ملخص
تعد اللغتان العربية والفارسية من اللغات الرئيسة التي أثرت في الثقافة التركية لقرون عدة
قبل قيام الجمهورية التركية بدأت حركات تبسيط اللغة من قبل لجنة "الاتحاد والترقي" خلال فترة حكم جينك كاليملر، وبدأ الموضوع من خلال مقالة نشرها عمر سيف الدين من دون توقيع تحمل عنوان "العبارات والمصطلحات العربية والفارسية في اللغة"، ومع مرور الوقت انعكس ذلك في مجال الأدب والسياسة.
تعد اللغتان العربية والفارسية من اللغات الرئيسة التي أثرت في الثقافة التركية لقرون عدة، وإلى جانب هاتين اللغتين استعارت اللغة التركية كلمات لا حصر لها من الفرنسية واليونانية وكثير من اللغات الأوروبية الأخرى، فيما كان التأثير الأكبر للعربية والفارسية.
ويعتقد كثير من المتخصصين بأن اللغة العربية هي اللغة السائدة في مرحلة "الأسلمة" لأنها لغة "العبادة"، وعلى رغم ذلك تعلم جزء من الأتراك الإسلام من خلال تأثرهم بالفارسيين، لذلك نجد أن المصطلحات الأساسية مثل "النبي" و"الوضوء" هي مصطلحات فارسية.
اللغة الأصعب
اللغة العربية نسميها "اللغة الملتوية"، بمعنى آخر عندما تتلقى الكلمة لاحقة تتغير بنيتها فيتغير جسد الكلمة، ومع ذلك نجد أنه في اللغة التركية يحتفظ الفعل بجذره عندما يأخذ لاحقة مشتقة، ولا يتغير الجذر إلا في حالات استثنائية، أما في اللغة العربية فيمكن تحريف الكلمة عن طريق تغيير الجذر لاشتقاق معانٍ مختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ناحية أخرى من الصعب للغاية على التركي أن يصدر أصواتاً عالية النبرة في المصطلحات العربية، لذلك كانت الكلمات الفارسية أسهل وأكثر فائدة للأتراك من حيث المركبات والعبارات وأدوات العطف، كما أدى تزايد توافر اللغة الفارسية في الأدب والحياة اليومية إلى تسريع استخدام الناس المكثف للكلمات من هذه اللغة.
أما بالنظر إلى الأعمال المكتوبة في العصرين السلجوقي والعثماني من الناحية العددية، فإن عدد الكلمات العربية قد يكون متقدماً على الفارسية، لكن عندما ننظر إلى الاستخدام الشعبي وانعكاسه على مجال الأدب، يمكن القول إن الأتراك هم بالتأكيد تحت تأثير اللغة الفارسية أكثر، وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحضارات العظيمة لا تختفي لأنها اعتمدت كلمة واحدة غريبة في لغتها، بل على العكس من ذلك فإن القدرة على معالجة الكلمات الأجنبية هي أحد العناصر الرئيسة التي تغذي لغة الفرد.
بحسب عمر سيف الدين، وهو صاحب أهم الأقلام الشابة التي بدأت حركة التأميم في اللغة، فإن التحسن الوطني في اللغة لا يعني حذف الكلمات العربية أو الفارسية وإدخال الكلمات التي ماتت في سهول آسيا الوسطى داخل القاموس، والكلمة التي يستخدمها الشعراء والتجار والطلاب الذين يعيشون في اللغة هي من اللغة التركية بغض النظر عن أصلها، ويجب أن تكون الكلمة وظيفية أولاً ثم جمالية، كما يجب ألا تخالف الكلمة المأخوذة قواعد اللغة الأصلية.
كلمات وافدة
في هذا السياق، عندما نزيل الكلمات التي انتقلت من اللغة الفارسية إلى لغتنا عبر التاريخ والتي لا غنى عنها اليوم للغة اليومية، فإننا نوصل اللغة التركية إلى حافة الدمار، ودعونا نرى ما هي هذه الكلمات، إذ سأعرضها وفق الترتيب الأبجدي للمصطلحات الأكثر أهمية:
حرف الألف: الوضوء والصمت والانسجام والهدف والكمثرى والرغبة والنظام العام وواضح والنار والمتشرد وبصوت عال والثريا وطقوس وتوبيخ وتحرير... إلخ، وتطول القائمة أكثر فأكثر على رغم أننا ما زلنا في الحرف الأول فقط.
حرف الباء: ساق وربيع وطرف وبهتيار وبامية وبارود وحر وخصر وبيست وحصان وعديم الجدوى وعاجز... إلخ.
حرف الجيم: ساحرة وزجاج وروح ووحش وجندر وخام وحرب وزئبق وذخيرة وكبد وعالم وبخيل ومتحمس وكريم... إلخ.
حرف "تشي": سريع وخيمة وغسيل وصليب وعلاج وورقة ودائرة وخطاف ونافورة ورشيق وتأجيج وزوجين ومحنة وقبيح وراعي وحساء وقمامة... إلخ.
ثم تصبح الأمور أكثر غرابة عندما تنتقل إلى الحرف التالي.
الدال: جبل ومربية ومشكلة وبحر ودرويش وملحمة ولسان وصديق وخزانة وجدار وصادق وعدو... إلخ.
ومع نفاد المساحة يتعين علينا تقليل الأمثلة بشكل أكبر.
حرف الياء: رخامي وأسطورة وتنين وشخصية وقلق وصهر وللأسف والحفظ... إلخ.
حرف الفاء: فول سوداني وفيل وكوب وفيروز وعويل وفرد... إلخ.
أما الحرف الذي ترك بصمة واضحة في اللغة التركية فهو "الجيم": الرقبة والعروس والرحلة والثرثرة والمفضلة والوردة وقوية... إلخ. ونظراً إلى عدم وجود كلمات تبدأ بحرف "الجيم الناعم" باللغة التركية، فإننا نتجاهلها.
حرف الهاء: أسبوع وصحيح ونزل وأسرة ومستشفى وجزرة وممرضة ودائماً ومع ذلك والجميع وغد ولا شيء وخوجة ولطيف وموهبة... إلخ.
أما حرف الـ"آي"، فقد وجدنا عدداً أقل نسبياً من الكلمات التي تحوي عليه: التين والتعذيب والكرشة والإبريق والإخصاء... إلخ.
حرف الكاف: بطيخ وبطل وقتال ومشمش وأصفاد ورأس وكمان وحافة وخشب ومدمن وراهب وكشكول وليمون وكرات لحم وقصر... إلخ. وحرف الكاف يشبه كومة لا نهاية لها من الكلمات.
حرف اللام: لافاش وليمون وليفنت وحوض... إلخ.
حرف الميم: ماء وحصيرة ومكوك وعدس ومومياء وختم... إلخ.
حرف النون: رقم واسم ورمان وشيشة ونرجس... إلخ.
حرف الواو: هناك كلمتان تبدآن بهذا الحرف وهما مثيرتان للاهتمام، إحداهما هي "الصيام"، والأخرى (ruspi) وتستخدم كـشتيمة.
حرف الباء: سلطان وترياق وقطن ومال وقطعة وسوق والأب والستار والبوصلة والبائس... إلخ.
حرف الراء: مربى ومزارع ولون وملون وقفص ورياح... إلخ.
حرف السين: هذا الحرف يفاجئنا بكلمات لا نهاية لها، منها سكران ومزيف وعادي وشطرنج وخضراوات وطاولة القهوة وسراب وحر وسنجاب وعتاب وقاس ومتشرد... إلخ.
حرف التاء: عرش وحبوب وقرفة ومقلاة ومهرا وطازج وطباشير وكسول وجلد وموازين وخياط وأطروحة ومخلل وبندقية وعمامة... إلخ.
حرف الواو: سيد وماكينة حلاقة وأمل... إلخ.
حرف "في": هذا الحرف يظهر في مصطلحات محدودة جداً، إذا ما أخذنا في الاعتبار انعكاس استخدامه في الحياة اليومية.
حرف "يي": نهب وعميل وبريء ومساعدة وياسمين ووحيد... إلخ.
حرف الزاي: زمهرير (سم) وأرض وزراعة وصعب... إلخ.
ماذا لو حذفناها؟
والأمثلة التي ذكرتها لها هدفان رئيسان، الأول والأهم هو التأكيد على أن اللغة التركية "لغة حضارة"، سواء من الشرق أو الغرب، وقد تمت تغذيتها وتقويتها لقرون عدة، وبقيت التدخلات المصطنعة في اللغة التركية غير مجدية، وكما تعلمون في بعض الأحيان تتم إساءة تفسير هذا النظام الرائع للغة التركية لدرجة أنه تم طرح الفرضية القائلة إن اللغة التركية هي اللغة الأولى، وكان الراحل زكي فيلدي توغان ينتقد من طرح هذا الادعاء بطريقة فكاهية بالقول "إذا كانت كل اللغات مشتقة من التركية، فلماذا تستمرون في حذف الكلمات غير التركية من اللغة؟".
الهدف الآخر هو رؤية تأثير اللغة الفارسية في حياتنا اليومية نحن الأتراك، وفي رأيي أننا في هذه المقالة أجبنا عن سؤال عمر سيف الدين، الاسم الأعظم للقومية التركية، الذي قال "أتساءل ماذا سيحدث لو أزلنا اللغة الفارسية فقط من القاموس؟"، كما أنه صرح قبل قرن من الزمان بأن "هذه جريمة قتل للأتراك".
ربما سنبين في مقالات تالية ماذا سيحدث للغة التركية لو أزلنا منها الكلمات اليونانية والأرمينية، وعلى رغم ذلك تجدر الإشارة إلى أننا عرضنا في هذه المقالة الكلمات التي أخذناها من اللغة الفارسية واخترناها فقط من الكلمات المستخدمة في الحياة اليومية، لكن ما نأخذه من العبارات الاصطلاحية والمركبات وأدوات العطف من هذه اللغة يشكل موضوعاً لمقالة منفصلة.
نقلاً عن "اندبندنت التركية"
ملاحظة: الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي المؤلف، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت التركية".