Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تمثل الملاريا تحديا للسودانيين في السلم والحرب؟

يواجه إقليم دارفور أخطار انهيار النظام الصحي بعد خروج معظم المستشفيات عن الخدمة

30 في المئة من المصابين بالملاريا هم من الأطفال (الموقع الرسمي لمنظمة أطباء بلا حدود)

ملخص

تشكل الملاريا أحد الأسباب الرئيسة للوفيات في السودان وأكثر الأشخاص عُرضة للإصابة بها هم الأطفال والنساء الحوامل

في خضم الأزمة الصحية المتفاقمة في السودان ونقص الأدوية وخصوصاً للحالات الطارئة وأدوية الأطفال، ونقص الدعم الصحي من المنظمات الدولية، وهي حال تتعرض لها مناطق واسعة من البلاد ولا سيما المتأثرة بالحرب، هناك انتشار واسع لداء الملاريا في بعض الولايات.

 

ويواجه إقليم دارفور بخاصة أخطار انهيار النظام الصحي بعد خروج معظم المستشفيات العاملة عن الخدمة، وتأثرت ولايات الإقليم خصوصاً ولاية شمال دارفور بالاشتباكات المسلحة إثر الحرب المشتعلة في الخرطوم منذ أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، وتحويل "الدعم السريع" بعض المستشفيات إلى ثكنات عسكرية، وتقول الأمم المتحدة إن "80 في المئة من المرافق الصحية في السودان توقفت عن الخدمة نتيجة تعرضها للقصف والإخلاء القسري ونقص الإمدادات الطبية"، ونتيجة لذلك يشهد القطاع الصحي في الإقليم أزمة لوجستية مما يحد من مواجهة الأوبئة المختلفة.

وتعتمد بعض أقاليم السودان المتأثرة بالحرب أو التي تعوزها الإمكانات بسبب تهميشها على المبادرات الشعبية المسماة بـ"النفير"، والتي تقودها جمعيات المجتمع المدني المحلي ومبادرات أخرى تدعمها بعض المنظمات الإنسانية.

وأعربت وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور عن قلقها حيال الازدياد الكبير في حالات الإصابة بالملاريا في الفاشر، عاصمة الولاية، وخصوصاً مراكز إيواء النازحين.

وقال وزير الصحة في الولاية عماد الدين بدوي إن هناك أكثر من 79 ألف حالة إصابة بالمرض، وذكر نائب المدير العام لوزارة الصحة بالولاية أحمد محمد الدومة أن "هناك زيادة كبيرة في عدد المصابين بالملاريا في الفاشر وحدها، إذ سجلت وزارة الصحة نحو 13 ألف إصابة وسط سكان المدينة".

ووفقاً لمنظمة "يونيسف" فإن الملاريا تشكل أحد الأسباب الرئيسة للوفيات في السودان، وأكثر الأشخاص عُرضة للإصابة بها هم الأطفال والنساء الحوامل والمجتمعات المحلية المهمشة"، وأوردت المنظمة أنه "خلال النصف الأول من عام 2022 أبلغ عن أكثر من مليون حالة إصابة بالملاريا في 11 ولاية من أصل 18 ولاية، ووفق تقرير لوزارة الصحة الاتحادية الوبائية والإحصائية فإن 30 في المئة من المصابين هم من الأطفال دون سنّ الخمس سنوات".

وباء مستمر

ولا تزال الملاريا شائعة في البلدان الاستوائية وشبه الاستوائية حيث يصاب بها ما يقارب 290 مليون شخص كل عام بينما يموت أكثر من 600 ألف شخص سنوياً بسبب هذا المرض، وتوصي منظمة الصحة العالمية بتطعيم الأطفال القاطنين بالبلدان ذات معدلات الإصابة العالية بالملاريا باللقاح المضاد لذلك المرض.

 

ويعد مرض الملاريا من الأزمات المستمرة منذ العصور القديمة، ويقال إن اسم المرض "ملاريا" اشتق من كلمة إيطالية تعني الهواء الفاسد، لاعتقاد ساد قديماً بأن حدوث المرض في روما كان بسبب أبخرة المستنقعات.

وعلى مر التاريخ تسبب هذا المرض في وفاة ملايين البشر، ومن الشخصيات العالمية البارزة التي تسببت الملاريا في وفاتها الإسكندر الأكبر وجنكيز خان والشاعر الإيطالي دانتي، كما عانى عدد من رؤساء الولايات المتحدة من نوبات الملاريا خلال حياتهم ومنهم جورج واشنطن وأبراهام لينكون ويوليسيس غرانت، وأُنشئت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وقال مدير العمليات في جمعية مكافحة البعوض الأفريقية سيلاس ماجامبيري "على مستوى العالم يموت أكثر من 400 ألف شخص بسبب الملاريا سنوياً، وتتحمل أفريقيا عبئاً غير متناسب من المرض، ففي عام 2019 سجلت 94 في المئة من الوفيات والإصابات في الإقليم".

وعقد ماجامبيري مقارنة بين معاناة أفريقيا اليوم من الملاريا وأوروبا قبل قرنين بقوله، "يظهر التاريخ أنه قبل قرنين من الزمن كانت الملاريا تجتاح بعض البلدان في أوروبا بمعدلات مماثلة لتلك التي تشهدها أفريقيا اليوم، ففي إيطاليا وبنهاية القرن الـ 19 كان هناك نحو مليوني حالة إصابة بالملاريا سنوياً و15 ألف إلى 20 ألف حالة وفاة كل عام، ولكن بحلول عام 1970 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن إيطاليا خالية من الملاريا".

وأضاف، "هناك تناقض صارخ بين الطريقة التي استجابت بها أوروبا للملاريا في ذلك الوقت وكيف تواصل أفريقيا ودول في مناطق نامية أخرى التعامل مع المشكلة، وهناك اختلافات جوهرية بين أوروبا وأفريقيا تشمل المناخ، فأوروبا أكثر برودة كثيراً في المتوسط، كما تشمل أيضاً قدرة البعوض المحلي على نقل الملاريا، لكن الدافع الأساس وراء انتشار الملاريا في القارتين هو نفسه".

زيادة التحدي

وزادت معدلات الإصابة بالملاريا بين السودانيين عام 2019 مقارنة بالسنوات السابقة حتى تخطت عتبة الوباء، وبناء على التقارير الصحية الخاصة بوضع الملاريا في السودان فقد طاولت مليون و800 ألف سوداني خلال عام 2019.

 

ووفقاً لتقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية عام 2020 فإن "السودان يتحمل أكبر عبء في المنطقة بحوالى 46 في المئة من الحالات، ويليه اليمن ثم الصومال وباكستان وأفغانستان وجيبوتي".

ونبهت اختصاصية الطوارئ والإصابات الطبيبة نجاح عبدالله إلى أن "من أسباب تفشي الملاريا موسم الأمطار والفيضانات وما ينتج منها من انتشار البرك الملوثة التي تعد بيئة خصبة لتكاثر البعوض الناقل للملاريا وهو أنثى الأنوفيليس، وطفيل الملاريا معروف أيضاً بالمتصورة المنجلية وهو من أكثر الطفيليات فتكاً بالإنسان، إضافة إلى أسباب تتعلق بسوء إدارة البيئة والنفايات المتراكمة بسبب الحرب".

وأضافت عبدالله أن "هناك عوامل أخرى تتمثل في نزوح السكان لمناطق لا توجد فيها مستشفيات وكوادر مؤهلة لاستيعاب عدد المرضى، ونقصان الإمداد الدوائي في كثير من المناطق وصعوبة نقل الأدوية بسبب الظروف الأمنية الحالية والحال الاقتصادية المتردية، وعدم توفر السيولة النقدية بسبب الحرب مما يضاعف الحاجة إلى العلاج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت اختصاصية الطوارئ والإصابات أن "الملاريا لم تنحسر تماماً من معظم الدول الأفريقية، فبحسب آخر التقارير من منظمة الصحة العالمية فإن الدول التي تم إعلانها خالية من الملاريا قليلة ولا تتعدى الخمس دول، ومنها في أفريقيا الجزائر فقط، أما السودان كبلد كبير وممتد في أقاليم كثيرة فتصعب السيطرة على الملاريا في هذه المساحة، لأنها تحتاج إلى جهود وإمكانات ضخمة".

ونوهت الطبيبة إلى أن "المكافحة في ظل الحرب تعد تحدياً كبيراً ولا سيما داخل الخرطوم، لغياب معظم المؤسسات الصحية للدواعي الأمنية، وكذلك في أقاليم دارفور حيث الاشتباكات مستمرة تزامناً مع الخرطوم، وأيضاً بسبب نقص الإمكانات في الولايات الآمنة نسبياً بالنسبة إلى وزارة الصحة ومنظمات العمل المدني مثل الهلال الأحمر وبعض المنظمات الدولية مثل ’يونيسف‘ و’أطباء بلا حدود‘".

استنفار المشاركة

وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم بشرى حامد إن "تفشي الملاريا وانتشار ناقله، بعوض الأنوفيليس، يتأثر باستعمال المياه والوسط الذي يعيش فيه هذا النوع من البعوض، وبغياب المسوحات لظروف الحرب لا تتوفر إحصاءات دقيقة، ولكن بحسب المتابعات فإن المرض مستمر في التفشي بصورة واسعة".

وعن مكافحة المرض قال حامد إنه "خلال الفترة الأخيرة قل الاهتمام بتصريف المياه الراكدة والتعامل معها والإجراءات الصحية والوقائية، إذ يعتمد المرض على طرق الوقاية والمكافحة ومن ضمنها نواقل المرض، سواء بالإجراءات الهندسية وردم البرك والتجفيف المستمر، أو بالرش بالمبيدات والتوعية البيئية، وكلها تركت للولايات التي تعاني ظروفاً صعبة، إذ لم تتمكن من توفير الموازنات والخطط اللازمة لمكافحة هذه النواقل، إضافة إلى عدم استقرار العاملين في هذا الحقل، إذ مضت حوالى ستة أشهر لم تصرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية".

وتابع، "في ظل الحرب لا بد من استنفار المشاركة المجتمعية للعمل بفاعلية في هذا الملف من خلال النزول إلى القواعد ومنظمات المجتمع المدني والوحدات الإدارية، إذ إنها تلعب دوراً كبيراً ومفصلياً في هذه القضية، وكذلك استنفار المجتمع الدولي للمشاركة في هذا الظرف الاستثنائي الذي يمرّ به السودان ويتطلب تقديم كثير من المعونات بسبب المشكلات الاقتصادية والأمنية، وتلك التي تمر بها الحكومات الاتحادية والولائية والمحليات والمجتمعات المحلية، ونعول كثيراً على دور الإعلام الصحي والمجتمعي في التوعية والتعاون وتسليط الضوء على المشكلة والتوعية البيئية للتقليل من هذا المرض ما أمكن ذلك".

ونبه الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم من "ظهور أمراض أخرى ينقلها البعوض مثل حمى الضنك التي بدأت تنتشر في كثير من الولايات مثل القضارف وكسلا، وكذلك بدأت الانتشار في ولاية الجزيرة ذات الثقل السكاني والنشاط الاقتصادي حيث ينبئ ظهور هذه الحميات فيها بخطر كبير. وختم بأنه "لا بد من تدارك الموقف في الصحة الوقائية والاهتمام بها قبل وقوع المرض، لأن العلاج الطبي العادي لن ينهي مشكلة المرض وانتشاره وإنما الاهتمام بالصحة والطرق الوقائية منه".

تأزم الوضع

وقبل اندلاع الحرب بشهر واحد أشارت تقارير إلى خروج أكثر من 40 في المئة من المراكز الصحية عن الخدمة كلياً أو جزئياً، وكان الوضع الصحي يزداد تأزماً نظراً إلى ارتفاع معدلات الفقر في السودان والتي وصلت إلى أكثر من 50 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، وثار جدل واسع حول إلى أي مدى يسبب الفقر الملاريا وإلى أي مدى تسبب الملاريا الفقر، إضافة إلى عوامل أخرى قد تؤثر في هذا الارتباط، مثل الإجراءات الحكومية والمساعدات المالية وأنظمة الرعاية الصحية.

ووجد بعض المسوحات التي أُجريت في دارفور أن معظم مرضى الملاريا بمستشفى الفاشر هم أطفال تعمل أمهاتهم في زراعة الفول السوداني والذرة البيضاء في القرى القريبة حيث يقيمون قرب المزارع، كما أن هناك فئة كبيرة من المرضى يقيمون داخل مخيمات النازحين.

وكان يمكن حل مشكلات الملاريا والفقر في السودان من خلال استراتيجيات اقتصادية تكون لمصلحة الفقراء وتعزز مستوى المعيشة بين هذه الشريحة من السكان، وعلى نحو مماثل تستطيع بلدان أخرى في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا والعالم الثالث، حيث تتوطن الملاريا وينتشر الفقر، أن تخفف من حدة الفقر من خلال معالجة انتشار الملاريا، لأنها يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الفقر في البلاد وتثبيط الاستثمار الأجنبي، كما يؤدي المرض إلى انخفاض الإنتاجية بين البالغين العاملين ويستنزف دخل الأسر السودانية.

خطة المكافحة

وكشف مسؤولون في وزارة الصحة السودانية عن أن الوزارة وضعت خطة قبل الحرب لمكافحة الملاريا والأوبئة "من خلال سياسات وممارسات التنمية الاقتصادية، وتشمل الإدارة البيئية من طريق تجفيف المستنقعات حيث يتكاثر البعوض، وفصل البشر عن الحيوانات الأليفة وتعزيز النظم الصحية".

 وشجعت وزارة الصحة من أجل مكافحة الملاريا "استعمال الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية، ويحتاج مستخدموها إلى استبدالها باستمرار لأنها تفقد فعاليتها في غضون عامين إلى ثلاثة، وعدوا الناموسيات أرخص وتوفر إحساساً بالعائد المباشر والسريع على الاستثمار".

وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود" فإن الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية طويلة المفعول تعد واحدة من الوسائل المهمة لمكافحة الملاريا في المناطق التي يتفشى فيها المرض، وتوزع المنظمة بصورة منتظمة ناموسيات على النساء الحوامل والأطفال دون الخامسة من العمر، فهم الأكثر عرضة للإصابة بالملاريا الحادة.

ويعمل البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا في السودان بدعم من منظمة الصحة العالمية، ويتضمن الدعم المقدم "توزيع الأدوية والقيام بالفحوص التشخيصية السريعة وتوزيع الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات طويلة الأمد، وإدخال المعالجة المنزلية في إطار الاستراتيجية المعنية بالملاريا".

حملة ناموسيات

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2022 أطلقت وزارة الصحة بالشراكة مع "يونيسف" حملة ناموسيات السرير طويلة الأمد المعالجة بمبيدات الحشرات، عبر توزيع 18 مليون ناموسية لتغطية حاجة 33 مليون شخص في 13 ولاية مستهدفة، بما في ذلك أكثر من 17 مليون طفل في 150 محلية موبوءة داخل المجتمعات المحلية الأكثر هشاشة في السودان، إضافة إلى تنفيذ حملات توعية مجتمعية لتعزيز استخدام الناموسيات.

وترجح منظمة الصحة العالمية أن القضاء على الملاريا في جميع البلدان، وبخاصة تلك التي تعاني عبء المرض، يتطلب أدوات غير متوافرة اليوم، فالهدف المنشود بلوغه عام 2030 هو خفض معدلات الوفاة بسبب الملاريا وخفض حالات الإصابة بالملاريا بنسبة 90 في المئة في الأقل.

ويشار إلى أن البحث والتطوير في مجال مكافحة الملاريا في السودان بدأ يسلك الخطى الموجهة نحو السلع الأساس، وتشمل اللقاحات والأدوية وأدوات التشخيص والمبيدات الحشرية وطاردات البعوض والطائرات المسيرة التي تستخدم في رش المبيدات الحشرية، ويتم تمويلها من المساعدات الدولية لوضع مكافحة الملاريا ضمن أجندة التنمية الاقتصادية الأوسع.

المزيد من تحلیل