ملخص
أسعد الوعيل عريس يمني غادر من إب إلى صنعاء لإحضار مستلزمات زفافه فاحتجزه الحوثيون 7 سنوات.
لم يكن أسعد الوعيل يعرف أن عرسه الذي لم يتبق عليه سوى أربعة أيام سيمتد إلى ست سنوات سيجوب خلالها السجون، ويعايش أبشع وأقسى ألوان العذاب على يد السجانين، وألم الانتظار والسؤال عن عروسه الغائبة عن عينيه، والخوف من فراقها.
قصة من مأساة عاشها كثير من اليمنيين، الذين تحولت أفراحهم وأيامهم إلى ما تم وأحزان، منذ سيطرة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران على عدد من مدن البلاد بقوة السلاح، وتعود جذورها إلى عام 2017.
زفاف لم يكتمل
كانت محافظة إب الواقعة جنوب العاصمة اليمنية صنعاء، تستعد لعرس الشاب اليمني أسعد الوعيل، وكان أقاربه يتوافدون لحضور الزفاف، والأغاني والأهازيج تملأ البلدة الواقعة بالريف الشرقي للمحافظة، ووزعت أسرته الدعوات على ضيوفها، وذهب العريس إلى صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الانقلابية لشراء ما يحتاج إليه من ثياب وعطور وألعاب نارية لعرسه.
وأثناء عودته إلى بلدته في ريف محافظة إب، تم اعتراض السيارة التي تقله، وتم اقتياده من قبل الحوثيين إلى السجن مع ما اشتراه لعرسه، كانت أربعة أيام تفصله من فرحة العمر، غير أن تلك المدة القصيرة تحولت إلى سبع سنين عجاف، وتبدل القفص الذهبي إلى آخر حديدي في سجون الميليشيات، كانت ستطول لولا صفقة التبادل الذي تمت في رمضان الماضي بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
سرقت فرحتي
يقول أسعد في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "كنت أنتظر فرحة عمري بشوق كبير، كانت الساعات تمر علي، وأنا أفكر كيف سأحتفل بهذه اللحظات، لكن الحوثيين أطفأوا هذه الفرحة، أودعوني السجن وتوقفت حياتي، وتكدست الآلام والأحزان، وبذل الأهل الغالي والنفيس، وقدموا كل ما يملكون في سبيل إخراجي، لكن بلا جدوى".
يضيف أسعد، "كانت لحظاتي وأيامي الأولى في السجن صعبة جداً وقاسية جداً، كان الموجود الجسد فقط، وكل التفكير والعقل خارج أسواره، كنت أتساءل كيف ستكون حال أهلي؟ كان أكثر تفكيري في والدتي، كيف ستتلقى الصدمة؟ كنت أتوقع أن تصاب والدتي بمرض أو أنها تموت لا قدر الله".
ويستكمل الأسير السابق، حديثه بقوله إنها كانت أصعب أيام حياته، زادها وجع وألم التعامل من قبل المحققين والسجانين، لافتاً إلى أنهم "كانوا يتعاملون بشكل غليظ جداً، بالسب والشتم والإهانات، حتى الأكل والشرب". وأضاف أنه قبل خروجه بثمانية أشهر، تعرض للاعتداء والضرب المبرح.
آمال وخيبات
"في البداية كنت أتوقع أني سأخرج سريعاً، ومع مرور الوقت في السجن ومعرفتي بالحوثيين، توقعت أني لن أخرج أبداً، والحوثي لا يزال يحكم المكان الذي أنا مسجون فيه، إلا إذا كان هناك عملية تبادل أن يسخر الله لنا أسباباً أخرى غير التبادل، أما غير ذلك، فمستحيل أن يخرجونا، ولهذا وطنت نفسي أني سأبقى إلى الأبد في السجن"، وفقاً لما ذكره الشاب اليمني.
أضرب أسعد عن الطعام أياماً وأسابيع، حتى تدهورت حالته الصحية والنفسية، وعلى رغم كل ذلك، فإنه لم يشفع له عند السجان الحوثي، ومع طول مدة بقائه، وانتفاء مبررات سجنه، فقد كان يراوده خوف من أن يتحول حب حياته إلى سراب، لكن إيمانه وصبره وأمله، كان أقوى.
العروس تنتظر
وعما إذا كانت عروسه انتظرته حتى خروجه من السجن، يقول أسعد، إنها كانت لا تزال على قيد الانتظار، وإن هذا ما كانت تؤكده له والدته، كلما زارته في سجنه.
ويمضي في حديثه، "كانت عروسي تمتنع عن الأكل في بيت أهلها احتجاجاً عليهم، ورفضاً لضغوطهم عليها من أجل أن تتخلى عني، كنت أفكر فيها دائماً، وأتمنى أن أكتب لها رسالة، فلقد كنت في السجن محروماً من كل شيء، من الأقلام ومن كل ما يمكن أن أكتب به أو عليه، أنا عاجز عن الحديث عنها وعن وفائها، لأنها صبرت، ولأنها واجهت عائلتها وكل من حاولوا أن يقنعوها بتركي والمضي قدماً في حياتها".
رحلة بين السجون
يعود أسعد الوعيل إلى حديثه فيقول، "في السجن كان شعاري سأصبر حتى يمل الصبر مني، فالصبر هو الذي يجعل الأيام تمضي سريعاً داخل السجن، تنقلت في عدد من السجون بداية في سجن يريم، ثم في سجن الأمن السياسي الانفرادي، ثم الجماعي في محافظة إب، وقبل التبادل نقلت إلى صنعاء، وتحديداً إلى سجن شملان، ومن ثم إلى سجن الأمن السياسي، ومن ثم نقلي إلى سجن الأمن المركزي الذي كان آخر سجن قبل صفقة التبادل".
في صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة اليمنية والحوثيين، برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي التي تمت في أبريل (نيسان) الماضي، عانق أسعد الحرية مرة أخرى، وعن اللحظات الأولى لخروجه يقول "إنها لحظات لا توصف، ولادة من جديد، أحسست أني ملكت العالم كله، لم أستوعب أنني الآن سألتقي والدتي ووالدي، وأتواصل مع عروسي، بقيت أيام وأنا غير مستوعب كل هذا، لكن الحمد الله أفرج عنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول، "حينما خرجت كنت أتمنى أن أرى والدتي، وعروسي عند وصولي، لكن للأسف الظروف المادية لم تسمح بذلك، لم ألتق بهم إلا بعد أربعة أشهر من خروجي من السجن، تمنيت أن يكون عرسي قريباً، لكن بسبب الظروف المادية، لم نستطع ترتيب العرس".
وفي بداية سبتمبر (أيلول) الجاري، أقام أسعد حفل زفافه المؤجل في مدينة مأرب الواقعة شرقي اليمن، ووزعت دعوات الفرح كاتباً فيها "بعد انتقاله من القفص الحديدي إلى القفص الذهبي، وبعد توقف الزفاف لمدة سبع سنوات داخل السجون الحوثية، نتشرف بدعوتكم لحضور المقيل والزفة في مدينة مأرب".
والمقيل عادة يمنية تقام ما قبل الزواج خلال فترة النهار، ويتناول السكان المحليون خلالها مضغ نبتة القات الخطرة لساعات، باعتبارها طقساً شعبياً متعارفاً عليه، ويعد "المقيل" إحدى وسائل الترابط الاجتماعي الفرائحية في البلد الذي مزقته الحرب وشتتت مناطقه بسبب القوى المتنازعة على السلطة والثروات.
هذه التهم التي يواجهها ضحايا الحوثي
يقول محامي المختطفين عبد المجيد صبرة لـ"اندبندنت عربية"، إن غالبية التهم التي توجهها جماعة الحوثيين لضحاياها، "تستند إلى نصوص المواد القانونية (126 و127 و128) من قانون الجرائم والعقوبات، وهذه المواد تتعلق بالسعي والتعاون والتخابر لدى دولة أجنبية"، مشيراً إلى أنها تهم "كيدية" تطلقها الجماعة على المناوئين، وتقصد بالتخابر مع الحكومة اليمنية وتحالف دعم الشرعية. وأضاف "هناك نساء في سجون الجماعة يواجهن هذه التهم".
وأتم بالقول "هذه التهمة هي الوحيدة التي أسهمت في اكتظاظ السجون بالأسرى الذين تتخذهم كصفقات تساوم عليهم في عمليات تبادل المعتقلين". وأضاف "هذه التهمه هي التي تتسق مع حالة الحرب لتساوم عليهم وتستغلهم لصالحها".