سلط اقتحام دير في شمال كوسوفو الضوء على المشكلات المستمرة في المنطقة التي يغلب الصرب على سكانها بعد 15 عاماً من إعلان بريشتينا استقلالها.
وعاد الوضع هادئاً في دير بشمال كوسوفو تحصن فيه لساعات عدة نحو 30 مسلحاً إثر مقتل شرطي، بحسب ما أفاد وزير الداخلية جلال سفيتشلا.
وقال وزير الداخلية في مؤتمر صحافي "استعدنا السيطرة على هذه المنطقة بعد معارك عدة". وحاصرت قوات الشرطة منذ ظهر أمس الأحد المسلحين المذكورين الذين تحصنوا داخل الدير.
يأتي الإعلان في أعقاب يوم سادته فوضى بدأ في وقت مبكر، الأحد، عندما قتل شرطي وأصيب آخر في كمين تعرضت له دورية شرطة قرب قرية بانيسكا.
وفر المسلحون إلى دير قريب تحصنوا فيه وتبادلوا إطلاق النار مع شرطة كوسوفو لساعات، مع مقتل ثلاثة مهاجمين في الأقل في القتال.
وكان رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي قد أعلن أن 30 مسلحاً تحاصرهم السلطات، مطالباً إياهم بالاستسلام. وذكر سفيتشلا أن الشرطة نفذت عدداً من الاعتقالات خلال العملية وصادرت كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، ولكن ما زال من غير الواضح أن تم اعتقال جميع المسلحين خلال العملية. وهذه من أخطر حالات التصعيد في كوسوفو منذ سنوات، بعد أشهر من التوترات المتصاعدة وتوقف المحادثات بين الحكومة في بريشتينا وصربيا.
وذكر بيان صادر عن الأبرشية أنه داخل الدير "كانت هناك مجموعة من الحجاج جاءت من نوفي ساد وكاهن". ولضمان سلامتهم احتموا داخل الدير بعد أن اقتحم رجال ملثمون "دير بانجسكا بمدرعة، وكسروا البوابة".
ومنذ الحرب التي انتهت عام 1999 بقصف حلف شمال الأطلسي، انتقلت العلاقات بين بريشتينا وبلغراد من أزمة إلى أخرى. ويشهد شمال كوسوفو، حيث تتركز الأقلية الصربية، اضطرابات متكررة. وتفاقم الوضع فيه فجأة في مايو (أيار) الماضي حين قررت سلطات كوسوفو تعيين رؤساء بلديات ألبان في أربع مناطق معظم سكانها من الصرب.
ماذا وراء الخلاف؟
جاء استقلال كوسوفو ذات الغالبية الألبانية في 17 فبراير (شباط) 2008 بعد نحو عقد من انتفاضة مسلحة على الحكم الصربي القمعي. ويعترف بها أكثر من 100 دولة.
ومع ذلك، لا تزال صربيا تعتبر كوسوفو رسمياً جزءاً من أراضيها. وتتهم صربيا الحكومة المركزية في كوسوفو بالتعدي على حقوق الصرب، لكنها تنفي الاتهامات بإثارة الصراع داخل حدود جارتها.
ويشكل الصرب خمسة في المئة من سكان كوسوفو البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة في حين يشكل الألبان 90 في المئة تقريباً. ويعبر نحو 50 ألف صربي في شمال كوسوفو، على الحدود مع صربيا، عن رفضهم لكوسوفو برفض دفع كلف الطاقة التي يستخدمونها للدولة، وكثيراً ما يهاجمون الشرطة إذا حاولت إلقاء القبض على أحدهم.
ويحصل جميع الصرب على امتيازات من ميزانية صربيا ولا يدفعون أية ضرائب، سواء لبريشتينا أو بلغراد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا تفاقم الوضع؟
تصاعدت حدة الاضطرابات عندما تولى رؤساء البلديات من أصل ألباني مناصبهم في المنطقة ذات الغالبية الصربية في شمال كوسوفو بعد انتخابات قاطعها الصرب في أبريل (نيسان)، وهي الخطوة التي دفعت الولايات المتحدة وحلفاءها إلى توبيخ بريشتينا.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أقام صرب شمال كوسوفو حواجز عدة على الطرق وتبادلوا إطلاق النار مع الشرطة بعد إلقاء القبض على شرطي صربي سابق بزعم اعتدائه على أفراد شرطة في الخدمة خلال احتجاج.
ويتصاعد التوتر منذ أشهر بسبب خلاف يتعلق بلوحات ترخيص السيارات. وتريد كوسوفو منذ سنوات من الصرب في الشمال أن يغيروا لوحات سياراتهم الصربية، التي يعود تاريخها إلى حقبة ما قبل الاستقلال، إلى تلك الصادرة عن بريشتينا، ضمن سياستها الرامية إلى بسط سيطرتها على كامل أراضي كوسوفو.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت بريشتينا مهلة شهرين لتبديل اللوحات، مما أثار اضطرابات، قبل أن توافق لاحقاً على تأجيل موعد التنفيذ إلى نهاية 2023.
واحتجاجاً على التحول الوشيك، استقال رؤساء بلديات من العرق الصربي في الشمال، إضافة إلى قضاة و600 فرد شرطة هناك، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، مما أحدث خللاً في عمل المؤسسات وأثار فوضى في المنطقة.
ما الذي يريده الصرب في نهاية المطاف؟
يسعى الصرب في كوسوفو إلى إنشاء رابطة للبلديات ذات الغالبية الصربية تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي. وترفض بريشتينا ذلك باعتباره وصفة لإقامة دولة صغيرة داخل كوسوفو، وهو ما من شأنه أن يؤدي فعلياً إلى تقسيم البلاد على أساس عرقي.
ولم تحقق صربيا وكوسوفو تقدماً يذكر في هذه القضية وغيرها من القضايا منذ الالتزام في 2013 بحوار يرعاه الاتحاد الأوروبي بهدف تطبيع العلاقات بينهما، وهو شرط لكلتيهما قبل الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي.
ما دور حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي؟
يحتفظ حلف شمال الأطلسي بقوات حفظ سلام في كوسوفو قوامها 3700 جندي، وهو ما تبقى من القوة الأصلية التي كان يبلغ قوامها 50 ألفاً عندما نشرت عام 1999. ويقول الحلف إنه سيتدخل بما يتماشى مع تفويضه إذا صارت كوسوفو معرضة لخطر تجدد الصراع. وتحتفظ بعثة الاتحاد الأوروبي بنحو 200 من أفراد قوات الشرطة الخاصة في كوسوفو، وكانت هذه البعثة قد دشنت في 2008 لأغراض تدريب الشرطة المحلية وقمع الفساد ومواجهة العصابات المسلحة.
ما أحدث خطط الاتحاد الأوروبي للسلام؟
يضغط مبعوثو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صربيا وكوسوفو للموافقة على خطة، كشف النقاب عنها في منتصف 2022، تتوقف بلغراد بموجبها عن ممارسة الضغوط للحيلولة دون حصول كوسوفو على مقعد في المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة. كما تلتزم كوسوفو بموجب الخطة بتشكيل رابطة للبلديات ذات الغالبية الصربية، وسيفتح الجانبان مكاتب تمثيلية في عاصمة الطرف الآخر للمساعدة في حل النزاعات القائمة، لكن المحادثات المتعلقة بتطبيع العلاقات بين الخصمين السابقين في زمن الحرب تعثرت الأسبوع الماضي، وحمل الاتحاد الأوروبي رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي مسؤولية ذلك لفشله في إنشاء رابطة البلديات.
واتهم كورتي، الذي وافق على أن يكون لمثل هذه الرابطة صلاحيات محدودة ويمكن للحكومة المركزية إلغاء قراراتها، وسيط الاتحاد الأوروبي بالانحياز إلى صربيا للضغط عليه لتنفيذ شق واحد فقط من الاتفاق.
ويبدو أن الرئيس الصربي مستعد للموافقة على الخطة، إذ إنه حذر القوميين الرافضين من أعضاء البرلمان من أن بلغراد قد تواجه عزلة تضر بها في أوروبا إذا رفضوا الخطة، لكن لا يلوح في الأفق أي تقدم في ظل وجود المتشددين القوميين الأقوياء على الجانبين، وليس فقط بين صرب شمال كوسوفو.
ما الذي يهدد السكان الصرب؟
تكتسب المنطقة الواقعة في شمال كوسوفو، حيث يشكل الصرب غالبية السكان، أهمية فعلية، إذ إنها تشكل امتداداً لصربيا. وتتحمل بلغراد كلف الإدارة المحلية ورواتب الموظفين العموميين والمدرسين والأطباء ومشروعات البنية التحتية الكبرى.
ويخشى السكان الصرب فقدان مزايا مثل الرعاية الصحية المجانية في صربيا بمجرد دمجهم بشكل كامل داخل كوسوفو، مما سيدفعهم إلى الانضمام إلى نظام خاص للرعاية الصحية في كوسوفو، كما يخشون أن تكون معاشات التقاعد أقل نظراً إلى أن متوسط المعاش الشهري في كوسوفو يبلغ 100 يورو (107 دولارات) مقارنة بمعاش يبلغ 270 يورو (288 دولاراً) في صربيا.