ملخص
إياد علاوي يروي تفاصيل محاولة اغتياله على يد الاستخبارات العراقية في سبعينيات القرن الماضي.
أزاح رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي الستار عن محاولة الاستخبارات العراقية اغتياله خلال وجوده في لندن فجر الرابع من فبراير (شباط) 1978، خلال فترة كان صدام حسين يسيطر على مفاصل الحكم تحت عباءة الرئيس أحمد حسن البكر.
محاولة اغتيال علاوي سبقتها تهديدات كثيرة منذ تركه حزب البعث كلياً عام 1975، حين سلم التنظيمات التي كان مسؤولاً عنها في عام 1974، ثم في العام التالي شكل ضمن مجموعة ما عرف سراً "الوفاق الوطني"، لكن توالت التهديدات والإغراءات حتى عام 1978 عندما "لعبوا لعبة قذرة جداً"، على حد وصفه.
"كمين" الانقلاب
إياد علاوي وفي لقائه مع صحيفة "الشرق الأوسط" حكى تفاصيل ما دار في العاصمة البريطانية، قائلاً "أرسلوا إليَّ في لندن شخصاً سمى نفسه (جهاد الدليمي). اتصل بي وقال إنه يريد أن نلتقي بشكل عاجل. كانت وردتنا، عبر جماعتنا وأصدقائنا وإخواننا، معلومات بأن هناك 13 شخصاً سيتعرضون للاغتيال".
أما قائمة الاغتيال فتشمل إياد علاوي وطالب شبيب وحازم جواد وتحسين معلا وحميد الصايغ وغيرهم، وجميعها تتعلق بحزب البعث، وهنا يضيف علاوي "قال جهاد الدليمي، أنا آت إليك. لم أكن أعرفه، وأخذت حذري من الذهاب إلى المكان الذي كان يسكن فيه، وكان في فندق لكنه بقي يلح إلحاحاً كبيراً، فظننت أن لديه قضية مهمة".
وتابع "كان هذا قبل الاعتداء بشهر، أعطاني اسم الفندق الذي كان ينزل فيه في إيرلز كورت (غرب لندن)، واتصلت به من هاتف عمومي قبالة الفندق، فقال إنه موجود في الداخل. قلت له: خلال نصف الساعة أكون عندك، لكنني لن أستطيع أن أتأخر في اللقاء".
ظل رئيس الوزراء العراقي الأسبق يراقب الفندق اللندني حتى اطمأن قلبه إلى عدم وجود أي حركة مريبة، ومع اللقاء بدأ يتحدث عن عملية انقلاب في العراق يجرى التخطيط لها وأنه مبعوث من أشخاص يحترمون علاوي وفي مقدمتهم سعيد ثابت أحد الشخصيات البعثية الكبيرة (قبل رحيله).
لكن علاوي كان رده حاسماً على المبعوث الغامض "أنا ليس لديَّ شيء أقدمه، ولست مستعداً للتآمر. أنا أعمل الآن في المجال الطبي ومتفرغ له". وعقب تلك الواقعة نصحه أصدقاء بضرورة الاتصال بالسفير العراقي في بغداد أو حزب البعث وإبلاغه بما دار.
اكتفى إياد بالاتصال بأحد أصدقائه في جهاز الأمن والاستخبارات العراقي، واسمه نزار وهو الآن لاجئ سياسي في كندا، وطلب منه محاولة التأكد من إرسال شخص إليه، مضيفاً "بالفعل بعد 10 أيام اتصل بي صديقي وقال لي إن جهاز الاستخبارات أرسل لك شخصاً سمى نفسه (جهاد الدليمي)، نسيت اسمه الحقيقي. تفاجأت بهذا الكلام على رغم أنني كنت أتوقع ممارسات انتقامية".
بعد تأكده من محاولة توريطه في الانقلاب المزعوم، سارع إياد علاوي للقاء أحد مسؤولي تنظيم الحزب العراقي في فندق بلندن وأعطاه تفاصيل كل ما دار، فابتسم القيادي البعثي ورد عليه "تأخرت يا دكتور في إخبار الحزب".
دماء الاغتيال
بعد شهر بالتمام من واقعة الدليمي وقصة الانقلاب جرت محاولة اغتيال إياد علاوي، التي يقول عنها، "كان ذلك ليل 3- 4 فبراير 1978، في منطقة اسمها إبسوم في ساري (جنوب غربي لندن)، حيث كنت أقيم مع زوجتي الأولى التي توفيت رحمها الله، وأصيبت بجرح بالغ خلال المحاولة".
وأضاف "كنت في عملي في المستشفى ليلاً، ثم لبيت دعوة عند الأصدقاء الأكراد، وكنا نتحدث في السياسة، وعندما عدت نحو منتصف الليل إلى البيت، وكنت متعباً. كنت معتاداً أن أبقي الستائر مرفوعة قليلاً، ويدخل من خلالها ضوء بسيط من الشارع، لكن عند نحو الثالثة فجراً سمعت صوتاً، ففتحت عيني ورأيت شبحاً قرب سريري. توهمت أنني أحلم لكنني رأيت شيئاً يلمع متجهاً نحوي، فقلت: هذا ليس حلماً".
تلقى علاوي عدة ضربات، يذكر عنها "ضربني الشبح فوراً في رجلي، وشعرت كأن ناراً دخلت فيها. الركبة اليسار لم أعد قادراً على تحريكها، وتلقيت ضربات وعضات في يدي، وتهشيماً بالأظافر في صدري، وشعرت بماء حار على رأسي. ماذا يجري؟ استمرت هذه المسألة نحو دقيقتين أو ثلاث دقائق، ثم أشعلت زوجتي الضوء، وأصيبت فوراً بهستيريا، وهجمت على هذا الشخص تلقائياً، وهو طويل ومدرب، لدرجة أنه خلع اثنتين من أسنان زوجتي بيده. استمررنا نتعارك وأنا ممسك بـ(الطبر) أي الفأس وأمنعه من استخدامها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تبين لاحقاً أن الماء الحار الذي شعر به أنه دم نتيجة ضربة في الرأس، وأن العظام خرجت من رجله اليمنى، وظلت المعركة دائرة بين علاوي وزوجته (طرف أول) والمهاجم (طرف ثان) بين 10 و12 دقيقة، إلى أن أمسك بالفأس وضربه في رجله ليسارع مغادراً.
استمر علاوي في رواية دقائق محاولة اغتياله "اتجه المهاجم إلى باب الغرفة ليغادر، فزحفت وقلت لزوجتي أن تبقى خلفي، ووصلت إلى (التواليت)، وأخذت عبوة عطر ورميتها عليه، فالتفت إليَّ ليرى إن كنت ميتاً أم حياً، وكانت الدماء تغطي أرض الغرفة والجدران، وما إن التفت إليَّ، وعرفت أن المسألة سياسية، شتمته، أنتم فعلتم ذلك لأنكم جبناء، ولكن إن أعطاني الله الحياة فسأقلع عيونك وعيون صدام، وإذا مت فهناك من سيأخذ ثأري، وعندها أدار رأسه وخرج لاعتقاده أنني لن أبقى حياً. لاحظت أنه كان برفقة شخص آخر على وسطه مسدس".
اتصل علاوي بالمستشفى وطلب إحضار إسعاف وأبلغهم بما دار وضرورة إبلاغ الشرطة، ولعب الحظ دوره لكون المستشفى قريباً من مقر إقامته. ويقول "في أقل من خمس دقائق وصلت الشرطة والإسعاف، ونقلونا فوراً إلى المستشفى، ووضعونا في غرفتين منفصلتين. قالوا لي إن جراحاً زائراً سيأتي ليجري لك الجراحة المطلوبة، وسنعطيك إسعافات أولية ريثما يصل. فقلت لهم لا تفعلوا شيئاً حتى يأتي ابن عمي. أعطيتهم رقمه ليتصلوا به، وكان بيته قريباً".
وتابع "حضر جعفر علاوي - أصبح لاحقاً وزير الصحة في العراق - مع زوجته وأخته، فطلبت منه الاتصال بصلاح شبيب وتحسين معلا وحميد الصايغ وتحذيرهم من محاولة اغتيال لكونهم على القائمة نفسها".
لم يكتف رجال صدام حسين بذلك بل ذهبوا إلى مشرحة المستشفى للتأكد من موته لكنهم فوجئوا بعمال ينقلون إحدى الجثث ففروا هاربين، وهذه واقعة أخبره بها رئيس قسم مكافحة الإرهاب في سكوتلانديارد، جيم نيفل، ومساعده ورنوك، اللذين توليا التحقيق فيها.
بعد علاجات وعمليات استمرت شهراً في المستشفى البريطاني وتحت حماية مسلحة من شرطة مكافحة الإرهاب، تلقى علاوي سؤالاً من الشرطة مع عدد من المدنيين عما إذا كان يتآمر على الحكم في العراق.
أجرت الشرطة البريطانية تحقيقات "فظيعة" - بحسب وصف إياد علاوي - ووجدوا ساعة المعتدي وآثاراً من دمه، وكانت الساعة من ماركة موجودة بكثرة في العراق وغير موجودة في بريطانيا، إذ كانت مصنوعة في اليابان بشكل خاص للقصر الجمهوري العراقي، "كانوا دقيقين. أخذوا بصمات أصابعه". ولمزيد من التأمين جرى نقله إلى مستشفى آخر تحت هوية مواطن لبناني.
المشرف على الاغتيال
تمكن منفذا محاولة الاغتيال من مغادرة الأراضي البريطانية إلى فرنسا ومنها عادا إلى العراق، وعن هذا يقول علاوي "طبعاً كانوا يسافرون بجوازات مزورة، وأحياناً بجوازات دبلوماسية، لكن اللافت أن برزان التكريتي (أخ غير شقيق لصدام) جاء إلى باريس ليشرف على العملية من هناك".
ومضى في رواية ما دار لاحقاً، "أبلغ صحافي بريطاني مهتم بشؤون العراق (سكوتلانديارد) أن برزان كان في باريس لهذا الغرض، وليلة العملية اتصل برزان بشقيقي عماد في بغداد نحو الثانية بعد منتصف الليل، قائلاً له (ما أخبار الدكتور؟)، فأجابه أخي بأني بخير، فأخذ برزان يقهقه بشكل هستيري، ثم أضاف (سلامنا له) وأقفل السماعة".
بطبيعة الحال أثار الاتصال قلق شقيق علاوي، فحاول الاتصال به في اليوم التالي لكنه لم يتمكن، وأبلغه ابن عمهما لاحقاً أن إياد وقع وكسرت رجله، وسيكلمك بعد يومين.
عقب سقوط نظام صدام حسين وعودة علاوي إلى بغداد، علم أن منفذ محاولة اغتياله موجود في تركيا، إذ يروي رئيس الوزراء الأسبق "جاءني ضابط استخبارات عراقي وعرض صورته لي وعرفته، وعلمت أنه في تركيا بتكليف من الاستخبارات العراقية لمتابعة المعارضة التي تخرج وتدخل من طريق الشمال، عبر كردستان، لكي يغتالهم، واسمك في المقدمة".
لكن الصدمة كانت عندما حاول علاوي الاتصال بتركيا فكان الرد غريباً، حين قالوا "أنتم تعدمون وتقتلون، لن نسلمكم إياه، ولاحقاً، جاء الأميركيون وعرضوا عليَّ اعتقاله وجرى إرساله إلى الأراضي العراقية بمخطط أميركي تركي قبل أن يعتقله رجال مسعود برزاني ويرسلوه إلى بغداد".
ويختتم علاوي حديثه بقوله "الأميركيون طلبوا مني أن أراه، فرفضت لئلا أفعل له أي شيء تحت تأثير الغضب. وكذلك قلت إنني أتنازل عن حقي الشخصي لكن يبقى الحق العام الذي لا يمكنني أن أتنازل عنه".