يمثل رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي شاهداً على محطات مهمة في تاريخ العراق، وهو يحمّل الرئيس الراحل صدام حسين مسؤولية الكوارث التي لحقت ببلاده لكنه لا ينكر مواصفات تمتع بها وساعدته على الارتقاء في حزب "البعث" معتبراً "السلطة حوّلت الشاب المناضل إلى حاكم مستبد بلا شريك أو رقيب".
في لقاء مع صحيفة "الشرق الأوسط"، تحدث علاوي عن لقائه الأول بصدام حسين. ففي عام 1964، ربطت الأول علاقة صداقة بزميل له اسمه عبد الكريم الشيخلي الذي عاد إلى كلية الطب في بغداد بعد انقطاع طويل بسبب مشاركته في محاولة اغتيال الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم في 1959. ذات يوم جاء شاب نحيل إلى الكلية فتولى الشيخلي تعريف علاوي عليه. كان هذا الشاب صدام حسين.
عام 1978 حاول نظام صدام حسين اغتيال علاوي، لكن هذه العداوة لا تمنع رئيس الوزراء العراقي الأسبق من الاعتراف لخصمه بصفات ومميزات. ويقول متحدثاً عن صدام حسين في النصف الأول من الستينيات: "حين التقينا للمرة الأولى لم يكن صاحب دور مهم في الحزب. لكنه كان رجلاً يتسم بالشهامة والإرادة القوية ويُعدُّ من مناضلي الحزب والملتزمين بفكره".
قسوة صدام حسين
وعن قسوة صدام حسين يسرد علاوي قائلاً "لم أشهد قسوة كقساوة صدام" ويذكر حادثة اغتيال وزير الخارجية السابق عبد الكريم الشيخلي، التي اعتبرها مثالاً على قسوته.
ويروي قائلاً "قصة إعفاء الشيخلي من منصبه في وزارة الخارجية تستحق أن تُذكر. خطب الشيخلي صبية ليتزوجها. دعاه صدام إلى عشاء مع خطيبته، ودعا أيضاً وزير الداخلية نائب رئيس الجمهورية صالح مهدي عماش وزوجته. خلال العشاء بثّت إذاعة بغداد أن الشيخلي وعمّاش أعفيا من مناصبهما. اتصل بي الشيخلي وسألني هل سمعت الخبر؟ استفسرت منه، فقال: عندما أردت إيصال خطيبتي إلى بيتها سألني سائقي هل سمعت الخبر؟ فأجبته: أي خبر؟ قال: إعفاؤك من كل مناصبك ومواقعك في الحزب والدولة".
وأضاف "شارك الشيخلي مع صدام في محاولة اغتيال قاسم، التي أصيب فيها صدام بشظية. فرّا من البلاد وتوجها إلى مصر وعاشا هناك في أخوّة ووئام. الشيخلي قومي عروبي وله دالة على الحزب وشغل مواقع متقدمة فيه. أُخضع الشيخلي لاحقاً للإقامة الجبرية وتعمدوا قطع الكهرباء عن منزله بحجة عدم دفع الفواتير. وحين توجّه إلى مقر مؤسسة الكهرباء اغتالوه بالرصاص على مرأى من زوجته. كان ذلك في 1980. للأسف لم يقبل نصيحتي بعدم العودة إلى العراق حين كان خارجه".
رحلة علاوي مع "البعث"
وعن رحلته مع "البعث" يقول علاوي، إنه قرر الانتماء إلى الحزب لمناهضة الفكر الأجنبي، بحسب اعتقاده حينذاك من دون علم أحد من أفراد أسرتي. ويتابع "كان أحد أصدقاء أخي الأكبر صباح واسمه وميض عمر نظمي بعثياً وكان يتحدث معي عن البعث كلما يأتي إلينا. كان له الدور الأكبر في توجيهي نحو البعث بعد انقلاب يوليو (تموز) 1958 بشهرين من دون علم أسرتي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعندما استولى "البعث" على السلطة في العراق في 8 فبراير (شباط) 1963 بقيادة حازم جواد، كان علاوي نزيل "السجن رقم واحد" الذي كان يضم أيضاً أسماء بارزة، بينها علي صالح السعدي وأحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وحسن النقيب. شعر السجناء بحركة غير عادية في جوار السجن. وصلهم أن تحركاً عسكرياً يجري في بغداد، لكن لم يعرفوا هويته وما إذا كان شيوعياً أو بعثياً. فجأة تبدّل سلوك الحرس وبدأوا التودد إلى السجناء. وفي الثانية عشرة ظهراً اقتحمت ثلاث دبابات السجن وترجّل من إحداها ضابط مسلّح برشاش وأمر بفتح الأبواب واعتقال مدير السجن وإطلاق سراح المعتقلين، وبدا واضحاً أن حزب البعث وراء الحركة.
يقول علاوي "انطلقنا ونحن فرحون وصعدنا على ظهر الدبابات. الدبابة التي صعدت إليها كان يقودها الضابط أنور عبد القادر الحديثي وتحوّل صديقاً لاحقاً. وأعتقد أن عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء في مرحلة ما بعد صدام) كان معي على الدبابة نفسها".
يرى رئيس الوزراء العراقي الأسبق أن حزب البعث كفكر وأيديولوجية وسلوك متوازن انتهى عام 1963. ويقول "كنا قررنا ترك الحزب، لكن ما حصل بعد ذلك العام وما كان السبب في العودة إليه هو الاضطهاد والاعتقال والمطاردة والقمع الذي تعرضنا له في عهد عبد السلام عارف، وقد كنّا شباباً. لذا قررنا العودة إلى العمل الحزبي لكي نهيّئ لانقلاب عسكري يطيح الحكومة".
مغادرة العراق
يقول علاوي، إنه تخرج في كلية الطب في صيف عام 1970 وغادر العراق للسكن في لبنان في الشهر العاشر من عام 1971 مصمماً على الاتفاق مع آخرين لتعديل بعض مسارات الحزب من خلال تغيير القيادات وإعادة الحزب إلى وضعه الحقيقي. وكانت أسباب تركه العمل الحزبي كثيرة، أبرزها البدء بإلغاء الحريات داخل الحزب وخارجه، وكذلك التضييق الذي حصل ضده وضد آخرين بسبب عدم قناعته بما كان يحصل ورفضه الإجراءات التي اعتمدت للانفراد بالقرار، مما أدى إلى احتقان شديد مع بعض القادة، وفي مقدمهم صدام حسين.
قرأ صدام حسين تجربة انتكاسة "البعث" في 1963، واتخذ قراراً بعدم الاطمئنان إلى العسكريين، وكذلك بعدم السماح بقيام تكتلات داخل الحزب. اختار الإقامة تحت عباءة "الأب القائد" أحمد حسن البكر، بانتظار استكمال إخضاع الحزب والجيش. وتخلّص تباعاً من كل معترض أو معارض ومن كل من يزعم أنه شريك. وزار ذات يوم منزل علاوي وعرض عليه منصب سفير العراق في بيروت، لكن الأخير اعتذر متذرعاً بالرغبة في استكمال تخصصه في مجال الطب.
وغادر علاوي إلى لبنان ومنه إلى بريطانيا. في 1975 قطع علاقته تماماً مع الحزب واختار العمل من أجل تغيير النظام. ونجا في 1978 من محاولة لاغتياله.
جرأة صدام حسين
يتحدث علاوي عن السبب الذي جعل صدام حسين يتقدم في الحزب ويستولي عليه: "سببان رئيسيان: السبب الأول جرأته الفائقة، والثاني وقوف أحمد حسن البكر معه. اعتقد البكر أن صدام حليفه في الجانب المدني من الحزب. لاحقاً شعر صدام بالسيطرة على الحزب فانقلب على البكر. حذّرنا الجميع باكراً، لكن ما حدث قد حدث. انزلاق صدام إلى الاعتماد على العنصر العائلي والتكريتي بدأ بعد شهرين من عودة (البعث) إلى السلطة".