ملخص
الحكومة العراقية أصبحت في موضع انتقاد لعدم قدرتها على الدفاع عن سيادتها الوطنية
أبرزت الانقسامات السياسية في العراق ضعف الإجراءات التي تتخذها البلاد أمام التدخل الخارجي والخرق المتكرر لسيادته، وعلى رغم تكرار القصف التركي على بلاد الرافدين بحجة وجود حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، فإن بغداد تكتفي بالبيانات الرسمية المستنكرة من دون اللجوء إلى خطوات حقيقية دبلوماسية وتحشيد الرأي العالمي نحوها.
ملفات عديدة بين البلدين لا سيما التجارة والمياه والنقل، إلا أن الانقسام السياسي العراقي يضعف قرار بغداد تجاه أي رد بوجه أنقرة.
الإثنين الماضي جددت طائرات مسيرة تركية خرقها السيادة العراقية باستهدافها مطاراً عسكرياً صغيراً تستخدمه طائرات الهليكوبتر يقع في منطقة زراعية بمحافظة السليمانية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من جهاز مكافحة إرهاب إقليم كردستان العراق (شمال البلاد)، الأمر الذي دفع رئاسة الجمهورية إلى استدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه رسالة احتجاج للرئاسة التركية على خلفية قصف مطار عربت في السليمانية.
وبحسب متخصصين في الشأن الأمني والسياسي في العراق، فإن بلاد الرافدين لا يمكنها الوقوف بوجه التوغل والقصف التركي نتيجة الفروق الكبيرة في مستوى التدريب والتجهيز والقدرة على إدارة الصراع في المناطق الجبلية المعقدة.
لا مباحثات عراقية ـ تركية
لكن عضو ائتلاف "دولة القانون" سعد المطلبي أشار إلى أن ملف الاعتداءات التركية على الأراضي العراقية كثيراً ما ترك من دون نقاشات. وأكد المطلبي في تصريح صحافي أن الحكومة العراقية أصبحت في موضع انتقاد لعدم قدرتها على الدفاع عن سيادتها الوطنية وحقوقها في المحافظة على حدودها من خلال الوسائل الدبلوماسية، ونوه بأن الأمم المتحدة دائماً ما تطالب بعقد لقاءات ثنائية بين الدول المتخاصمة من أجل الوصول إلى حل يرضي الطرفين، وفي حال فشلت هذه المباحثات ستتوجه إحدى الجهات أو الجهتان نحو الخيار الأممي لحل الأزمة، وأقر المطلبي بأن ملف الاعتداءات التركية على الأراضي العراقية يخلو من وجود مباحثات جادة بين العراق وتركيا، مبيناً أن الملفات المشتركة مع أنقرة متعددة في الوقت الحالي، وعادة ما تناقش الوفود العراقية مجموعة ملفات أهمها أزمة المياه. ولفت إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تتدخل بهذا الملف كثيراً، باعتبار أن إقليم كردستان اعتبرها قضية داخلية وهو من يتعامل معها.
ودائماً ما تكرر تركيا قصفها مناطق في إقليم كردستان - العراق بحجة وجود عناصر حزب العمال الكردستاني، إلا أن استهدافات عدة راح ضحيتها مدنيون لقربهم من مواقع القصف التركي.
الانقسامات الداخلية
وقال الخبير الأمني عماد علو إن مسألة الردع والتصدي للقصف الإيراني والتركي مسألة تتعلق بالأساس بالانقسامات السياسية داخل العراق لا سيما في إقليم كردستان بين الحزبين الرئيسين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"حزب الاتحاد الوطني الكردستاني"، وأوضح أن طبيعة هذه الانقسامات تتعلق باختلاف علاقاتهما مع التنظيمات الكردستانية المسلحة المتمثلة في حزب العمال الكردستاني التركي أو قوات سوريا الديمقراطية أو حزب "الحياة" أو حزب "كومله" في إيران وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع علو أن هذه المسائل تمتد إلى الخلافات بين القوى السياسية الكردستانية والقوى السياسية في بغداد، مما ينعكس على القرار السياسي المتعلق بقرار الأمن والدفاع "ولا نرى أن هناك انتشاراً للقوات الاتحادية، أي الجيش العراقي، في إقليم كردستان، وليس مسموحاً حتى الآن بوجود الطيران العراقي فوق إقليم كردستان". ورأى أن مسألة الانتهاكات واختراق السيادة العراقية من قبل دول الجوار ستستمر إذا لم يتم الاتفاق على موقف موحد أو على قرار سياسي موحد لحل هذه المسألة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية.
قضية معقدة
وفي السياق، رأى المتخصص في الشأن السياسي العراقي مجاشع محمد التميمي أن قضية حزب العمال الكردستاني التركي واحدة من أكثر القضايا المعقدة في العراق، إذ ينتشر هذا الحزب في شمال البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتم إجراء تفاهمات مع النظام السابق على التدخل التركي لمواجهته. وقال "اليوم أزمة هذا الحزب تفاقمت لأنه يحظى بدعم إقليمي واضح، وبات جزءاً من الصراع الإقليمي التركي ـ الإيراني، والمعلومات تشير إلى أن الحزب يحصل على دعم مستمر من داخل وخارج العراق"، وعن استعداد العراق للرد على التدخل التركي، لفت التميمي إلى أن بغداد لا يمكنها الوقوف في وجه التوغل والقصف التركي نتيجة الفروق الكبيرة في مستوى التدريب والتجهيز والقدرة على إدارة الصراع في المناطق الجبلية المعقدة، "لذلك كل الحكومات العراقية المتعاقبة تدرك خطورة حزب العمال الكردستاني ومحاولاته فرض إرادته على بعض المناطق بخاصة في سنجار بمحافظة نينوى، لكن العراق لا يريد الدخول في صراع مسلح معه لتفادي الاستنزاف بخاصة أن هناك أطرافاً ستدعم الحزب".
خرق للاتفاقيات الدولية
وقال المتخصص في الشأن القانوني علي التميمي "إذا كان الذين يقومون بهذه الهجمات من داخل العراق فهذا عمل إرهابي، ويطبق عليهم قانون مكافحة الإرهاب، وعلى الصعيد الدولي هذا العمل يخالف اتفاقية جنيف الرابعة 1949، واتفاقية شيكاغو للطيران المدني الدولي 1944، التي اعتبرت الطائرات جزءاً من تراب الدولة التي تنتمي إليها، والاعتداء عليها اعتداء على تلك الدول". ولفت إلى أن استمرار هذه الاعتداءات يعتبر تهديداً للسلم والأمن الدوليين مما قد يعرض العراق لعقوبات دولية وفق الاتفاقيات الدولية.