ملخص
متخصصون يرون أن بنوك البلاد تركز على تحقيق الأرباح من دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية
أثارت زيارة رئيس تونس قيس سعيد إلى أحد البنوك العمومية بالعاصمة جدلاً واسعـاً حول هول الفساد الذي ينخر القطاع البنكي في البلاد، وأثارت الزيارة مرة أخرى ملف منظومة القروض التي أصبحت بحسب مراقبين "سيفاً مسلطاً" على رقاب المواطنين، في حين أنه تقرض مليارات الدينارات لبعض العائلات النافذة في البلاد من دون ضمانات.
زار رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي مقر البنك الوطني الفلاحي بالعاصمة، وتحدث مع المسؤولين عن وجود جملة من التجاوزات في معاملات المؤسسة، وقال سعيد وفق فيديو يوثق الزيارة نشرته رئاسة الجمهورية على صفحاتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي إنه أعد ملفاً يتعلق بجملة من التجاوزات من البنك المذكور، واستعرض عدداً من الأمثلة على ذلك، معتبراً أن الملف يؤكد وجود خرق للقانون وإهدار للمال العام.
إهدار للمال العام
أضاف رئيس الدولة أن الهدف من إنشاء البنك كان يتمثل في دعم قطاع الفلاحة وصغار الفلاحين غير أن الأموال أقرضت لعدد من الأشخاص والشركات الوهمية من دون أية ضمانات، مشيراً إلى أن ذلك يعتبر خرقاً للقانون وإهداراً للمال العام بحسب تعبيره، وسط ذهول المسؤولين المصرفيين الذين كانوا في موقف لا يحسدون عليه.
واستدل سعيد، على حديثه، بملف قرض بنحو 24 مليون دينار تونسي (7.62 مليون دولار) أسند لشخص من دون أية ضمانات، مؤكداً أن هذا الشخص تحصل على هذا القرض خلال 2023 على رغم عدم وجود معاملات له لدى البنك.
وكثيراً ما يلجأ التونسيون إلى الاقتراض من مؤسسات القروض الصغرى والبنوك للتغلب على تدهور مقدرتهم الشرائية، وهي مساع تصطدم بنسب الفائدة الكبيرة.
تقول ليليا، موظفة، إن ثلثي أجرها الشهري يذهب إلى البنك من أجل تسديد قسط قرض كانت حصلت عليه لبناء مسكن لها ولعائلتها، وتضيف "أشعر كما لو أني أعمل فقط من أجل تسديد هذا القرض الذي أصبح كابوساً يطول لسنوات عدة، وبعض الدينارات المتبقية أصرفها في أقل من أسبوع في أغراض المنزل".
ووفق بيانات حديثة صادرة عن المعهد الوطني للاستهلاك، فإن الأسر التونسية المدينة تخصص نحو 43 في المئة من أجورها لسداد الديون، ونتيجة معاناة الأسر من ضغوط المعيشة تتوسع دائرة الاقتراض الأسري لتشمل أكثر من 60 في المئة من العائلات في البلاد.
ويقول المسؤول لدى المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك الأسعد الذوادي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" إن "نص الفصل ثمانية من القانون 35 لسنة 2016 المتعلق بضبط النظام الأساس للبنك المركزي يشير إلى أن من أهم مهمات البنك المركزي الرقابة على البنوك وحماية مستهلكي الخدمات البنكية، ومنح ذلك القانون البنك المركزي سلطة ترتيبية تخول له إصدار مناشير لها قوة القانون وواجبة الاحترام من البنوك، كما منحه سلطة عقابية تخول له تسليط خطايا مالية (غرامات) بعشرات ملايين الدينارات على البنوك المارقة التي تتعمد هضم حقوق مستهلكي الخدمات البنكية والدوس على مناشير البنك المركزي".
إلا أنه خلافاً لأحكام ذلك القانون يلاحظ الذوادي أن" الرقابة على البنوك تكاد تكون مشلولة، وبخاصة على البنوك المارقة التي لا تحترم حتى المناشير الصادرة عن البنك المركزي من دون أن توظف عليها الخطايا المنصوص عليها بالنظام الأساس للبنك المركزي مثلما أكدت ذلك محكمة المحاسبات من خلال تقريرها 32 لعام 2021 المتعلق بالرقابة المصرفية".
ويواصل الذوادي قائلاً "تقبض البنوك المارقة عمولات وأتعاباً على عديد من الخدمات المجانية، إذ إن هناك ما يقارب 14 خدمة مجانية أقرها محافظ البنك المركزي، والبنك المركزي لم يحرك ساكناً تجاه البنوك المارقة التي هي بصدد مطالبة أصحاب الحسابات البنكية المهجورة بمبالغ خيالية في دوس على منشور البنك المركزي رقم 24 لعام 1991 ومنشوره رقم 11 لعام 2006 من دون الحديث عن أعمال الابتزاز والتهديد والتحايل التي تقوم بها شركات استخلاص الديون المكلفة من البنوك المارقة".
منظومة العائلات النافذة
وكان رئيس الجمهورية أدى قبل أيام زيارة إلى البنك المركزي التونسي انتقد خلالها بنوداً من قانون البنك تتعلق بالاستقلالية المطلقة للبنك، وقال "لا بد من تطوير النص ليلعب البنك المركزي دوره كمؤسسة عمومية وهو ليس مستقلاً بذاته. من يستفيد من الفصل الخاص باستقلالية البنك هي البنوك التجارية".
من جانبه، رأى المتخصص في مجال البنوك سالم بن عبدالله أن "زيارة الرئيس كشفت عن منظومة البنوك في تونس التي هي في الحقيقة منظومة (كارتلات) Kأي منظومة العائلات النافذة في البلاد"، وأضاف "عملت 14 عاماً في بنوك تونس قبل انتقالي إلى فرنسا وأعرف جيداً كيف تعمل معظم بنوك البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع بن عبدالله أن قانون القروض في تونس موجود، منذ 1991، عن طريق البنك المركزي الذي يتحكم بدوره في نسبة الفائدة التي تنعكس لصالح البنوك، ويكون هنا المواطن هو الخاسر الأكبر، مضيفاً أن "الدولة التونسية كانت تلعب دوراً اجتماعياً مهماً عن طريق البنوك"، وذكر مثال "مشروع الحاسوب العائلي في سنوات التسعينيات، وكيف أسهمت الدولة في تسهيل اقتناء الحاسوب للعائلات التونسية عن طريق البنوك".
لكن اليوم بحسب رأي بن عبدالله فإن" البنوك لا تلعب هذا الدور الاجتماعي، وأصبح لها طابع انتهازي يهدف فقط إلى الربح السريع من دون اعتبار الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن التونسي الذي أصبح أجره الشهري مرهوناً لدى معظم هذه البنوك".
ورأى بن عبدالله أن" الدولة يمكن لها أن تتدخل عن طريق تغيير القوانين، وأيضاً التوجه للبنوك العالمية من أجل قروض محددة الهدف يستفيد منها المواطن مباشرة على غرار المساكن أو السيارات وغيرها من الخدمات الضرورية".