Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ممر السعودية إلى المستقبل

ولي العهد يقود قطاراً تنموياً فائق السرعة يمد يده للجميع حلفاء وخصوماً للالتحاق بركب الخير

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى في جدة، 19 يوليو 2023 (أ ف ب)

ملخص

كانت خاتمة تلك الرسالة التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان أنه يأمل في هذه المعركة ألا يفارق الحياة إلا بعد أن يرى الشرق الأوسط على رأس الدول المتقدمة.

لطالما كنت وغيري من أصحاب الرأي ننظر إلى رؤية السعودية 2030 منذ إعلانها للمرة الأولى في أبريل (نسيان) 2016، ليس باعتبارها رؤية سعودية محضة، بل لكونها تتعدى الجغرافيا السعودية لتمتد بعيداً شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ينتشر خيرها العميم على شعوب المنطقة والعالم.

ربما كان خير دليل على ذلك تلك النظرة الاستشرافية لمهندس الرؤية السعودية ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود حينما أكد في 2018 أن الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة، في وقت كان العالم ينظر باستغراب نحو هذه التصريحات التي تتناول منطقة تعيش حال توتر مقلق.

لكن صاحب الرؤية كان يرى دول الخليج والأردن ومصر والعراق، وغيرها من دول المنطقة التي ستنضم تباعاً، منذ انطلاق ذلك التصريح في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، على موعد مع عقود ثلاثة من التنمية غير المسبوقة وتلاشي مسببات عدم الاستقرار، ستفضي لبروز قطب إقليمي عالمي الأبعاد يعيد التوازن المختل في العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية الدولية.

ها هو اليوم يقود قطاراً تنموياً فائق السرعة، وهو يمد يده للجميع حلفاء وخصوماً للالتحاق بركب الخير، ذلك المقاتل الشرس الذي يقف على قمة جبل طويق، فيرى آفاق الرؤية تتحقق بشكل أوضح، في معركة استعادة روح المنطقة المسلوبة من قوى الظلام التي يقودها التطرف والإرهاب وحكم الميليشيات والعصابات التي كبحت النزعات التجارية والاقتصادية الفطرية لشعوب المنطقة ودفعت بها نحو التدمير والفوضى والفقر والاستلاب.

كانت خاتمة تلك الرسالة التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان أنه يأمل في هذه المعركة ألا يفارق الحياة إلا بعد أن يرى الشرق الأوسط على رأس الدول المتقدمة.

كان ذلك قراراً استثنائياً أعاد به ولي العهد السعودي روح الملك المؤسس وروح المملكة التي قامت من أجل خير شعوب الجزيرة العربية وما وراءها، ليضرب بيد من حديد فكر التطرف والغلو والتشرذم، الذي عاد لاحقاً ليتفشى في المنطقة بعد عقود عبر الإرهاب القاعدي والداعشي والميليشيات الطائفية مسبباً كثيراً من الآلام لشعوبها، ومهدراً لمقدراتها.

أمير الرؤية السعودية يعيد الانطلاق من تلك اللحظة التاريخية، من إرث الملك المؤسس، وها نحن اليوم نشهد المستقبل يقبل على المنطقة بوتائر غير مسبوقة، فما كان بالأمس يصنع في عشرات ومئات السنين بات اليوم يتحقق في ومضة من الزمن.

إنها وبصدق ورشة عمل لا تتوقف، تشكل قطب جذب خلاق لكل الاستثمارات من كل حدب وصوب، فنحن أبناء الجيل الذي جال في دول المنطقة قبل 10 سنوات يدهش حينما يرى وجهها الجديد والمتجدد يومياً، حقاً أنها أوروبا الجديدة تتخلق من بين الرمال لتسامق عنان السماء.

الممر الاقتصادي إلى النجوم

كانت تلك انطباعاتي وأنا أستمع إلى إعلان الرئيس الأميركي في دلهي مشروعاً ضخماً يرتبط بمنطقتنا والعالم ضمن مبادرة "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار"، المتمثل في بناء ممر اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو المشروع الذي تقف المملكة في القلب منه، ويشمل التعاون مع الهند والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، وتحديداً دول مثل قبرص واليونان وألبانيا ومونتينيغرو والبوسنة والهرسك وكرواتيا والمجر والنمسا والتشيك وألمانيا لتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام لكل الدول المشاركة، باعتباره شريان حياة لربط القارتين الآسيوية والأوروبية عبر التجارة والتصدير وإمدادات الطاقة النظيفة وضمان سلاسل التوريد على مستوى المنطقة والعالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتسق مشروع الممر الاقتصادي مع رؤية المملكة 2030، ويعكس أبعاد الرؤية السعودية إقليمياً ودولياً، بخاصة أنها وضعت مئات من المشاريع الاستراتيجية قيد التنفيذ على الأرض، بما يهيئ جهوزية المملكة للعب أدوار متعاظمة في شراكات متعددة، كما يتسق مشروع الممر الاقتصادي مع مشروع الاتحاد الأوروبي الذي أطلق في 2021 المعروف باسم "البوابة العالمية" وخصص له 300 مليار دولار، وجاء إعلانه بهدف كبح التأثير السلبي لمبادرة الحزام والطريق الصينية على أوروبا، وتحديداً ما يتصل بسلاسل الإمداد.

الرؤية السعودية والمبادرة الأوروبية والممر الاقتصادي هي مبادرات تكاملية تقوم على تعظيم الفوائد المشتركة، على العكس من المبادرة الصينية التي باتت تكبل الدول الفقيرة في فخ الديون.

ومثل الاتحاد الأوروبي فإن البيت الأبيض لم يخف هدفه من أن مشروع الممر الاقتصادي يهدف إلى مواجهة نفوذ بكين المتزايد في المنطقة، فالجميع في أميركا والاتحاد الأوروبي والهند يدركون أهمية مواجهة مبادرات الصين في الساحة الدولية، وتحديداً "الحزام والطريق" و"التنمية العالمية" التي أطلقتها الصين قبل عامين في الأمم المتحدة، ومبادرة "الأمن الدولي" و"الحضارة العالمية" ضمن حزمة مبادرات سياسية صينية تدعي في ظاهرها الدفاع عن دول الجنوب، فيما سجل مشاريعها في أفريقيا وآسيا واضح للعيان.

ضمن جهود السعودية لقيادة دول المنطقة في مشاريع طموحة تعظم مصالحها وتكاملها ورخاءها المشترك، فإنها تدرك تعقيدات وأبعاد الأجندات السياسية الدولية المتقاطعة والمتضاربة، في سعيها إلى الانتفاع البناء منها جميعاً بما يتفق مع مقاربتها الاستراتيجية، فها هي الهند الحليف الذي تزداد أهميته بالنسبة إلى الغرب الذي يراهن عليه في مواجهة التوسعية الصينية، ونقض ادعاءاتها بتمثيل مصالح دول الجنوب، تعمل وفق فلسفة "الاستقلال الاستراتيجي" الذي طورته في ضوء نظرتها التاريخية لعدم الانحياز، فلا تحالف مطلقاً لديها، ولا صداقة دائمة، ولا عداوة دائمة، إنما هي لغة المنافع المتبادلة.

لقد أعطت الهند دليلاً على ممارستها لفلسفة "الاستقلال الاستراتيجي" أثناء قيادتها لمفاوضات الوثيقة النهائية لاجتماعات دلهي لمجموعة الـ20، بعدم ذكر الاجتياح الروسي لأوكرانيا على رغم أن قمة العام الماضي لمجموعة الـ20 في بالي جاءت على ذكره.

وتبقي الهند على أبواب مصالحها مشرعة شرقاً وغرباً على رغم أنها في "عداء" مع الصين، ومن هنا تدرك دول المنطقة أهمية الإبقاء على "شعرة معاوية" مع الجميع، وإن كانت ترجح كفة طرف على الآخر، لكنها لا تقطعها تماماً كما يتصورها مهندس الرؤية السعودية.

طريق العودة الأميركية

بنظر عديد من المراقبين يشكل اتفاق الشراكة لبناء الممر الاقتصادي علامة قلق لأولئك الذين كانوا يروجون لفكرة الخروج الأميركي من المنطقة، الذين بنوا على هذا الافتراض جازمين بأن الأمور تتجه شرقاً إلى الصين.

وفيما ينتظر الجميع رؤية مشروع الممر الاقتصادي بضخامته وبتفاصيله التنفيذية خلال الشهرين المقبلين، سيكون بوسع الجميع داخل المنطقة وخارجها التحقق من أن هذا المشروع سيضع نهاية لحال التشوش في العلاقات الأميركية - السعودية وعودة تعافيها الاستراتيجي.

على الطاولة السعودية ثمة مئات المشاريع الاستراتيجية الاقتصادية والتجارية والعسكرية والعلمية الطموحة مثل تطوير المملكة لتصنيعها العسكري، والحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية، والتحول إلى مركز دولي للأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتصنيع، والسعي إلى ضمان حصولها على المواد الأولية مثل الليثيوم ومعادن أخرى مهمة للصناعات السعودية المتقدمة، وهناك مشاريع ستفاجئنا بها الرؤية السعودية تباعاً.

وربما تقودنا التفاعلات الإيجابية الجارية خلال الأشهر المقبلة لتحقيق صفقة تاريخية تعيد الألق للعلاقات الاستراتيجية السعودية - الأميركية، وتجدد عهد كوينزي بين الملك المؤسس والرئيس روزفلت بعد قرابة 80 سنة من حدوثه، وإيجاد توجهات قوية لحل القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل، عبر تفعيل النفوذ السعودي المتعاظم في الساحة الدولية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء