ملخص
مع أن الوظيفة قد تكون براقة ومجزية، إلا أن دخول حرمة الحياة الخاصة للنخبة هو أمر "ليس للضعفاء"
دعكم من مسلسل "الخلافة" Succession أو "زهرة اللوتس البيضاء" The White Lotus. إن أردتم إلقاء نظرة داخلية على حياة البذخ في عالم أثرى الأثرياء، أو الـ0.01 في المئة من الناس، عليكم بالتكلم مع مربي أطفالهم. إذ يتسنى لهم رؤية حياة الأثرياء والمشاهير عن كثب ويشاهدون إسرافهم وخصوصياتهم من موقع مميز. وهنا، تنافس المبالغ التي تُدفع على أعياد ميلاد الأطفال ميزانيات إنتاج حفلات الأوسكار، فيما يتم قضاء العُطل على متن يخوت فارهة وتُقدم الهدايا الثمينة بطبيعة الحال- ما عليكم إلا أن تسألوا راشيل غان، التي جمعت بعض التذكارات خلال عملها كمربية لأطفال أثرى الأثرياء على مدار أربعة أعوام.
تقول السيدة البالغة من العمر 33 سنة، التي تدير الآن شركتها الخاصة للاستشارات وهي تتذكر تلك الفترة "تلقيت حقيبة شانيل- كاد قلبي يتوقف في تلك اللحظة. ظننت في البداية أنني أسأت فهم (ربة عملي) وافترضت بأنه علي أن أعيدها. لكنها قالت 'كلا، كنت لأطلب من مساعدتي الشخصية أن تعيدها. هل تريدينها؟ أريد أن أزيلها فقط من خزانتي'". ومن التذكارات الأخرى دفتر من ماركة "سميثسون" "عليه نقوش جميلة" كان أحد الهدايا من "كيس الهدايا المذهل" الذي جلبه معه أحد أصحاب العمل من الحفلة الراقصة التي يقيمها السير إلتون جون سنوياً، وتشترط وضع ربطة عنق بيضاء وتاجاً. لكن غان تلفت إلى أن عدداً قليلاً من الهدايا التي تلقتها كان له أي وزن معنوي أو عاطفي. وتوضح ذلك بقولها "لم يقدم لي أي أحد من بين (أرباب العمل) هدية لأنه يقدرني، بل كان السبب أقرب إلى 'لا أريد هذا الغرض، فليأخذه أحدهم'".
ومع أن الوظيفة قد تكون براقة ومجزية، إلا أن دخول حرمة الحياة الخاصة للنخبة هو أمر "ليس للضعفاء"، كما تقول خبيرة الطفولة ناني شارز التي قضت نحو عقدين من الزمن كمربية لأطفال المشاهير والعملاء المقتدرين جداً، أثناء رحلاتهم وأسفارهم. ونعطي مثالاً على تلك المزاعم الأخيرة التي أدلت بها مربية أطفال بوريس وكاري جونسون السابقة، تيريزا داوز. حيث تدعي السيدة بأنها طُردت من العمل بعد انقضاء ثلاثة أيام فقط بعدما رأتها والدة كاري وهي تحتسي كأساً من النبيذ برفقة رئيس الوزراء السابق؛ وفي مقابلة لها مع صحيفة "ديلي ميرور"، قالت إنهم أعطوها ربع ساعة فقط لتوضيب حاجياتها (قال آل جونسون إن روايتها "غير صحيحة كلياً"، معتبرين أنها "قصة ملفقة تماماً لأغراض الكسب المادي").
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد تكون الحدود بين دور المربية وأرباب عملها معقدة بعض الشيء. بعض العائلات تعتبر المربية فرداً من الأسرة، كما اكتشفت خبيرة التربية والتدريب على النوم هانا لوف عندما عملت لمصلحة مجموعة من لاعبي الغولف المحترفين في مطلع القرن. وتقول ممرضة الأطفال السابقة "عاملني كل واحد من بينهم كأنني من العائلة. بعد التحدث مع بعض المربيات، وجدت أن تجاربهن مختلفة وأنهن كن يجلسن إلى طاولة منفصلة (عن العائلة) عند الخروج ليلاً، أو أنهن يجلسن في الدرجة العادية مع الأطفال أثناء الرحلات الجوية. لكننا كنا نجلس جميعاً في الدرجة الأولى، ونتحلق جميعاً حول مائدة العشاء نفسها، ويُقدم لي كأس الشمبانيا كما يُقدم لهم تماماً". حضرت السيدة حفلات بصحبة العائلة، واعتادت حتى أن تسبح في بركة السباحة في منزل غاري لينكر (كان لاعب كرة القدم من أصدقاء أرباب عملها).
لكن بالنسبة إلى أشخاص آخرين، هناك حدود أوضح تفصل بين الموظف ورب العمل. قضت غان فترات طويلة في العمل مع عائلات من الشرق الأوسط تقضي العطلة الصيفية في المملكة المتحدة، ولم تتمكن من اصطحاب عمالها المنزليين بسبب مشكلات في تأشيرة الدخول. كانت ترتدي زياً للعمل وغالباً ما ترفع تقريراً عن مهامها إلى مدبر شؤون المنزل أو رئيس الخدم، كما كان عليها اتباع "إجراءات عملية موحدة بشأن الوقت المناسب لدخول الغرف، وطريقة الدخول، وطريقة التواصل وكل هذه التفاصيل". وتضيف غان "لكنني في الحقيقة وجدت سهولة أكبر في العمل مع أشخاص معتادين على وجود عمال منزليين لديهم من بعض الجوانب لأنني عرفت تماماً ما الذي علي أن أتوقعه. فهيكلية العمل واضحة". أما العثور على عائلة تنسجم فيها مع الوالدين كما مع الأطفال "فضرب من الأحلام"، كما تقول شارز. لكي يحتك أكثر بعملائه المحتملين ويتعرف إليهم، يعتاد آدم*، وعمره 27 سنة، أن يقضي معهم فترة تجريبية قصيرة. ويقول "أشعر بالفضول دائماً، وهي تجربة جيدة، لكن في حالة بعضهم، تقول لنفسك 'كلا، لا يمكنني أن أقوم بالعمل مهما دفعوا لي'"-إن اكتشف أنهم تجار سلاح مثلاً.
ويقضي أطفال الأغنياء أيامهم وفق جداول ومواعيد تنافس تلك التي يلتزم بها أنجح المديرين التنفيذيين. غالباً ما كان على غان أن تحضر جداول زمنية لليوم التالي وتسلمها قبل الساعة السادسة مساءً، كي يتمكن الوالدان (أو مدبر المنزل على الأقل) من إلقاء نظرة عليها. وقالت "لا يمكنني فعلياً أن أصف أي من الأشخاص الذين عملت لديهم بأنه مسترخٍ، لذلك كان لديهم عادة جدولاً محدداً. كنت أُجن عندما يقولون لي 'لا يمكن للأطفال أن يبكوا ضمن فترات محددة لأننا سوف نستقبل زواراً'". وعندما يكبر الأطفال "تتحول عملياً إلى مساعدهم الشخصي" كما يقول آدم. "يصبح الموضوع منظماً هكذا. تطلب من سائقهم أن يوصلهم إلى درس التشيللو أو البيانو أو اللغة اللاتينية، ويصطحبهم بعدها مباشرة إلى نادٍ آخر، ثم تنظم عشاءهم مع الطاهي".
ورأت غان خلال تجربتها أن بعض الآباء لديهم مستشارون في تنشئة الأطفال حاضرين دائماً، حرصاً على أن يفعل أطفالهم ما يكفي من الأشياء خلال يومهم. وتضيف أن العديد من أرباب العمل "لا يحبون أن تتناول الطعام في الوقت نفسه مع الطفل لذلك عادة ما تنتظر حتى يحين وقت القيلولة"- كانت في نهاية المطاف تأكل ألواح الحبوب أو الفواكه إلى أن يخلد الأطفال إلى النوم. هذه التجربة بعيدة كل البعد من تجارب المربيات الأخريات مع الوجبات الفاخرة. وتقول شارز "تخرج لتناول الطعام في أماكن جميلة جداً. وتعطيك العائلة بطاقة أو بعض المال بحيث لا تدفع شيئاً من جيبك- فكل شيء مدفوع".
تستذكر إيلا*، التي قضت مواسم الصيف على متن يخت فاره عندما كانت طالبة، كيف كان أرباب عملها البريطانيون الأثرياء ينفقون آلاف الجنيهات على طعام الغداء في أغلب الأوقات. "بالنسبة إلي، في طفولتي، كانت أكبر هدية الخروج لتناول العشاء خارجاً ولم يُسمح لنا بتناول مياه غازية من دون سكر... لكن (العائلة) كانت تطلب كميات غير محدودة من شمبانيا لوران بيرييه... أتت صديقتي المقربة لتقضي معي عطلة نهاية أسبوع واحدة في إحدى السنوات، ودفعوا لقاء كل شيء". لكن طبعاً الجانب السلبي من تناول الطعام خارجاً هو القصور في مهارات تحضير الطعام لدى أرباب العمل. وتعود غان بالذاكرة فتقول "دخلت إحدى السيدات التي عملت لديهن المطبخ وكانت تحاول أن تحضر كوباً من الشاي لنفسها، لكنها لم تعرف كيف تشغل الإبريق الكهربائي". كانت الشقة ملكاً لعائلة السيدة منذ ولادتها، لكن "لا أعتقد بأنها وطأت أرض المطبخ يوماً- لم تعرف مكان الكاسات حتى".
ويضيف آدم بأن أغنى الأغنياء "لا يتعاطون مع العالم الحقيقي حتى. فهم يتنقلون في سيارات يقودها السائق ويتجهون مباشرة إلى المطاعم، وحتى عندما نسافر جواً فنحن نسافر على متن طائرة خاصة ولا نمر بالمطار العادي… إنه كوكب مختلف تماماً". سافر جواً إلى عدة دول من قبل "لإحضار غرض واحد فقط"- وبالفعل، غالباً ما يجب أن تكون المربية مستعدة للسفر مسافات بعيدة على حين غرة (مع أن السفر على متن طائرة خاصة يخفف من إزعاج السفر على الأرجح). وتقول شارز "عندما تعمل مع عائلات ثرية جداً، لا تُطلعك دائماً على مخططاتها. كأن يقولوا لك 'علينا أن نكون هناك بعد ساعة، ونحتاج إلى توضيب حقيبتين'. الأمر فوري ومفاجئ جداً". عند عملها لمصلحة عائلات لاعبي الغولف المحترفين، كانت لوف تجد نفسها "تتنقل بين مختلف المناطق الزمنية كل نهاية أسبوع… أكون عادة في جناح مع العائلة، فيبقى الوالدان في غرفة وأبقى في غرفة أخرى مع الأطفال. ويكون على الأب أن يستيقظ صباح اليوم التالي ليشارك في جولة غولف ربما تصل قيمتها إلى مليون جنيه استرليني". لا ضغط نفسياً إذاً كي تسيطر على الأطفال كي يظلوا هادئين خلال الليل.
كما أن التخطيط لأعياد الميلاد مهمة ضخمة كذلك. عملت شارز لدى عائلة أقامت حفلة حول بركة السباحة للاحتفال بعيد ميلاد ولدها الأول. ولو بدا الأمر غير مبالغ به نسبياً، فقد اشتروا له ما يكفي من الثياب "لتغيير هندامه ثلاث أو أربع مرات"، وأحضروا فرقة مسرحية من المملكة المتحدة إلى أفريقيا كي تعرض مسرحية مستوحاة من أول سنة في حياته. "ونام طوال العرض". وحضر آدم حفلات "وضعوا فيها ألعاب أفعوانيات"- كما أن لقاء آباء أصدقاء الأطفال الذين يعتني بهم قد يكون مناسبة لا تُنسى كذلك. ويقول "إن الأمر غريب فعلاً لأنني ربما شاهدت فيلماً كانوا فيه، أو نشأت وأنا أشاهد ذلك الشخص".
لكن المربيات والمربين يرون ما وراء الواجهة البراقة كذلك. وتقول شارز "أشعر بالأسف جداً تجاه (العملاء المشاهير) لأنهم لا يستطيعون الخروج بحرية ببساطة". عندما رافقت ربة عملها المشهورة وأولادها في عطلة مرة، كانت السيدة "تسترعي الانتباه على الشاطئ… وهذا هو الوقت الذي من المفترض أن تقضيه مع عائلتك فقط، وكانت مضطرة لالتقاط الصور مع الناس وإعطائهم توقيعها. ويُحرمون من الخصوصية حرفياً. وعندما ترى ذلك من وجهة نظر المربية، تجده محزناً جداً". اضطرت أحياناً كثيرة أن توفر الدعم العاطفي للأبوين كذلك. وتشرح "أنا المربية، وعملي يقتضي طبعاً أن أهتم بالعائلة، لكنني أصبحت في النهاية مرشدة اجتماعية وملاذاً آمناً (لرب عملي)".
وعندما يحين وقت الرحيل، قد يكون من الصعب وداع الأطفال الذين ربيتهم منذ الولادة. عندما تركت إحدى عائلات لاعبي الغولف كي تسافر، تتذكر لوف أنها "(بكت) طوال الطريق إلى المنزل" وعندما عادت "أول شيء فعلته هو أنني زرتهم". تحب شارز كذلك أن تبقى على اتصال ببعض أقرب عملائها السابقين إليها، فتزورهم وتتحدث معهم عبر برنامج "فايس تايم". لكن أحياناً يكون الفراق حتمياً. وتضيف "أحياناً كثيرة، يحترمون أنك كنت مذهلاً بالنسبة إلى الطفل خلال هذه الفترة لكنهم أحضروا شخصاً جديداً ولا يحبذون البقاء على اتصال. لذلك يعتمد الأمر على كل فرد بعينه كلياً".
ومع ذلك، لو أمكنك تخطي ساعات العمل الطويلة وبعض الطلبات التي لا تصدق، لا شك في أنها مهنة فريدة من نوعها- ويمكنك على الأرجح جمع ما يكفي من المواد لكتابة مسلسل خاص بك شبيه بمسلسلات "أتش بي أو". ويقول آدم "أرى الموضوع باعتباره تجربة، أليس كذلك؟ معظمها أمور لا يتسنى لك فعلها في الحياة العادية، لذلك الأحرى بك أن تقول نعم، وتضع أملك في حدوث الأفضل".
*غُيرت الأسماء
© The Independent