ملخص
المغرب يدخل في سباق مع الزمن لترميم وإعادة بناء ما يقدر بـ50 ألف مسكن دمرها الزلزال
بدأت ملامح خطة إعادة إعمار المناطق المتضررة والمنكوبة جراء الزلزال الذي ضرب المغرب تتضح شيئاً فشيئاً، وذلك وسط تقديرات بتضرر وانهيار زهاء 50 ألف مسكن من قوة الزلزال المدمر.
وعلاوة على الخسائر الكبيرة في الأرواح بسبب الزلزال الذي هز الأرض في مناطق قروية عدة بإقليم الحوز ونواحيه أيضاً، شملت الأضرار هدم البيوت على رغم أن معظمها طينية، وخراب الممتلكات ونفوق المواشي، فضلاً عن الأضرار التي طاولت القطاعين السياحي والزراعي.
أرقام وترجيحات
ولم تصدر بعد أرقام رسمية بخصوص تقدير كامل لحجم خسائر زلزال المغرب، باعتبار أن السلطات لا تزال في مرحلة إنقاذ الأرواح على رغم تضاؤل الآمال في وجود ناجين مع مرور الوقت، ومرحلة الإغاثة بالمأكل والمشرب والمسكن.
وفي المقابل، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية الخسائر المحتملة لزلزال المغرب بما يساوي ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني خسائر مادية قد تصل إلى 10 مليارات دولار.
وأمام هذه الأرقام التي رجحتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، خرج مسؤولون واقتصاديون بأرقام أخرى تقدر حجم الخسائر، والسنوات التي سيشغلها إعادة الإعمار، بعد الخراب الذي تسبب فيه الزلزال القاتل.
رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في مجلس النواب المغرب)، النعم ميارة، قال خلال اجتماع قبل أيام قليلة، إنه جرى تخصيص صندوق مالي لتدبير نفقات إصلاح تداعيات الزلزال، موضحاً أن عملية إعادة الإعمار ستستمر زهاء ست سنوات.
من جانبه، رجح أستاذ اقتصاد التنمية المغربي، الدكتور عمر الكتاني، أن إعادة إعمار ما تهدم وتخرب بفعل قوة الزلزال قد تمتد إلى خمس سنوات متواصلة، وقد تتكلف قرابة 15 مليار دولار، وهو ما يستنزف بحسبه القيمة المضافة في الإنتاج الوطني.
وتبعاً للخبير الاقتصادي عينه، فإن هذا الزلزال أفرز خسائر ضخمة طاولت العمران والإنسان، لكن الحجر والعمران يعوضان، بينما الإنسان لا يعوض، وهي أكبر خسارة في الحقيقة لهذه الكارثة الطبيعية.
خطة الدولة
وتضررت عشرات الآلاف من المساكن في المناطق المنكوبة بخمسة أقاليم مغربية، إما بشكل كامل أو جزئي، بينما يقارب عدد الأشخاص المتضررين من الزلزال بدرجات مختلفة ما يزيد على 300 ألف شخص.
ودشن المغرب رسمياً المرحلة الأولى من إعادة الإيواء والإعمار، انطلاقاً من بلاغ الديوان الملكي، الصادر أول من أمس الخميس، الذي أمر فيه العاهل المغربي الملك محمد السادس بتعبئة الوسائل كافة بالسرعة والنجاعة اللازمتين من أجل تقديم المساعدة للأسر المتضررة، خصوصاً من أجل تنفيذ التدابير المتعلقة بإعادة التأهيل والبناء في المناطق المتضررة من هذه الكارثة الطبيعية ذات الآثار غير المسبوقة، في أقرب الآجال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبه بلاغ الديوان الملكي المغربي على أن "عملية إعادة الإيواء تكتسي أولوية قصوى، ويجب أن تنجز في احترام للشروط الضرورية المتعلقة بالإنصاف والإنصات الدائم لحاجات السكان المعنية".
هذا البرنامج يتجسد خصوصاً في اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي، لهذا تقرر تقديم مساعدة مالية مباشرة 140 ألف درهم (14 ألف دولار) للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم (8 آلاف دولار) لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئياً، على أن يتم إنجاز المشروعات بإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة الذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة.
وأنشأت الحكومة المغربية صندوقاً مالياً استثنائياً يتلقى المساهمات التطوعية التضامنية للهيئات الخاصة والعمومية والمواطنين، يخصص لتحمل النفقات المتعلقة بالبرنامج الاستعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة، والنفقات المتعلقة بالتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، خصوصاً اليتامى والأشخاص في وضعية هشة.
سياحة تضامنية وخلق الثروة
ولعل من أكثر القطاعات المتضررة من الزلزال الذي ضرب مناطق جبلية في المغرب، القطاع السياحي، لأن أكثر موارد رزق سكان هذه المناطق ينبع من السياحة إما بفضل بعض الفنادق التقليدية، أو عمل الشباب مرشدين أو مساعدين لمرشدين سياحيين.
وتشتهر بعض المناطق المتضررة بجذبها للسياح المحليين والأجانب، من قبيل منطقة أمزميز القريبة من مدينة مراكش، التي تعرف بطبيعتها الخلابة وينابيعها المائية، ومنتجعها المعروف "واد سيدي حساين"، لتصبح أحد أهم مناطق السياحة الجبلية في البلاد.
ومن المناطق الأخرى المتضررة التي تجذب السياح منطقة "مولاي إبراهيم" الجبلية التي تجمع بين الجبل والسهل والماء والخضرة أيضاً، ما يجعلها قبلة مطلوبة للزوار والسياح من كل حدب وصوب، لا سيما أنها تضم ضريحاً شهيراً يقصده عديد من المغاربة طلباً لـ"البركة" وقضاء الحوائج، وفقهم.
أما مدينة مراكش التي اهتزت بدورها من أثر الزلزال فهي تعد إحدى أكبر عواصم الساحة ليس في المغرب وقارة أفريقيا، بل في العالم بأسره، بفضل مآثرها العالمية والإنسانية مثل ساحة جامع الفنا ومسجد الكتبية وصقر البديع وقصر الباهي وأسوارها التاريخية.
الباحث الاقتصادي محمد مجدولين يرى أن السياحة في مراكش تضررت بسبب الزلزال، باعتبار مغادرة عديد من السياح للبلاد، ما يؤثر في الفنادق والمهن السياحية المرتبطة، وذلك بعيد الهزة الأرضية القوية التي عرفتها المدينة والهزات الارتدادية التي تلتها.
وأفاد مجدولين بأنه من جهة أخرى يتعين على المغاربة أن يدعموا هذه المناطق بما يمكن تسميته بالسياحة التضامنية، حتى تنتعش بعض المهن التي توفر لقمة العيش لأبناء تلك المناطق"، مبرزاً أن "مرحلة إعادة الإعمار التي ستدشنها الدولة ستكون بدورها فأل خير على هذه المناطق وستخلق زخماً من الثروة وإنعاشاً لعدد من المهن وفرص العمل".