Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يضمد "بريكس" جراح مصر الاقتصادية؟

عشرات الاتفاقيات التجارية من دون أثر يذكر ومتخصصون يرونها بلا رؤية وتفتقر إلى الأهداف

يرى متخصصون أن مصر انضمت إلى عديد من الاتفاقيات والتحالفات الاقتصادية والتجارية عالمياً بـ"رؤية مشوشة" (اندبندنت عربية)

ملخص

تسعى مصر من وراء الانضمام إلى "بريكس" إلى الحصول على منتجات ومواد خام لكثير من الصناعات المحلية بأسعار مخفضة بجانب دعم فرصها التصديرية

أعاد نبأ انضمام مصر إلى مجموعة "بريكس" والاحتفاء الكبير بتلك الخطوة على مستوى الإعلام الرسمي وشبه الرسمي إلى أذهان المواطنين ذكرى توقيع عديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، من ناحية الحديث المتكرر عن مردودها الاقتصادي وإسهام تلك الاتفاقيات في إنعاش حركة التبادل التجاري وتوفير العملات الأجنبية، وهو ما لم يتحقق على رغم مرور تلك السنوات.

ومع الإعلان الأخير عن انضمام مصر إلى تجمع "بريكس" الذي يضم في عضويته عديداً من الدول أبرزها روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بموجات من الجدل والتعليقات المنحازة إما رفضاً لكل ما يثار حول الجدوى الاقتصادية لقرار الانضمام مقارنة بالاتفاقيات السابقة ومنها "الكويز" و"الكوميسا" و"أغادير" وغيرها، أو تأييداً للقرار الذي يتوقع منه المساهمة في دفع عجلة الإنتاج والتصنيع في مصر، ومنح الدولة المصرية القدرة على المنافسة بمنتجاتها في أسواق دول المجموعة.

وبعيداً من تلك التعليقات، يرى متخصصون أن مصر انضمت إلى عديد من الاتفاقيات والتحالفات الاقتصادية والتجارية عالمياً بـ"رؤية مشوشة"، إذ لم تجن أي فائدة من تلك الاتفاقيات لغياب قدرتها على تحديد ما تحتاج إليه من قرارات الانضمام إلى تلك التحالفات، وهو ما أضاع منها كثيراً من الفرص الجيدة.

وثمن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أغسطس (آب) الماضي دعوة بلاده إلى الانضمام إلى عضوية "بريكس" اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2024، معرباً عن تطلعه إلى التعاون والتنسيق مع المجموعة لتحقيق أهداف التعاون الاقتصادي.

وتسعى مصر من وراء الانضمام إلى الحصول على منتجات ومواد خام لكثير من الصناعات المحلية بأسعار مخفضة بجانب دعم فرصها التصديرية.

أخطاء "الكوميسا"

المتخصص في الشأن الاقتصادي أحمد خزيم قال إن مصر وقعت عديداً من الاتفاقيات الاقتصادية وكان من أهمها "الكوميسا" التي كانت تضم 20 دولة قبل انسحاب تنزانيا، وتم تفعيلها في عام 2005.

وأشار في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن مصر كان لديها فرصة كبيرة لتحقيق عوائد دولارية من وراء التعاون مع الدول الأعضاء في تلك الاتفاقية ممن تقدر فاتورة استيرادهم للمنتجات التي تتنوع ما بين الأسمدة والمنسوجات والأدوية والأسمنت فيما بينها بنحو 400 مليار دولار سنوياً.

وقال إن الطرف المصري لم يستطع الاستفادة من تلك الاتفاقية ولو بنسبة 10 في المئة، إذ إن معظم المنتجات المتداولة بين دول "الكوميسا" تنتج مصر كثيراً منها وكان يمكنها أن تحقق عوائد تصديرية تقدر بـ40 مليار دولار سنوياً من وراء تلك الاتفاقية لو أحسنت استخدامها، وهو دخل يعادل ثمانية أضعاف إيراد قناة السويس، في حين اقتصرت الاستفادة المصرية على ملياري دولار فقط من عوائد تصدير بعض الحاصلات الزراعية.

وبدأت اتفاقية "الكوميسا" كمنطقة تجارة تفضيلية لدول شرق وجنوب أفريقيا، وتهدف إلى إقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء لتتطور وتصبح اتحاداً جمركياً ثم سوقاً مشتركة، وانضمت مصر إليها عام 1998، وتم البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات من باقي الدول الأعضاء، وتتمتع كل السلع المصرية المصدرة إلى هذه الدول بإعفاء تام من كل الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل، وفقاً لنسب التخفيضات التي تقرها كل دولة وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل.

من بين الاتفاقيات التي وقعتها مصر تلك الموقعة مع الدول الأعضاء في رابطة التجارة الحرة الأوروبية "إفتا"، على اتفاقية تجارة حرة مع مصر في عام 2007 من أجل دعم وزيادة التجارة الثنائية وتعزيز التكامل الاقتصادي في منطقة الأورومتوسطي.

ووقعت مصر أيضاً عديداً من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والتي لم يكن لها أي أثر يذكر في الاقتصاد المصري، ومنها اتفاقية "الميركسور" مع جمهوريات الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، وتهدف إلى تعزيز تنمية التجارة والاستثمارات المتبادلة وإقامة منطقة للتجارة الحرة، ووقعت مع الاتحاد الأوروبي في عام 2001 اتفاقية لإقامة منطقة تجارة حرة بين الطرفين في مدة أقصاها 12 عاماً تضمن تحرير الواردات المصرية من السلع الصناعية ذات المنشأ الأوروبي.

وفي 1997 وافقت الحكومة المصرية على الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، بهدف تحرير كل السلع المتبادلة بين الدول الأطراف وفقاً لمبدأ التحرير التدرجي.

وشهدت اتفاقية "أغادير" للتجارة الحرة الموقعة بين مصر والمغرب وتونس والأردن في عام 2004 إعفاء كل السلع المتبادلة بين الدول الأعضاء من الجمارك.

وانضمت مصر إلى اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا في عام 2005، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعدها بعامين لإنشاء منطقة تجارة حرة بين الدولتين على مدى فترة لا تزيد على 12 عاماً من تاريخ التصديق على الاتفاقية.

"الكويز"... مساومة سياسية

وحول اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة "الكويز" وهي اتفاقية تجارية ذات طابع سياسي (اتفاق ثلاثي الأطراف يضم مصر وإسرائيل وأميركا) وقعت عام 2004، وبمقتضاها يسمح للجانب المصري بتصدير بعض المنتجات والسلع لأسواق الولايات المتحدة الأميركية من دون جمارك، لتصبح واحدة من بين عدد قليل من البلدان التي يمكنها الوصول إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم، شريطة أن يكون المنتج مستخدماً في تصنيعه مواد خام مستوردة من إسرائيل، يرى خزيم أن إسرائيل لا تنتج أي مواد خام يمكن لمصر استخدامها في تصنيع أي منتجات، مؤكداً أن الاتفاقية لم تكن في صالح مصر بل أضرتها اقتصادياً، واستخدمت فيها الكوتة الأميركية في استيراد المنسوجات المصرية لإرغام مصر على التطبيع الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل.

وألزمت الاتفاقية مصر بنسبة استيراد من إسرائيل تصل إلى 11.5 في المئة من المكونات الخاصة بالمنتج في شكله النهائي، وفي عام 2007 تم خفض النسبة لتصل إلى 10.5 في المئة لاعتبار النسبة الأولى مرتفعة ومؤثرة في مصر.

ونشرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية عبر موقعها الإلكتروني أبرز مزايا اتفاقية "الكويز"، وقالت إنها توفر أكثر من 300 ألف فرصة عمل، وتسهم في زيادة معدلات النمو الاقتصادي في القطاعين العام والخاص، بجانب جذب الاستثمارات الأجنبية والنفاذ الحر إلى الأسواق الأميركية ويتوقع تحقيقها عوائد تقدر بنحو خمسة مليارات دولار، في حين أن من أبرز الانتقادات الموجهة لتلك الاتفاقية استئثار 20 مصنعاً فقط بفرص التصدير للولايات المتحدة.

اتفاقية "الغات"

تعتبر الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية "الغات" اتفاقية للتجارة في السلع الصناعية وقعت عليها 23 دولة عام 1947، قبل أن يرتفع العدد إلى 117 دولة عام 1994، وتهدف إلى تحرير التجارة الدولية، وإزالة العوائق أمام التبادل التجاري بين الدول، وتهيئة المناخ الدولي لإنشاء منظمة التجارة العالمية، والتعامل بالمثل في ما يخص نقل البضائع.

يقول أحمد خزيم إن مصر لم تستفد من اتفاقية "الغات" كما كان متوقعاً، مرجعاً السبب في ذلك إلى أن "الغات" تصب في صالح الدول المصدرة وليست المستهلكة، مشيراً إلى أن مصر وقعت أخيراً على اتفاقية تضم دولاً أفريقية لكنها لم تستطع الاستفادة أيضاً من الإعفاءات التي تضمنتها تلك الاتفاقيات بسبب ضعف الإنتاج واعتماد مصر على الاقتصاد الريعي وإهمال تنمية مواردها والسعي إلى زيادة صادراتها.

واستبعد خزيم إمكانية استفادة مصر من الانضمام إلى تجمع "بريكس"، وقال إن من يدير هذه الاتفاقية هي الإدارة ذاتها التي تدير ملف الاقتصاد المصري الذي يعاني بشدة حالياً.

وفي عام 2019 قال رئيس الشعبة العامة للملابس الجاهزة بالاتحاد العام للغرف التجارية يحيى زنانيري إن لاتفاقية "الكويز" تأثيرات إيجابية في الاقتصاد المصري، وإنه لولا الاتفاقية لم يكن لمصر تصدير هذا الكم من البضائع إلى أميركا، مشيراً إلى أن 70 في المئة من صادرات الملابس الجاهزة إلى الولايات المتحدة تتم وفقاً للاتفاقية، وأن قيمة صادرات مصر إلى أميركا على مدى 12 عاماً بلغت نحو 12 مليار دولار.

وكان رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي قال إن انضمام مصر إلى تجمع "بريكس" جاء بفضل جهود القيادة السياسية، وأن الدول الخمس الرئيسة في التجمع تمثل 31 في المئة من الإنتاج العالمي وفيها 40 في المئة من سكان العالم، ومن المتوقع أن تصل نسبة الإنتاج العالمي بها إلى 50 في المئة أي نصف إنتاج العالم.

أضاف في تصريحات تلفزيونية أن التجمع به بنك تنمية ويقرض أعضاءه قروضاً ميسرة للمشروعات التنموية، مما يفتح لمصر المجال للحصول على قروض ميسرة لاستكمال مشروعاتها، مؤكداً أن البنك خصص 33 مليار دولار للدول الأعضاء.

عملات بديلة

وتوصلت مصر والصين في عام 2016 إلى اتفاق يقضي بتسوية التعاملات التجارية بينهما بعملتي البلدين، ويسمح الاتفاق للصين باستيراد المنتجات من مصر، ودفع قيمتها من خلال عملتها المحلية، وفي المقابل يسمح لمصر أن تستورد المنتجات الصينية وتدفع قيمتها بالجنيه، وبهذه الطريقة تستطيع كلا الدولتين إتمام معاملاتهما التجارية باستخدام العملات المحلية.

ويصل حجم التبادل التجاري بين مصر والصين إلى 11 مليار دولار، إذ تتجاوز واردات مصر من الصين تسعة مليارات دولار، فيما تبلغ صادرات مصر إليها نحو ملياري دولار، ويساعد الاتفاق على تخفيض الطلب على الدولار في مصر.

وأخيراً، وافقت قمة رؤساء دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي على بدء مفاوضات التجارة الحرة بين الاتحاد ومصر، إلى جانب عدد آخر من الدول من بينها إيران والهند وسنغافورة، ومن المخطط أن تشهد العلاقات التجارية طفرة كبيرة لتقفز من 3.5 مليار دولار حالياً إلى 15.7 مليار دولار عقب إبرام الاتفاق، ويضمن هذا الاتفاق تبادل المنتجات بين الدول الأعضاء من دون جمارك.

اتفاقيات للتجارة الحرة

ووقع الرئيس المصري في يونيو (حزيران) 2015 الاتفاقية التأسيسية لمنطقة التجارة الحرة الثلاثية بين التجمعات الاقتصادية الثلاث "الكوميسا، الساداك، شرق أفريقيا"، إذ استطاعت مصر مضاعفة حجم صادراتها إلى دول "الكوميسا" من 150 إلى 730 مليون دولار، فضلاً عن تمكنها من استيراد عدد من السلع كثيفة الاستهلاك بالنسبة إلى المستهلك المصري، وتهدف الاتفاقية إلى تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول التكتلات الثلاث، والعمل على إنشاء سوق واحدة كبيرة تسمح بحرية حركة السلع والخدمات.

وصدق الرئيس المصري على الانضمام إلى اتفاقية تسهيل التجارة، وتعد أول اتفاقية تجارية متعددة الأطراف يتم توقيعها والتوصل إليها في إطار منظمة التجارة العالمية، وتهدف إلى تحسين الإجراءات والضوابط التي تحكم حركة البضائع عبر الحدود الوطنية لتقليل أعباء الكلفة وتسريع إجراءات الإفراج الجمركي عن السلع المستوردة.

غياب التأثير

من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي شريف الدمرداش أنه من المبكر الحكم على تجربة مصر في الانضمام إلى تكتل "بريكس"، مشيراً إلى أن الحكم سيكون موضوعياً عند مراجعة أوجه الاستفادة من الاتفاقيات السابقة وهو ما كان سبباً في توجه الأعضاء للانسحاب منها لعدم تحقيق أية مكاسب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" إلى أن اتفاقية "الكويز" هي الأخرى كانت تتسم بالنشاط في فترة معينة ثم خملت في العقود الأخيرة بسبب تغير الأسواق والمنتجات وتوقف مصر عن زراعة الأقطان "الطويلة التيلة" وباتت اتفاقية غير مفيدة، وأن اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي لا تزال ذات تأثير جيد في الاقتصاد المصري، بخاصة في مجال تصدير الحاصلات الزراعية، في حين فشلت الاتفاقيات الموقعة مع دول جنوب أميركا اللاتينية في إحداث التأثير المرغوب منها في مجال استيراد اللحوم والقمح والسكر.

وأوضح أن مصر أهملت تفعيل معظم اتفاقياتها مع الأطراف المختلفة خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى أن نجاح مصر في "بريكس" يتطلب "رؤية واضحة غير مشوشة" في تحديد مصالح الدولة والسعي إلى تحقيقها، والتخلي عن التبعية غير المشروطة حتى لا تكون الاتفاقية الجديدة استمراراً للاتفاقيات السابقة.

الدمرداش أضاف أن دعوة مصر للانضمام إلى هذا التحالف تخدم مصالح الصين والتي تسعى إلى إتمام مشروع "طريق الحرير" الذي تمثل فيه مصر نقطة عبور مهمة، وهو السبب الرئيس في إصرارها على انضمام القاهرة، ويمكن الاستفادة من هذا الإصرار وهذه الفرصة بفتح فرص للاستثمار وزيادة الصادرات المصرية للخارج.

اقرأ المزيد