ملخص
بعد تفاقم مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان هناك من يدعو إلى تسهيل هجرتهم عبر البحر نحو أوروبا
دخل ملف اللجوء السوري في لبنان مرحلة خطرة تؤشر إلى وقوع صدامات بين اللبنانيين والسوريين، ولا سيما بعد موجة "اللجوء الاقتصادي" المستجدة، حيث تنشط بشكل لافت عمليات تسلل مئات السوريين عبر ممرات غير شرعية تبدأ من العريضة إلى العبودية، مروراً بوادي خالد، شمالاً، وصولاً إلى جبل أكروم وتخوم الهرمل على الحدود في البقاع، إذ تشير المعلومات إلى وجود 53 معبراً غير شرعي.
فيما ترتفع في المقابل جرعة العنصرية في بعض الأوساط اللبنانية ضد المتسللين السوريين، وسط دعوات إلى طرد جميع النازحين من البلاد الغارقة بأزماتها الاقتصادية والمعيشية، بما فيها طرح فتح المياه الإقليمية وغض النظر الرسمي والأمني عن الهجرة غير الشرعية إلى السواحل الأوروبية عبر القوارب التي تنطلق من الساحل اللبناني.
معابر "حزب الله"
وفي وقت تؤكد فيه التقارير سيطرة الفرقة الرابعة السورية بالشراكة مع "حزب الله" على الحدود من الناحية السورية في أماكن كثيرة، تشكك شخصيات سياسية وإعلامية أن تحصل عمليات التسلل من دون معرفة "حزب الله" أو شركائه الميدانيين.
وما يزيد الغموض والتناقض تصريح لمسؤول ملف النازحين في "حزب الله" نوار الساحلي يتحدث فيه عن مخطط أميركي وأوروبي لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، معتبراً أن "المشكلة لا تحل إلا بجلوس اللبنانيين والسوريين إلى طاولة واحدة والاتفاق على حل هذا الملف".
من جهة أخرى تضع أوساط في الرأي العام اللبناني الموجة الجديدة من اللجوء في خانة فرض أمر واقع هدفه إعادة العلاقات الرسمية كاملة مع الحكومة السورية من جهة، وابتزاز المجتمع الدولي من خلال التهديد بفتح الهجرة البحرية أمامهم للوصول إلى السواحل الأوروبية.
ممارسات النظام
واتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر، الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية، بالتحريض على اللاجئين والتنسيق في حملته الممنهجة مع النظام السوري لتنفيذ أجندة سياسية باتت مكشوفة.
إلا أن خضر يعتبر دائماً أن كلامه عن النازحين يأتي في سياق حماية المجتمع اللبناني ومواجهة التوطين المبطن الذي تدعمه منظمات تابعة للأمم المتحدة.
سردية "المؤامرة"
وفي المقابل اعتبر الباحث في السياسات العامة وشؤون اللاجئين زياد الصايغ أن هناك أجندة تقودها جهات السياسية لترويج سردية "المؤامرة" والتوطين في حين تفتقد المبادرة الحقيقية التي يفترض أن تقوم على "دبلوماسية العودة"، كاشفاً عن أن البروباغندا انتقلت إلى التخويف "الكياني والوجودي" بعدما كانت سابقاً قائمة على البعد الاقتصادي.
وبرأيه لم تضع السلطات اللبنانية منذ بداية الحرب السورية عام 2011 وبدء اللجوء إلى لبنان أي خطة علمية مرتكزة على إدارة الأزمات وبناء سياسات عامة مستدامة، بل برز كثير من الديماغوجيا والشعبوية والارتجال والتسييس، داعياً إلى "صياغة سياسة عامة عقلانية تستند إلى دبلوماسية رصينة أساسها أولوية العودة".
واعتبر أن العودة الفورية والشاملة غير منطقية في هذه المرحلة لأسباب أمنية واجتماعية، مضيفاً أن الخطة اللبنانية يجب أن تنطلق من "سياسة البقاء الموقت والعمل على العودة التدرجية".
فوضى الحدود
وفي السياق يؤكد مصدر كبير في بعثة منظمة الأمم المتحدة في بيروت أن ادعاءات بعض المسؤولين اللبنانيين بوجود مؤامرة أممية لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان هي من نسج الخيال ومحاولة "للتهويل على اللبنانيين وتحريضهم بهدف حرف الأنظار عن أمور أخرى تجري في البلاد".
ولفت المصدر إلى أن منظمات الأمم المتحدة تتعامل وفق القوانين الدولية والآليات نفسها في كل حالات اللجوء الناتجة من حروب بأي مكان في العالم، لذا لا فرق في تعاملها مع اللاجئين السوريين في لبنان عن أي دولة أخرى، مشدداً على أن المساعدات التي تقدم للاجئين هي لضمان حصولهم على أدنى شروط العيش وتوفر خدمات التعليم والطبابة.
ورأى المصدر الأممي أن "الفوضى الحاصلة في ملف اللاجئين السوريين سببها تخبط السلطات اللبنانية التي تتقاعس عن إقفال الممرات الحدودية غير الشرعية، إذ يدخل الآلاف من الأشخاص الذين يقدم عدد منهم مستنداته للمفوضية العليا للاجئين، التي تضطر إلى تسجيله كلاجئ في حال استوفى الشروط وبرر الأخطار التي يتعرض لها في دولته. وتصبح المنظمات الدولية ملزمة تطبيق القوانين الدولية، معتبراً أن "فوضى الحدود وهي مسؤولية الدولة تربك أيضاً المنظمات الدولية وتفاقم الأزمة بمختلف الجوانب".
وتخوف أن "تكون الإثارة الإعلامية بهذا الشكل التحريضي ضد اللاجئين في لبنان تزامناً مع موجات النزوح الجديدة تأتي في سياق مؤامرة يقودها النظام السوري لابتزاز المجتمع الدولي وتسايره فيها قوى محلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حزام بحري
من جهة أخرى يكشف المصدر عن أن المفوضية العليا للاجئين سلمت الجانب اللبناني "الداتا" التي تملكها، وذلك على عكس الادعاءات بحجبها عن الجهات الأمنية، مشدداً على أن مصلحة لبنان أن يعمل كشريك مع الأمم المتحدة ومنظماتها لمعالجة هذا الملف الذي ترتبط فيه أبعاد سياسية واقتصادية وإنسانية.
واعتبر أن أي إجراء منفرد وخارج عن إطار التعاون الدولي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة وارتدادات سلبية على كل الصعد، محذراً من تحويل الساحل اللبناني إلى منصة للهجرة غير الشرعية بغض الطرف من السلطات والتواطؤ مع النظام في سوريا. وقال "سيكون لذلك تداعيات سلبية على سمعة لبنان وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية"، كاشفاً عن إجراءات احتياطية بدأتها الدول المجاورة للبنان لمنع وصول "القوارب" إلى سواحلها، وأن هناك تنسيقاً بين قبرص واليونان وإيطاليا بهذا الشأن.
ويكشف الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين عن أن قبل الحرب السورية في عام 2011 كان عدد العمال السوريين في لبنان يراوح ما بين 500 ألف و700 ألف، يعملون بشكل أساس في قطاعي الزراعة والبناء، وقدرت تحويلاتهم إلى سوريا بنحو مليار دولار سنوياً، مشيراً إلى أن الرقم الأعلى للاجئين في لبنان خلال الحرب السورية كان عام 2017 حين بلغ نحو 2.1 مليون، وتراجع لاحقاً خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا، وكذلك نتيجة إعادة التوطين في بلد ثالث.
وبرأيه لا يتجاوز عددهم حالياً 1.5 مليون سوري مقابل 4.2 مليون لبناني أي ما نسبته 36 في المئة من اللبنانيين، كاشفاً عن أن أرقام الأمن العام اللبناني مختلفة وتشير إلى وجود أكثر من مليوني سوري، في حين تشير مفوضية اللاجئين إلى أن الرقم المسجل لديها هو 867 ألفاً.
ولفت إلى أن "تقديرات غير رسمية تشير إلى أنه منذ يونيو (حزيران) الماضي حتى اليوم يدخل البلاد شهرياً أكثر من 15 ألف سوري"، مقدراً عدد السوريين الذين حلوا مكان لبنانيين في قطاعات عدة بنحو 120 ألف عامل سوري.
قبرص وأوروبا
وهذه المستجدات تزامنت مع ما نقلته وكالة "رويترز" عن وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو، الذي قال "إن بلاده العضو في الاتحاد الأوروبي ترغب في أن تقدم بروكسل مساعدات مالية وفنية للبنان لمساعدته في التعامل مع تدفق اللاجئين السوريين ومنعهم من الوصول إلى الجزيرة الواقعة في شرق البحر المتوسط". أضاف "عرضت نيقوسيا التبرع بزوارق سريعة وإجراء دوريات مشتركة مع لبنان، بعد أن أشار الوافدون الجدد من طريق البحر إلى أن طرق التهريب تحولت بعيداً من تركيا واتجهت إلى الساحل اللبناني".
ولفت إلى أن التقديرات تشير إلى أن هناك نحو 2.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، لذلك يمكنك أن تتخيل حجم المشكلة التي يواجهها لبنان نفسه، الذي يراوح عدد سكانه ما بين خمسة وستة ملايين نسمة ولا يتلقى حتى مساعدات فنية أو مالية من الاتحاد الأوروبي.
وجاء هذا التصريح على ضوء محاولة قبرص ردع ظاهرة الهجرة غير الشرعية لمراكب "الموت" الحاملة اللاجئين السوريين والمنطلقة من الشواطئ اللبنانية.
توقيف مهربَين
وفي بيان صدر اليوم أعلنت مديرية قوى الأمن الداخلي توقيف شخصين من التابعية السورية دخلا خلسة إلى البلاد، لتورطهما بتهريب مئات المهاجرين عبر البحر من ليبيا إلى أوروبا.
وأفادت المديرية بأنها ألقت القبض على الموقوفين في منطقة البقاع في إطار جهودها "لمكافحة تهريب الأشخاص عبر البحر"، بعدما توافرت لها معلومات عن إقدامهما على "تهريب أشخاص من جنسيات سورية ولبنانية ومصرية وفلسطينية وأفارقة وغيرها من ليبيا إلى أوروبا بواسطة مراكب، بالتنسيق مع أشخاص من التابعية اللبنانية في منطقة وادي خالد" الحدودية مع سوريا في شمال البلاد.
واعترف الموقوفان بأنهما "كانا يتقاضيان عن كل شخص مبلغ 3500 دولار"، وعملا على "تهريب مئات الأشخاص عبر البحر من ليبيا إلى إيطاليا واليونان، بواسطة عبارات، بالاشتراك مع شقيقي أحدهما، المقيمين في اليونان وليبيا"، بحسب البيان.
وكان للموقوفين دور في تهريب مهاجرين غير شرعيين غرق مركبهم مقابل سواحل مدينة طبرق الليبية قبل أشهر. وفرا بعدها من ليبيا إلى سوريا، ومن ثم دخلا لبنان خلسة وأقاما في منطقة البقاع الحدودية أيضاً مع سوريا.