Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حلوى المولد المصرية بمذاق الغلاء المر

أصابها جنون الأسعار لكنها لا تزال طقساً شعبياً مهماً لدى المصريين وجمعيات أهلية تدعو إلى مقاطعتها

هناك من يرى أن المصري لن يقلع عن شراء حلوى المولد مهما تدهورت ظروفه الاقتصادية (أ ف ب)

كمثيلاتها من شتى أنواع السلع، بخاصة الغذائية منها، أصاب جنون الأسعار حلوى المولد النبوي الشريف، وأظهرت الأسعار هذا العام تفاوتاً ملحوظاً من ناحية الجودة والخامات المستخدمة في التصنيع وطريقة التغليف، فما بين عبوة زنة كيلوغرام تباع بسعر 100 جنيه (3.1 دولار أميركي) بيعت عبوة أخرى بالحجم ذاته بأسعار تراوح ما بين ثلاثة وأربعة آلاف جنيه (130 دولاراً تقريباً).

وعلى رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، فإن حلوى المولد النبوي لا تزال أحد الطقوس الشعبية المهمة لدى المصريين. ويرى متخصصون في علم الاجتماع أن المواطن لن يقلع عن عادة شراء حلوى المولد مهما تدهورت ظروفه الاقتصادية، فهي تدخل الفرحة على نفسه وذويه، وإن كان كثر قد عمدوا إلى تقليل الكميات خلال الأعوام الأخيرة تحت وطأة الغلاء.

حفاظاً على العادات

تقول آيات محمد (ربة منزل) إن شراء حلوى المولد عادة لا يمكن لأغلب الأسر التخلي عنها، مشيرة إلى أنها مناسبة سنوية للفرحة بذكرى مولد الرسول محمد. وحلوى المولد متاحة للبيع في المحال التجارية والبقالة وفي شوادر لمحدودي الدخل كل بحسب قدراته المالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت آيات لـ"اندبندنت عربية" أن الأسعار تختلف باختلاف المنطقة وقدرات المواطن المادية، فهناك عبوات تبدأ من 50 جنيهاً وأخرى بأضعاف هذا المبلغ، والجودة هي الفارق الوحيد بين كل نوع وآخر، فهناك أنواع رخيصة بطبيعة الحال وهي المعروفة باسم "العلف"، ومنها "السمسمية" و"الفولية" و"الحمصية"، إذ يباع القرص الواحد بدءاً من 50 جنيهاً (1.8 دولار). ويختلف السعر أيضاً باختلاف طريقة التعبئة، وهل العبوة من الكارتون أم من الخشب أو المعدن.

ويضيف عبدالله يسري (موظف) أنه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة توقف عن شراء حلوى المولد، مكتفياً بما يتلقاه من عبوات مجانية تهديها له بعض الشركات التي يتعامل معها، إذ يوزع ما يزيد على حاجته على أقاربه.

زيادات سعرية

وارتفعت أسعار حلوى المولد النبوي خلال العام الحالي بنحو 40 في المئة مقارنة بأسعار العام الماضي، وفقاً لمدحت الفيومي رئيس شعبة الحلويات بغرفة الدقهلية التجارية، مؤكداً أن أسعار حلوى المولد قفزت بشكل كبير هذا العام وبنسبة تصل إلى 70 في المئة مقارنة بالأعوام السابقة.

وأوضح الفيومي في تصريحات صحافية أن زيادة أسعار مستلزمات الإنتاج مثل السكر والسمسم والفول السوداني والعسل الخام تسببت في ارتفاع أسعار المنتج النهائي، إضافة إلى التغليف إذ ارتفعت أسعار الورق بنسبة 100 في المئة، مشيراً إلى أن سعر برميل العسل الخام زنة 370 كيلوغراماً ارتفع من 4200 جنيه إلى تسعة آلاف جنيه (292 دولاراً) خلال ستة أشهر فقط. مبدياً تخوف التجار من عدم إقبال المستهلكين على الشراء خلال موسم المولد النبوي الحالي بسبب ارتفاع الأسعار.

 

 

ويؤكد نائب رئيس شعبة الحلويات بغرفة الإسكندرية التجارية أحمد الحندويلي أن أسعار حلوى المولد ارتفعت هذا العام بنحو 30 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مؤكداً زيادة قيمة الخامات الأولية واتجاه المصنعين إلى خفض إنتاجهم ليصبح نحو ثلاثة أطنان بدلاً من خمسة أطنان كما هو المعتاد كل عام. نافياً تراجع إقبال المواطنين على الشراء، ومؤكداً أن التراجع انحصر في حجم الكميات المبيعة.

دعوات إلى المقاطعة

من جانبه، دعا رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" (وهي جمعية أهلية تراقب أسعار السلع في مصر) محمود العسقلاني إلى مقاطعة حلوى المولد هذا العام بعد الارتفاع الجنوني في أسعارها، مشيراً إلى أن أسعار بعض العبوات لامست حدود الـ10 آلاف جنيه (325 دولاراً).

وأشار العسقلاني لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الأسعار تضاعفت بنسبة 100 في المئة خلال 2023 في وقت يعاني المواطن ارتفاع أسعار الأغذية، بجانب قرب بدء الدراسة التي تتطلب توفير ملابس وغذاء ملائم للطلاب ونفقات توصيل ورسوم مدرسية، وهي نفقات ذات أولوية ومقدمة على شراء حلوى المولد.

 

 

ويشير إلى أن ظروف المواطن المصري سيئة للغاية هذا العام، مطالباً تجار الحلوى بطرح الكميات المخزنة لديهم بأسعار مخفضة وبالحد الأدنى للكلفة والربح أيضاً لسرعة بيعها خلال الموسم الحالي منعاً من تخزينها للأعوام المقبلة، فـ"الأولوية لدى رب الأسرة للبصل والطماطم والرز لا حلوى المولد".

وطرحت وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، ممثلة في الشركة العامة لمخابز القاهرة الكبرى، كميات من حلوى المولد في المنافذ التابعة لها بتخفيضات تتراوح بين 20 و25 في المئة، مع منح تخفيضات خاصة للشركات والمؤسسات الراغبة في التعاقد على كميات للعاملين بها.

كما طرحت منافذ المجمعات الاستهلاكية ومنافذ وزارة الزراعة عبوات مختلفة من حلوى المولد بأسعار تبدأ من 85 جنيهاً (2.9 دولار) لعبوة الحلوى "السادة" زنة كيلوغرام، كما طرحت عبوة حلوى "سادة لوكس" زنة كيلوغرام واحد بـ100 جنيه (3.1 دولار)، فيما سجل سعر العبوة "الفاخرة" بالمكسرات زنة كيلوغرامين 300 جنيه (10 دولارات).

طقس ديني

سامية خضر المتخصصة في علم الاجتماع أكدت أن الظروف الاقتصادية الصعبة لا تقتصر على المصريين فقط، ولكنها أزمة أصابت جميع الدول، مشيرة إلى أن هذه العادة هي موروث ثقافي وديني ارتبط به المصريون وله مردود نفسي ومجتمعي على المواطنين يتمثل في سعادتهم بقدوم تلك المناسبة والسعي إلى إدخال السرور على أسرهم بشراء حلوى المولد.

وأضافت أن "تعود المواطن على شراء حلوى المولد في كل عام شكل عادة ليس من السهل التخلي عنها مهما كانت الظروف المادية التي يعانيها المواطن أو يعيشها المجتمع بشكل عام، وأكثر دعاء متداول في هذه المناسبات هو جملة (ربنا ما يقطع لك عادة) فشراء الحلوى عادة لا يمكن الإقلاع عنها بسهولة".

استهلاك زائد

رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية بمصر أحمد الوكيل أكد أن زيادة استهلاك المصريين من حلوى المولد هي السبب الرئيس لارتفاع أسعار السكر. مرجعاً الزيادة الكبيرة في أسعار حلوى المولد النبوي إلى موجة التضخم العالمية الناتجة من تعافي الطلب بعد جائحة كورونا بشكل يفوق الإنتاج، إضافة إلى زيادة أسعار الطاقة والبترول، فبعض الدول المنتجة للسكر مثل البرازيل تتجه إلى تحويل جزء من السكر لإنتاج الوقود الحيوي، فيما ارتفعت أسعار السكر بسبب زيادة كلفة النقل أربعة أضعاف، فضلاً عن التغيرات المناخية القاسية التي ضربت عدداً من المحاصيل.

 

 

وتستهلك مصر سنوياً نحو 3.3 مليون طن من السكر، بمتوسط 34 كيلوغراماً سنوياً لكل فرد، فيما تنتج مصر محلياً نحو 90 في المئة من حاجاتها بواقع 900 ألف طن منتج من قصب السكر، و1.8 مليون طن من البنجر، و250 ألف طن من الجلوكوز والفركتوز.

تعطيش السوق

في الـ10 من يوليو (تموز) الماضي قال عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية حازم المنوفي إن هناك خطة ممنهجة لتعطيش السوق بتقليل كميات السكر التي يتم طرحها، في وقت تخزن المصانع التي تعتمد في منتجاتها على السكر كميات كبيرة منه، مما أثر في المعروض في الأسواق.

وأبدى المنوفي، في بيان صحافي، خشيته من استمرار قلة المعروض من السكر في الأسواق للمواطنين وحدوث أزمة أكثر مما تعانيه الأسواق الآن، وخصوصاً مع حلول المولد النبوي الشريف الذي يشهد استهلاك كميات هائلة من السكر لإنتاج حلوى المولد، مؤكداً أن السكر متوفر وممارسات بعض أصحاب المصانع والتجار وراء الارتفاع غير المبرر في أسعاره.

في الشهر نفسه، قالت الهيئة العامة للسلع التموينية بمصر إنها اشترت 150 ألف طن من السكر البرازيلي الخام، وتستورد مصر قرابة 350 ألف طن سنوياً، معظمها من السوق البرازيلية، ويتم تكريره في شركة السكر والصناعات التكاملية المصرية.

ومددت مصر خلال الشهر الجاري قرار حظر تصدير السكر ثلاثة أشهر أخرى، باستثناء الكميات الفائضة عن حاجات السوق المحلية، إذ يجرى تداوله في أسواق التجزئة بسعر 30 جنيهاً للكيلوغرام، وقد بدأت مصر تداول السكر على منصة البورصة المصرية للسلع في أغسطس (آب) الماضي.

تراجع الطلب

المتخصص في الشأن الاقتصادي وليد جاب الله أكد أن عدد السكان الكبير في مصر، الذي يقترب من 110 ملايين نسمة، بجانب وجود عديد من الوافدين من بلدان أخرى، هو سبب رئيس في استقرار الطلب على حلوى المولد النبوي، بل وقادر على تعويض جزء من الفارق حال تراجع أعداد المقبلين على الشراء، مؤكداً أن هناك بالفعل شرائح من المواطنين لم تعد قادرة على الشراء بعد ارتفاع الأسعار هذا العام على رغم قدرتها على الشراء العام الماضي.

وأشار جاب الله لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الوافدين لمصر يعتبرون من ذوي القدرة المالية المرتفعة بخلاف المصريين، وهؤلاء يستطيعون شراء منتجات الرفاهية ومنها حلوى المولد، لافتاً إلى أن الحلوى بها مستويات سعرية مختلفة تخاطب مختلف الفئات المجتمعية الأغنياء ومحدودي الدخل والفقراء على حد سواء.

ويرى هشام الكردي أحد النازحين السودانيين إلى مصر على أثر الأحداث الجارية في بلاده، أن أسعار حلوى المولد في مصر مرتفعة فعلاً، لكنها مقبولة لدى أبناء السودان ولا تشكل عبئاً اقتصادياً عليهم.

وأشار إلى أن الاحتفال بالمولد النبوي في السودان كانت له طقوس خاصة تتمثل في إقامة حلقات الذكر للطوائف الدينية المختلفة، وتتركز محال بيع الحلوى حول مناطق تجمع أتباع تلك الطرق والطوائف الدينية في ما يشبه منطقة "السيدة زينب" بالقاهرة، وهذا العام لا توجد أية مظاهر للاحتفال بالمولد النبوي في السودان بسبب الحرب الدائرة هناك.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات