفل، ما رفع قيمة ما تدفعه الحكومة نقداً للأسر منخفضة ومتوسطة الدخل ليصل إلى 3.6 آلاف دولار لكل طفل تحت سن ست سنوات وإلى ثلاثة آلاف دولار لكل طفل من سن ست سنوات إلى 17 سنة.
وللمرة الأولى تم تحويل نصف المبلغ في شكل مدفوعات شهرية مباشرة من شهر يوليو (تموز) إلى ديسمبر (كانون الأول) من عام 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة إلى الأسر منخفضة الدخل بشدة، كانت تحصل على المبالغ كاملة بشكل مباشر من دون مطالبة بنصفه حين تحسب ضرائبها سنوياً.
وأدت تلك المدفوعات وبرامج التحفيز إلى خفض معدل الفقر بين الأطفال في أميركا بنحو خمسة ملايين طفل آنذاك.
وحاول عدد من النواب الديمقراطيين في الكونغرس الدفع باتجاه تمديد تلك المساعدات، إلا أن جهودهم باءت بالفشل، وذلك ما تسبب بشكل كبير في زيادة معدلات الفقر العام الماضي خصوصاً بين الأطفال.
تراجع الدخل وفقدان الرعاية
وعلى رغم الأداء الجيد للاقتصاد الأميركي عموماً العام الماضي، خصوصاً في ظل تحسن سوق التوظيف والعمل، إلا أن متوسط دخل الأسر الأميركية لم يتحسن بشكل عام، حتى إن متوسط الأجور تراجع بالفعل بنسبة 2.2 في المئة، نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية للأجور في ظل معدلات التضخم المرتفعة، خصوصاً لمن يأتي ترتيبهم منخفضاً في سلم الرواتب.
ووفقاً لأرقام مكتب الإحصاء احتسبت معدلات الأجور ومتوسط دخل الأسر استناداً إلى معدل تضخم بنسبة 7.8 في المئة، وهي أعلى زيادة في كلفة المعيشة منذ بدأ مكتب الإحصاء استخدام ذلك المؤشر عام 1981.
وعلى رغم ضيق فجوة عدم المساواة في الدخل للمرة الأولى منذ عام 2017، كأحد البيانات الإيجابية ضمن البيانات، إلا أن هذا الانخفاض لم يكن نتيجة تحسن في شرائح الأجور والدخول، بينما كان انخفاض دخول الشرائح المتوسطة والعليا بالفعل العام الماضي سبباً رئيساً، في حين أن متوسط دخل الشرائح في أسفل سلم الأجور والدخول لم يتغير كثيراً، لذا ضاقت الفجوة بالضغط من أعلى وليس الارتفاع من أسفل.
الأمر الآخر يتعلق بمظلة التأمين الصحي للأميركيين، إذ انخفض عدد غير المؤمن عليهم صحياً بقدر طفيف عن العام الماضي ليصل إلى 26 مليون شخص مقابل نحو 27 مليون شخص العام السابق، لكن ذلك يعود في معظمه إلى عودة كثيرين إلى العمل بالتالي حصولهم على تغطية تأمينية من أعمالهم.
في تلك الأثناء بدأت معظم الولايات الأميركية بالفعل إلغاء تأمين "ميديك ايد" للمواطنين الذين تعتبرهم لا يستحقونه، بعدما أوقفت ذلك الإجراء خلال فترة أزمة الوباء لعدم حرمان الملايين من التأمين الصحي.
ومن ثم يتوقع أن تزيد أعداد الأميركيين الذين لا يتمتعون بأي مظلة تأمين صحي، وفي الأغلب سيكون هؤلاء من الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل، ولكن أكثر المتضررين من ذلك هم الأطفال.
وتشير التوقعات إلى أن تشكل معدلات الفقر وتراجع الدخول وفقدان الرعاية الصحية عاملاً سلبياً لإدارة الرئيس بايدن خصوصاً في عام الحملة الانتخابية، إذ سيركز فريق الرئيس الحالي على إنجازات الإدارة الاقتصادية.
بينما تشير استطلاعات الراي إلى أن الأميركيين لا ينظرون بعين الرضا إلى الوضع الاقتصادي على رغم بدء تباطؤ الارتفاع في معدات التضخم.
في تلك الأثناء أظهر استطلاع لشبكة "سي أن أن" الشهر الماضي أن 51 في المئة من الأميركيين يرون أن الاقتصاد في تراجع، ويتوقعون أن يصل إلى ما هو اسوأ من الوضع الحالي، بينما في استطلاع آخر للشبكة نفسها الأسبوع الماضي لم ير سوى نسبة 24 في المئة من المواطنين الأميركيين أن سياسات إدارة بايدن أدت إلى تحسن في الاقتصاد، بينما رأت نسبة 58 في المئة أن سياسات الإدارة الحالية زادت الوضع الاقتصادي سوءاً.