Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يطرد أشباح الانتحار؟ نفوس سودانية مثقلة بالحرب

مئات الاتصالات يومياً تشكو القلق والاكتئاب واليأس مع خروج مستشفيات الصحة النفسية من الخدمة جراء القتال 

يتعرضون لخطر المعاناة من مشكلات نفسية قد تستمر أعواماً حتى بعد الفرار من الحرب، وحتى إذا كان الفرار مبكراً (أ ف ب)

ملخص

كيف أثرت الحرب على صحة السودانيين النفسية؟

أصوات الرصاص وفقدان الأرواح والممتلكات ومشاهد الدماء في الشوارع والخروج من الديار بالإكراه وغيرها كانت مخرجات الاقتتال بين طرفي النزاع في السودان، قوات "الدعم السريع" والجيش الوطني، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، حيث أدى الصراع لإجبار أكثر من ثلاثة ملايين شخص على الخروج من العاصمة الخرطوم والنزوح إلى ولايات آمنة وبعضهم إلى دول الجوار. 

لم تكن هنالك مؤشرات إلى أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، فبحسب شهود عيان "كان الوضع مع أول رصاصة في القتال غريباً وأشبه بالحلم".

كثيرون ممن شهدوا الحرب أكدوا على منصات التواصل الاجتماعي أنهم يعانون حالات نفسية سيئة، مع انتشار الاكتئاب حتى بين أولئك الذين لم يشهدوا الحرب ولكنهم فقدوا ممتلكاتهم جراءها. 

صدمات نفسية 

دراسات عدة أثبتت أن للحروب آثارها النفسية المؤلمة، حيث "يعاني الأشخاص الذين يشهدونها من تأثيرات خطرة بما فيها الصدمة والقلق والاكتئاب واضطرابات الإجهاد، والتي يمكن أن تستمر لفترة طويلة حتى بعد انتهاء الحروب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الصدد تقول المتخصصة النفسية نيفين إمام، إن "واحدة من أكثر الأسباب في انتشار الصدمات والأمراض النفسية بمختلف أنواعها بداية بالاكتئاب والفصام وغيرهما من المضاعفات التي تؤدي في الغالب إلى الانتحار سببها الحروب، حيث نجد أن المناطق التي تعاني الحرب والفقر والدمار وكثرة الدماء وانتشار الجثث وحوادث الاغتصاب يتعرض 70 في المئة من سكانها للأمراض النفسية التي تستدعي تدخلاً طبياً في أسرع وقت". 

أكثر المتضررين 

عن الفئات الأكثر تعرضاً لهذه الهزات النفسية تقول إمام، إنهم الشباب، حيث يجدون أنفسهم فجأة وقد فقدوا وظائفهم أو دراستهم وأصبح مستقبلهم غامضاً ومجهولاً مما يؤدي لإصابة عدد كبير منهم بصدمات نفسية تؤدي للانتحار، وحتى الذين لا يصلون إلى هذه المراحل الخطرة فإنهم يعيشون في حال قلق دائم ونوبات هلع وصدمات تستمر لأعوام طويلة وربما مدى الحياة إذا لم يتم التدخل طبياً للسيطرة عليها. 

أما عن الأطفال وتأثرهم بالحرب فتقول إمام، "هم الفئة الثانية الأكثر عرضة للصدمات النفسية بعد الشباب مباشرة، حيث يتعرضون لخطر المعاناة من مشكلات قد تستمر أعواماً حتى بعد الفرار من الحرب، وحتى إذا كان الفرار مبكراً، لأن مجرد العيش في ظل ضغط نفسي ولو لأيام محدودة كفيل بخلق مشكلات عقلية ونفسية وعصبية تحتاج إلى تدخل نفسي سريع". 

وتضيف إمام، "أولئك الذين لم يعانوا مشكلات نفسية ظاهرية ممن شهدوا الحرب هم أيضاً يحتاجون رعاية طبية، حيث تزيد احتمالية إصابتهم بصدمة نفسية تمنعهم من التعبير عن شعورهم وتجعلهم هادئين لا يعبرون عن قلقهم أو خوفهم أو غير ذلك من المشاعر التي تدل على الإصابة باضطرابات نفسية، وهذه الفئة أكثر تضرراً ويجب أن يتم التركيز عليهم لأنهم في الغالب لن يعبروا عن أية مشاعر سلبية ما داموا في مرحلة الصدمة، بالتالي لن يتم عرضهم على أطباء نفسيين، والكارثة أن هذه الصدمات النفسية في أحيان كثيرة تستمر لسنوات عدة". 

خط طوارئ 

بعد الحرب نشط بعض المتطوعين وفتحوا خطوطاً ساخنة لاستقبال الحالات التي تعاني صدمات ومشكلات نفسية جراء الحرب، وتستقبل تلك الخطوط مئات الحالات اليومية، وكانت أفكار الانتحار هي الأكثر تردداً على ألسنتهم. 

في هذا السياق تقول الناشطة النسوية والمتطوعة سارة محمد، إنه "خلال الفترة الأولى لم نستقبل سوى مكالمات قليلة عبّر أصحابها عن قلقهم وحالهم النفسية غير المستقرة، وآخرون كانوا يعانون مشكلات نفسية قبل الحرب وأكدوا أن حالهم النفسية في تدنٍ مستمر، وبعد 10 أيام من إطلاق الخط الساخن كنا نستقبل مئات الاتصالات اليومية التي يشكي أصحابها من اليأس والقلق والتوتر والأفكار الانتحارية". 

 

 

وتضيف أن "الحالات كان يتم تسجيلها حتى أصبح الأمر أشبه بالعيادة، حيث يتم تحويل المريض إلى طبيب متخصص وتوفير الأدوية اللازمة له، وهناك حالات كثيرة كانت تطلب المساعدة بسبب التعرض للاغتصاب، وآخرون بسبب تعرض أحد أفراد أسرهم لهذا الفعل الإجرامي".

وتتابع أن "عدد الحالات يزداد وينقص، حيث وصل إلى ذروته في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، أي بعد مرور شهرين من الحرب، وفي هذا التوقيت بالذات شهدنا حالات تعاني قسوة الأوضاع، واشترك أغلبهم في وجود دوافع انتحارية لديهم". 

خروج من الخدمة 

وكالة الأنباء الفرنسية نشرت تقريراً أكدت فيه تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية في السودان بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة. لكن الكارثة كانت في خروج مستشفيات الصحة النفسية من الخدمة مثل مستشفى "التجاني الماحي" بأم درمان الذي كان يستقبل مئات الحالات يومياً، فضلاً عن تدمير شامل وتام لأغلب المستشفيات والعيادات النفسية في الخرطوم.

المواطن السوداني محمد السر قال لـ"اندبندنت عربية"، إن ابنته البالغة 27 سنة "تعاني مشكلات نفسية منذ خمس سنوات وتتلقى العلاج في مستشفى (التجاني الماحي) بصورة دورية، ولكن بسبب اندلاع الحرب نزحوا إلى إحدى ولايات السودان، ومن وقتها ومع انقطاع الدواء أصبحت حالها النفسية في تردٍ ملحوظ ووصلت الآن إلى مراحل سيئة جعلتها تريد إيذاء نفسها ومن حولها". 

حسام جعفر الطبيب النفسي أكد أن "أغلب المشكلات النفسية تحتاج إلى متابعة مستمرة ولا ينفع معها التواصل (أونلاين) مع الطبيب، حيث يجب أن يخضع المريض لجلسات دورية مع طبيبه، ومع انقطاع هذا الأمر بسبب الحرب سنشهد تردياً ملحوظاً في حال المرضى ربما يؤدي إلى وفاة أعداد كبيرة منهم وانتحار بعضهم إذا لم تتوافر رعاية طبية عاجلة في الولايات المختلفة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات