Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المصادقة" عائق حكومي لأطباء الجزائر في نفق الهجرة

السلطات توقف نزف تسربهم للخارج بعد رصد 15 ألف طبيب بفرنسا و1200 يعملون في ألمانيا

تشهد الهياكل الصحية في الجزائر نقصاً كبيراً في الكوادر الطبية (أ ف ب)

ملخص

وقف المصادقة على شهادة الطب في الجزائر بين تقييد الحريات والضرورة تبيح المحظورات... فما الحل؟

قبضة حديدية من الحكومة على الأطباء في الجزائر، بعد قرار وقف المصادقة على شهادة الطب وفروعه، وبينما اعتبرت خطوة الحكومة تندرج في سياق تنظيم القطاع ووقف نزف إطاراته نحو الخارج الذي بات لافتاً، يرى الأطباء أن الأمر تقييد للحريات يستدعي إعادة النظر لا سيما أن التخصصات الجامعية الأخرى لم يطاولها القرار.

قرار وقلق

وأثار القرار "قلق" الأطباء الذين رأوا أنه يستهدف منع "هجرتهم" إلى فرنسا خصوصاً، على اعتبار أن هذه الأخيرة تشترط نسخة مصادق عليها لشهادة الطبيب الأجنبي، للمشاركة في اختبار يجري كل عام للتأكد من صحة التكوين العلمي الذين تلقاه في بلاده، ورفضت النقابة الوطنية للأطباء في رسالة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري كمال بداري تجميد التصديق على الشهادات، وهو الإجراء الذي يطاول خريجي كليات الطب والصيدلة وجراحة الأسنان من دون بقية التخصصات الجامعية.

وأشارت النقابة في رسالتها إلى أن القرار يمس الحريات الفردية كونه يحرم الطبيب المتخرج حديثاً من العمل في الخارج، بعكس أصحاب الشهادات الأخرى في مختلف التخصصات، لافتة إلى أن الدستور يؤكد حق المواطن في التنقل بكل حرية داخل البلاد والخروج منها، وطالبت الوزير بتنظيم نقاش حول هذه القضية المهمة.

من جانبه، أوضح رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحية العمومية إلياس مرابط أن الأطباء الجزائريين يملكون حق مواصلة الدراسة في الخارج واختيار البلد الذين يرغبون في الإقامة به، وقال إن الأمر يتعلق بحق عالمي يقتضي حفظه من أي تجاوز، مشيراً إلى الطابع غير القانوني للقرار الذي لن يحل مشكلة هجرة الأطباء بل سيولد توترات، وأضاف أنه يجب التوجه إلى الحلول الحقيقية التي تتمثل في تحسين الظروف المهنية للأطباء ومراجعة الأجور.

خطة حكومية

وكانت الحكومة الجزائرية أعلنت، في أبريل (نيسان) الماضي، خطة لوقف نزف الأطباء الذين يهاجرون بكثرة كل عام إلى الخارج وبخاصة فرنسا، بحثاً عن أجور عالية وظروف جيدة لممارسة المهنة، لكن لم يكشف عن فحواها، كما عرف البرلمان جلسة مساءلة لوزير الصحة وإصلاح المستشفيات عبدالحق سايحي، الذي أكد أن لجنة مشتركة استحدثت تجمع عديداً من القطاعات للتكفل برفع أجور الأطباء وتحسين ظروف العمل في المستشفيات والمصحات العمومية، بهدف إثنائهم عن مغادرة البلاد.

كما أشار سايحي إلى أن وزارته أنشأت رتباً ومناصب جديدة في الطب، وخفضت من سنوات الأقدمية بهدف تسهيل الالتحاق بالوظائف الكبيرة، موضحاً أنه اتخذت إجراءات لتشجيع الأطباء على العمل في محافظات الصحراء، إذ تشهد الهياكل الصحية نقصاً كبيراً في الإطارات الطبية لأسباب عدة، أهمها ظروف العيش الصعبة والمناخ الحار، وضعف التعليم بالنسبة إلى الأطفال، وزيادة على تدني الأجور.

ولا تزال مغادرة 1200 طبيب باتجاه مستشفيات فرنسا، في فبراير (شباط) 2022، في أذهان الجزائريين، بعد أن أحدثت صدمة وأثارت جدلاً كبيراً وفتحت نقاشات واسعة، وبين من اعتبر الأمر طبيعياً لاعتبارات عدة، رأى أخرون أنه من غير المقبول أن تستولي جهات أجنبية على كفاءات من دون دفع دولار واحد.

إنفاق ضخم

وفي السياق، قال مسؤول سابق بوزارة الصحة رفض الكشف عن هويته إن نزف الكفاءات الحاصل في تخصصات عدة، لا سيما في مجالات الطب يستدعي دق ناقوس الخطر، ليس بسبب الهجرة التي هي من الحقوق والحريات، ولكن للخسائر التي باتت تلحق بالبلاد على جميع المستويات المالية والفكرية والنخبوية والعلمية، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بإشكال المقابل الذي تأخذه الدولة من الإنفاق على تدريس وتكوين مئات الأطباء كل عام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع المسؤول أنه إلى جانب ذلك يتعرض الإطار العلمي الذي راهنت عليه الدولة للتكفل بالجامعات والمعاهد والمدارس العليا إلى تقلص العدد في ظل استمرار هذه الظاهرة، مستطرداً "سنواجه ندرة في التدريس الأكاديمي ولن نجد من يدرس أبناءنا، أو كفاءات تتولى تسيير المؤسسات"، مشيراً إلى أن ما يتعلق بالأطباء بات الوضع فيه لا يطاق، لا سيما أن "الوجهة واحدة وهي فرنسا، وهو ما أدخل شكوكاً بأن الأمر مقصود ويستهدف إفراغ المنظومة الصحية الجزائرية من إطاراتها".

وختم أن الجميع يعترف بالنقائص لكن يبقى الحوار السبيل الوحيد لإيجاد الحلول والخروج من هذا النفق.

ظروف عمل 

بدورها، تقول الطبيبة نسيمة تيروب، التي تحدثت من عيادتها الموجودة بحي باب الواد بالعاصمة الجزائر، إن أسباب هذه الهجرة المكثفة هي ظروف العمل المزرية، من حيث ضعف الإمكانات في المستشفيات وندرة العتاد الطبي الجديد واهتراء القديم منه، وكذلك التسيير الكارثي والأجور المتدنية والتهميش المتواصل، موضحة أن الأطباء محرومون من امتيازات عدة تحقق لهم عيشاً يلائمهم مقارنة مع فئات عدة من المجتمع، لذلك يستغلون أية فرصة للعمل في الخارج من دون تردد.

وأشارت تيروب إلى أن الانتقال إلى الخارج لم يعد مقتصراً على فرنسا وألمانيا وبريطانيا بل أصبحت الوجهة الخليجية تستهوي أطباء الجزائر بسبب الأجور المرتفعة وظروف العمل الراقية.

وترد الطبيبة على الشكوك حول استهداف المنظومة الصحية الجزائرية بالقول إن التوجه نحو فرنسا في المرتبة الأولى يعود لتكوين الأطباء الجزائريين باللغة الفرنسية تدريساً وتطبيقاً، كما أن سهولة النجاح في مسابقات معادلة الشهادة هناك، وشددت على أنه حان الوقت لإعادة الاعتبار لهذه الفئة قبل أن تنتقل الأوضاع إلى مرحلة الخطر، وتابعت تيروب "لا الدولة استفادت من التدريس والتكوين المجانيين للأطباء، ولا المجتمع ارتاح لتطور المنظومة الصحية التي تزداد تراجعاً في ظل استمرار المشكلات، بالتالي بات من الضرورة عقد ورش لمعالجة الأزمة بدلاً من معاقبة العلماء".

أرقام مخيفة

ويعتبر الحضور الطبي الجزائري لافتاً ومهماً في فرنسا، إذ أشار رئيس مجلس أخلاقيات الطب بقاط بركاني في تصريحات إعلامية إلى أن نحو 15 ألف طبيب جزائري منخرطون في الكادر الطبي الفرنسي حالياً، بل إن عدداً كبيراً من الأطباء الخريجين حديثاً يواجهون البطالة المحلية لعدم توفر أماكن لهم في مقابل فرص عمل متوفرة بكثرة في فرنسا التي تعاني مستشفياتها نقص الأطباء، وهو ما يدفعهم إلى الهجرة من دون تردد.

وعمادة الأطباء بالجزائر تحوز إحصاءات تشير إلى وجود أكثر من 28 ألف طبيب هجروا البلد منذ العشرية السوداء بالجزائر في التسعينيات الماضية، ينقسمون بين فرنسا والولايات المتحدة وكندا وألمانيا ودول الخليج العربي.

وأشارت نقابة الأطباء الجزائريين إلى أن ما يزيد على 1200 طبيب جزائري دخلوا ألمانيا للعمل في السنوات الخمس الأخيرة، والعدد مرشح للزيادة في هذا البلد، في ظل تكفل برلين ببرنامج لتعليم الأطباء الوافدين اللغة الألمانية وبتغطية شاملة، مما يسهل لهم الأمور وتجاوز عامل التواصل اللغوي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير