ملخص
منذ حرب أكتوبر مروراً باتفاقات أوسلو وصولاً إلى اتفاقات أبراهام لا يزال العرب والإسرائيليون يبحثون عن سلام نهائي.
في الوقت الذي تشهد فيه إسرائيل أخطر فترة في تاريخها من جهة الشرخ الداخلي والانقسام السياسي والجماهيري، الذي يخشى كثر على مكانة الدولة بسببه، ويحذرون حتى من حرب أهلية، أزال الإسرائيليون السرية عن أبرز محطات في حرب أكتوبر، في ذكرى مرور 50 سنة، وجعلوا من اتفاقات "أوسلو" في ذكرى مرور 30 عاماً عليها، منبر نقاش حول نجاحها وفشلها.
منهم من يعودون إلى اتفاقات السلام مع مصر والأردن ومنهم من يشيد بنجاح "اتفاقات أبراهام"، لكن السؤال الملح يظل متعلقاً بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. فهل مرور هذه السنوات الطويلة المريرة التي تعب فيها الناس من الحروب وسفك الدماء اليومي، كافية للوصول إلى مرحلة جديدة تعود فيها مفاهيم الانفراج وأحداث انعطاف في العلاقات العربية مع إسرائيل؟ وهل وجود اليمين في الحكم من دون اليسار ولا قوى الوسط يبشر بمزيد من الحروب وعراقيل السلام، أم أن هذا اليمين هو الذي يمكن أن يجلب السلام؟
50 عاماً شهدت فيها المنطقة محطات يشع منها أمل التوصل إلى سلام، لكن الضوء في آخر النفق ما زال باهتاً وأخرى تثير القلق من خطر فقدان أي أمل لمستقبل يعمه الاستقرار والسلام في ظل انعكاسات هذه المحطات على الوضع الأمني في المنطقة.
أولئك الذين كانت لهم مساهمة فعالة ومركزية في التوصل إلى اتفاقات سلام ما زالوا على قناعة بأن لا محالة من التوصل إلى سلام، بل يواصلون جهودهم من أجل تذليل العقبات والتوصل إلى سلام في مركزه القضية الفلسطينية.
الدكتور يوسي بيلين، أحد أبرز الشخصيات التي كانت لها مساهمة كبيرة في مسيرة السلام الطويلة منذ اتفاقات أوسلو، والملقب بـ"مهندس اتفاقات السلام"، يرى أفق السلام بات أقرب من أي وقت. وفي هذه الفترة، بالذات، يكثف مع مجموعة إسرائيلية وفلسطينية جهوداً كبيرة لتذليل العقبات والتوصل إلى تسوية كمرحلة أولى لاتفاق سلام.
الأسبوع المقبل تلتقي المجموعتان في هولندا لاستمرار البحث حول القضية الفلسطينية انطلاقاً من أن الحل هو إقامة دولة كونفيدرالية، وهو حل قابل للتطبيق ومن شأنه أن يؤدي إلى اختراق طريق نحو سلام شامل في المنطقة.
رفض اقتراح السادات للسلام كان الخطأ الأكبر
لا يكاد يمر يوم إلا ويناقش الإسرائيليون في تقارير تتناول جوانب مختلفة من حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، الإخفاقات والنجاحات، في غياب السؤال الجوهري إذا ما كان يمكن تفادي هذه الحرب.
وبرأي يوسي بيلين أن القرارات التي اتخذتها رئيسة الحكومة الإسرائيلية، آنذاك، غولدا مائير، الخاطئة لم تمنع هذه الحرب "لو أنها تجاوبت مع مطلب الرئيس المصري الراحل أنور السادات، باتفاق السلام قبل عامين من نشوب الحرب، لكنا تفادينا حرباً خسرت فيها إسرائيل كثيراً".
ولكن، يضيف بيلين "على رغم أن إسرائيل تعلمت الدرس من حرب أكتوبر ومن خطأ غولدا، واتجهت نحو السلام بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد وما تلتها من اتفاقات مع مصر والأردن ثم مع الإمارات ودول عربية أخرى (اتفاقات أبراهام)، فإنها لم تنجح خلال السنتين الأخيرتين في التقدم ولو خطوة سياسية واحدة من أجل السلام مع الفلسطينيين، الذين ستبقى قضيتهم لب الصراع في المنطقة ولا يمكن تحقيق الاستقرار والهدوء من دون حل القضية".
أما المتخصص السياسي حاييم لفنسون فيرى أن ما سماها "كارثة 1973" كانت متوقعة مسبقاً، كذلك كان من المتوقع ما شهدناه من كارثة اسمها مشروع الاستيطان، قائلاً "حرب أكتوبر كانت في المقام الأول فشلاً سياسياً وليس فشلاً استخبارياً. بالإجمال، إسرائيل وافقت بعد حرب فظيعة مع 2700 قتيل على الصفقة نفسها، بالضبط، التي كانت موضوعة على الطاولة من قبل. غولدا مائير التي ادعت الحكمة وموشيه ديان المتغطرس رفضا الاقتراحات الأميركية. كانا في حاجة إلى سفك كبير للدماء كي يدركا أن السلام من دون شرم الشيخ أفضل من شرم الشيخ من دون السلام".
هذه الكارثة كانت متوقعة مسبقاً، فخلال عام 1973 تم تحذير إسرائيل مرات عدة بأنه من دون السلام ستندلع حرب، وهو تقدير تم رفضه بازدراء. بهذا المعنى فإن "غوش إيمونيم" هي الفشل الثاني في تاريخ إسرائيل، لأنه كان يمكن توقعه مسبقاً، إذ تم تحذير القيادة مرة تلو الأخرى، بأن إقامة المستوطنات في ظهر الجبل وطمس إمكانية التوصل إلى اتفاق جغرافي لن تؤدي إلى نهاية جيدة، وفق لفنسون.
اتفاقات أوسلو هل قضت على حل الدولتين؟
تشكل اتفاقات أوسلو اليوم وبإحياء 30 عاماً على توقيعها خلافات كبيرة بين الإسرائيليين، وتبقى تلك الاتفاقات الانطلاقة الوحيدة التي شكلت اختراقاً في طريق السلام مع الفلسطينيين، لكن تعقيد القضية الفلسطينية مع استمرار سياسة الحكومات الإسرائيلية من يمين ومركز ويسار، جعل هذه الاتفاقات أمام علامة سؤال إذا ما حققت أهدافها وبالأساس هدفها المركزي "حل الدولتين".
المتخصص في الشأن السياسي البروفيسور ايال زيسر يعتقد أن مسيرة أوسلو انهارت بل لم تعد عملية، وعليه يقترح التركيز في هذه الفترة على إدارة النزاع وليس التوصل إلى حل سلمي. ويقول "اتفاقات أوسلو التي كانت معدة لأن تأتي بحل للنزاع الدموي بيننا وبين الفلسطينيين انهارت، وثبتت الفكرة بأن الطريق إلى جهنم مرصوفة بالنوايا الحسنة. وعملياً هذه الاتفاقات هي التي أبعدت السلام حتى إنها جعلته هدفاً غير قابل للتحقق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"جذر المشكلة في هذه الاتفاقات كان افتراض الموقعين عليه من الجانب الإسرائيلي بأن النزاع مع الفلسطينيين هو نزاع حدود آخر كالنزاع الذي كان لنا مع مصر، والذي يختلف فيه الطرفان على قطعة أرض تقع على حدودهما، بالتالي مطلوب حل وسط إقليمي لضمان تسوية النزاع. أما عملياً فكان هذا نزاعاً وجودياً يتصارع فيه الطرفان على بلاد إسرائيل كلها ومشكوك إذا كانت القيادة الفلسطينية، وتلك الإسرائيلية اليوم أيضاً، تريدان أو تستطيعان على الإطلاق اتخاذ القرارات الواجبة لأجل إيجاد حل لمثل هذا النزاع"، يقول زيسر.
ويرى أنه على إسرائيل أن تفكر من خارج الصندوق وتبحث عن حل واقعي يضمن أمنها وسيطرتها في المناطق الحيوية والعزيزة عليها أيضاً.
غير أن الدكتور يوسي بيلين يذهب إلى أن اتفاقات أوسلو لم تقتل حل الدولتين لكنها فشلت لأنها لم تنتهز الفرصة لوضع هدف حاسم هو الحل الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين.
أما الدبلوماسي زلمان شوفال، الذي شغل منصب سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، فيقول إن "الضرر الأخطر لأوسلو ليس فقط في قصر نظره السياسي والأمني ولا حتى بالتنازلات والمساومات التي قدمتها إسرائيل وتعهدت بتقديمها لاحقاً، بل في التغيير الجارف الذي طرأ على المبادئ والمواقف الأساسية لتل أبيب في النزاع مع الفلسطينيين".
ويشير شوفال إلى أن بنيامين نتنياهو لم يلغ اتفاقات أوسلو عندما تولى لأول مرة رئاسة الحكومة، بل فهم أن الطريق الأفضل لإيجاد تسوية ما في القضية الفلسطينية إلى جانب إقامة جبهة موحدة ضد التهديد من إيران، هو في إقامة جبهة علاقات سياسية واقتصادية وفي بعضها أيضاً أمنية مع العالم العربي تؤدي إلى حلول برغماتية للنزاع مع الفلسطينيين أيضاً.
ويضيف "لقد أخلى وهم أوسلو مكانه لواقع اتفاقات أبراهام – والتتمة إذا لم تخربها الأحداث السياسية الداخلية في إسرائيل، على الطريق".
المبادرة العربية أحد الأسس الرئيسة
وما بين القضاء وعدم القضاء على حل الدولتين يرى المتخصص في الشأن السياسي الذي شغل منصباً قيادياً في الجيش، تسفي برئيل، أن المبادرة العربية - السعودية تشكل الخطوة الأهم بعد أوسلو، مضيفاً "انتظرت اتفاقات أوسلو تسع سنوات إلى حين طرحت السعودية العرض السياسي الرائع الذي سمي (المبادرة السعودية)، وأصبح اسمها في مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002 (المبادرة العربية)، وبحسبها مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي، بما في ذلك هضبة الجولان وشرق القدس، ستطبع جميع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، وبذلك سينتهي النزاع الإسرائيلي – العربي".
ويتابع برئيل "منذ ذلك الحين أصبحت المبادرة العربية أحد الأسس الرئيسة التي شكلت مواقف الدول العربية من اتفاقات السلام مع إسرائيل، ومكانتها، في الأقل في نظر السعودية، كانت تشبه قرارات الأمم المتحدة 242 و228".
ويلفت الانتباه إلى أن السعودية "ما زالت ملتزمة المبادرة العربية التي صاغتها وبمكانتها كدولة رائدة في العالم العربي. وبصفتها هذه فقد أصغت القيادة السعودية جيداً لطلبات الوفد الفلسطيني الذي زار الرياض أخيراً، بهدف وقف التطبيع منفلت العقال. وبحسب مصادر فلسطينية فقد طالب الممثلون من رام الله بأن تحول إسرائيل أجزاءً من مناطق ج للسلطة الفلسطينية وأن تصبح تحت سيطرتها بالكامل، وأن تجمد البناء في المستوطنات، وأن يتم تبني المبادرة العربية في أي اتفاق مستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين".
الكونفيدرالية اقتراح يتبلور بين الطرفين
في مقابل ما يراه برئيل من أهمية تبني المبادرة العربية في أي اتفاق مستقبلي هناك من يعمل بشكل حثيث من الطرفين على اقتراح الكونفيدرالية، ويطرح يوسي بيلين هذا الاقتراح كبديل أفضل وأسرع لحل الصراع.
وبحسب ما يخطط له تقام كونفيدرالية بين دولتين مستقلتين وسياديتين، إسرائيل وفلسطين تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح، فيما يتمكن المستوطنون الذين يجدون أنفسهم شرق الحدود المستقبلية من الحصول على تعويضات والانتقال إلى إسرائيل، أو البقاء في الأماكن التي يوجدون فيها كمواطني إسرائيل ومقيمين دائمين في فلسطين (أولئك حيال تسوية مشابهة بالنسبة إلى فلسطينيين يرغبون في السكن كمقيمين في إسرائيل)، وهذا الحل هو السبيل الأكثر معقولية اليوم لتنفيذ حل الدولتين"، وفق بيلين.
وتفاؤل بيلين بتحقيق السلام منوط بتوجه إسرائيل ما بعد محمود عباس، بل إنه على قناعة بأن "أبرز القياديين الذي سيكون قادراً على تحقيق السلام وحل الانقسام الداخلي الفلسطيني هو مروان البرغوثي، سواء أطلقت سراحه إسرائيل أو لم تطلق سراحه فيمكن أن يكون القائد الشعبي المناسب".
ومروان البرغوثي الذي يقضي في السجون الإسرائيلية الحكم خمسة مؤبدات، سيطرح اسمه، وفق بيلين، كمرشح لرئاسة السلطة الفلسطينية وبرأيه "ستكون إسرائيل مضطرة إلى إطلاق سراحه، وإذا لم تفعل ذلك فلا شك أنه ستدار حملة دولية وضغوط كبيرة لخروجه من السجن لخوض الانتخابات، وإذا فشلت كل المحاولات فيمكن أن يخوض الانتخابات داخل السجن، وهناك تجارب دولية مثل بورما، ونحن متفائلون من نجاحه".