Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هجوم حماس" يخيم على الانتخابات الرئاسية في مصر

المواطنون يفتشون في نوايا المرشحين المحتملين من عملية غزة والرد الإسرائيلي عليها

هموم المصريين مع الغلاء تلاشت أمام "هجوم حماس" على مواقع إسرائيلية بغلاف غزة (أ ف ب)

ملخص

عدد كبير من المصريين كثفوا بحثهم عن تصريحات ومواقف المرشحين المحتملين للرئاسة مما يجري في غزة بعد "عملية حماس"

بدا الأمر وكأن أحدهم ضغط "إلغاء" على ملف الاقتصاد، و"إخفاء" على كل ما يتعلق بأسعار البصل والسكر والزيت والحليب، و"إرجاء" لملكية المشروعات وأولويات عمليات البناء وسداد الديون ودفعات القروض ومصائر فوائد البنوك، حتى التعويم المرتقب للجنيه، والمتأرجح بين ضغط صندوق النقد الدولي الأخير من أجل التحرير منعاً لـ"استنزاف الاحتياطات الثمينة من النقد الأجنبي" من جهة، وضغط الأنين الشعبي الناجم عن آلام الاقتصاد والميل الرسمي لتأجيل التحرير لأسباب مختلفة جميعها تم طيه ودفعه ووضعه في خاصية المؤجلات.

أن تتحول قضايا الاقتصاد الضاغط، وتفاصيل المعيشة الصعبة، وأسعار السلع والقرارات الصعبة المتعلقة بأوضاع المصريين المعيشية بالغة الصعوبة فجأة من خانة الأولويات القصوى والطوارئ العاجلة إلى "مؤجلات"، وذلك من دون قرار فوقي أو إجراء رسمي أو حتى تنويه عنكبوتي، فهذا أمر مثير لا يحدث إلا نادراً.

عملية "حماس"

فبين بضع ساعات حرجة بدأتها عملية حركة "حماس" المفاجئة التي باغتت العالم وما تلاها من تفاقم وتصاعد للأحداث في إسرائيل وغزة وجنوب لبنان، انقلبت أجواء الانتخابات الرئاسية المصرية المرتقبة رأساً على عقب.

فعقب بدء هجمات "حماس"، تسللت ملامح التغيير الفجائي إلى الأجواء الانتخابية الملتهبة بفعل الاقتصاد أولاً وأخيراً. الانتخابات (التي يلقبها مراقبون بـ"الانتخابات الاقتصادية) حولت دفتها دون سابق إنذار تحولاً أقرب ما يكون إلى الخيال، فهذه الانتخابات التي يدق كل من فيها على أوتار الاقتصاد الصعب، إذ قلبها ينبض أرقام تضخم ومؤشرات أسعار سلع وتوقعات تصنيفات دولية، وعقلها تتجاذبه مشروعات كبرى يصر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على إنجازها مناشداً المصريين عدم تقديم "اللقمة" (أي الطعام) على مصلحة الوطن، ومن ثم يمضي كل المرشحين (المؤكدين والمحتملين) على نهج الدق الاقتصادي ذاته، تلونت فجأة بألوان مختلفة.

الثقوب العظمى

اختلاف الأولويات لا يفسد للوضع الاقتصادي شديد الإلحاح قضية، ولكنه يؤجل ويؤخر، بل ويلغي لحين إشعار آخر البحث المضني من قبل القواعد العريضة من المصريين على نية الرئيس حال فوزه بفترة رئاسية جديدة في مسألة الأسعار أو التنقيب عن خطط مرشحين محتملين لتغيير دفة الاقتصاد أو حتى معرفة نوايا بقية الأسماء التي تتردد مرتبطة بكلمة "المرشح" في ما يختص بسعر الدولار ومآل الجنيه ونوايا إصلاح وترميم ما لحق بالجيوب من ثقوب عظمى.

عمليات بحث وتنقيب محمومة يجريها المصريون عبر منصات التواصل الاجتماعي بحثاً عن مواقف وردود فعل من تتردد أسماؤهم في مكاتب تحرير التوكيلات بغرض تأهيلهم للترشح، تجاه ما فعلته حركة "حماس" من هجوم هو الأكبر منذ سنوات طويلة على إسرائيل.

من باب العلم بالشيء

وبعيداً من الموقف المؤيد أو المناهض لعملية "حماس" وما ينجم عنها من إجراءات انتقامية متوقعة في حكم المؤكد من قبل إسرائيل، فإن ما يجري على صعيد الأجواء الانتخابية جدير بالتأمل، ولو من باب العلم بالشيء.

أحمد الطنطاوي كان أسرع من أصدر رد فعل "رسمياً" من منطلق كونه مرشحاً متأرجحاً بين التأكيد والاحتمال، ناهيك بكونه الأكثر إثارة للقيل والقال، والأكثر استعداداً بالتدريب والتنظيم مقارنة بغيره، فبعد سويعات قليلة من بدء عملية "حماس" أصدر بياناً اختار له عنواناً مدغدغاً للمشاعر هو "فلسطين... شعب حي وقضية لا تموت". وبدلاً من البيانات المتواترة والفيديوهات المتتالية التي يصدرها كل بضعة دقائق أثناء جولاته على مكاتب الشهر العقاري في مشارق مصر ومغاربها لرصد "التعديات" وتوثيق "السلبيات" وتصوير "المكايدات"، اختار الطنطاوي أن يصدر "قنبلة" انتخابية اعتبرها مراقبون أول الأدلة الدامغة على توجهه السياسي ونواياه في ملف الصراع العربي الإسرائيلي إن أصبح رئيساً لمصر.

الطنطاوي يدين

جاء في البيان الذي حظي بآلاف القراءات وملايين التشاركات،"في ظل التطورات المتلاحقة في فلسطين الحبيبة، فإنني أعرب عن تأييدي الجازم للشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة والفصل العنصري والحصار وكل أشكال الظلم التي يتعرض لها منذ عقود، وإن المقاومة وتحرير الأرض هو حق تقره المواثيق الدولية، وتمجده المبادئ الإنسانية".

وأشار إلى أن "إسرائيل اندفعت في جرائمها وتطرفها ضد فلسطين وحقوق شعبها ومقدساته، مطمئنة بعجز المجتمع الدولي وغضه الطرف عن جرائمها، لكن الشعب الفلسطيني لا يزال على عهده يثبت عزمه وقدرته على المقاومة وانتزاع حقوقه". وأوضح أن ما وصفه بـ"تخلي المجتمع الدولي عنه لن يزده (الشعب الفلسطيني) إلا إيماناً ومضياً".

 

 

ودان الطنطاوي – قبل بدء الرد الإسرائيلي- "أي محاولة من تل أبيب للرد بعنف وهمجية"، مشيراً إلى أنه "ما من سبيل لحل دائم للقضية الفلسطينية سوى من طريق سلام عادل شامل يعطي الفلسطينيين حقوقهم"، ومنوهاً بأن القضية الفلسطينية ارتبطت بحياة مصر تاريخياً وجغرافياً وإنسانياً وسياسياً، وخلص الطنطاوي إلى مطالبة الحكومة (المصرية) تقديم كافة أشكال الدعم الواجب للشعب الفلسطيني.

انقسام متوقع

البيان شديد اللهجة أدى إلى انقسام متوقع بين فريقين، الأول يعتنق أصلاً الفكر العروبي والنهج الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية كل العرب، لا سيما مصر، وأن "حماس" هي الفصيل شبه الوحيد الرافع راية الحق الفلسطيني الذي ينبغي أن يسترد بالقوة، والثاني متضامن ومتعاطف مع الفلسطينيين، لكن أعياه طول الدعم المصري للقضية ونيلها إما نقداً دائماً يطالبها بمزيد، أو حنقاً مستمراً متهماً إياها بالتخلي عنها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القضية تحولت بين ليلة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري وضحاها إلى مكون في الانتخابات فاق المكون الاقتصادي المزمن، وقد دفع بيان الطنطاوي البعض إلى إعادة نشر مواقف سابقة له، سواء كتابات أو مشاركات في البرلمان، حين دعم صمود المقاومة الفلسطينية ومواجهة إسرائيل الذي مصيره الزوال، مع وضع علم فلسطين على كثير من فيديوهاته في السنوات القليلة الماضية، إضافة إلى عشرات المواقف التي تحدث وكتب فيها عن "حتمية سقوط صفقة القرن وسقوط من يقبلها". ووصف الشعوب بـ"الكريمة" والحكام بـ"الذليلة"، و"تربية أبنائنا وبناتنا على حب الحق (فلسطين) وكره الباطل (الكيان الصهيوني)، إضافة إلى مقترح بمقاطعة اقتصادية للولايات المتحدة في حال استمرت في دعمها لإسرائيل.

من "الشعبية" إلى "الرسمية"

مواقف المرشح المحتمل من إسرائيل كانت قد أثارت نقاشاً محدوداً في دوائر مغلقة لا تعتبر الاقتصاد وحده المحرك الرئيس لاختيار الرئيس المقبل، فعلى رغم "شعبية" الحديث عن دعم الحق الفلسطيني وضرورة إنهاء الوجود الإسرائيلي، إلا أن انتقال الوضع من "الشعبية" إلى "الرسمية" طرح علامات استفهام حول موقف الطنطاوي حال أصبح رئيساً من معاهدات السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل، وكذلك مع التغيرات الكبرى التي حدثت في علاقات تل أبيب بعدد من الدول العربية، لكن ظلت التساؤلات حبيسة دوائر النقاش المغلقة على اعتبار أن الاقتصاد حاكم، أو أن احتمالات وصول الطنطاوي لسدة الحكم ربما لا تستدعي نقاشاً حقيقياً في هذا الشأن.

فريد زهران وحق فلسطين

لكن شأن فلسطين وما يجري حالياً في غزة وإسرائيل وجنوب لبنان وحادثة مدينة الإسكندرية مستمرة في دفع أجواء الانتخابات الرئاسية في اتجاه مغاير لسطوة الاقتصاد. المرشح الرئاسي رئيس حزب "المصري الديمقراطي" فريد زهران بادر هو الآخر إلى الإعلان عن دعم حق فلسطين في المقاومة، مشيراً إلى تضامنه الكامل مع "حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكل الوسائل المشروعة التي كفلتها المواثيق والمعاهدات الدولية".

زهران اعتبر أن هذا الحق كفلته كل الشرائع الدولية، مضيفاً أن "إسرائيل وجيشها وحكومتها اليمينية المتشددة تمارس جرائم متكررة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل من خلال القتل خارج القانون والتهجير القسري والاستيطان وخرق كافة الاتفاقات الدولية الممثلة في قرارات الأمم المتحدة".

وطالب زهران السلطات والشعوب العربية وغير العربية "من أصحاب الضمائر الحية بالتعاون والتدخل لحماية الشعب الفلسطيني الباسل والأعزل من انتقام آلة الغطرسة العسكرية الإسرائيلية"، وذلك في توضيح لا يدع مجالاً للشك حول موقفه كمرشح رئاسي من القضية الفلسطينية بشكل عام، ومن العملية الدائرة رحاها حالياً بشكل خاص.

خصوصية أجواء الانتخابات الرئاسية، إضافة للموقف الراهن على بعد أمتار قليلة من الحدود المصرية، حيث عملية "حماس" وما تبعها من هجوم إسرائيلي وما يستدعيه ذلك من ردود فلسطينية إلى آخر الحلقة المتوقعة، لم تفرض على زهران هذا الموقف، بل يمكن القول إنه متسق بشكل كامل مع توجهاته التي يعبر عنها دائماً.

وإذا كان التعبير السابق قد ظل حكراً على دوائر أقليات من دوائر المثقفين والمهتمين بشؤون السياسة والتوجهات الحزبية والفكرية العربية والمصرية، فقد تحول خلال الساعات القليلة الماضية إلى مثار بحث واهتمام من قبل جموع المغادرين "موقتاً" لمنصات الاقتصاد والباحثين عن مواقف المرشحين من القضية و"المقاومة" و"إسرائيل".

 إدانة أخرى من حازم عمر

احتلال الموقف من فلسطين وإسرائيل المساحة الأكبر حالياً في الأجواء الانتخابية المصرية لم يقف عند حدود الأسماء المعروفة أو المعروفة نسبياً بين المرشحين المحتملين، فقد تداول كثيرون إدانة المرشح عن حزب الشعب الجمهوري حازم عمر لـ"الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين العزل في قطاع عزة" و"استخدام الجيش الإسرائيلي وسائل القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني"، ومطالبته الجانب الإسرائيلي بـ"الوقف الفوري لتلك الاعتداءات والتحلي بضبط النفس وعدم التصعيد".

 

 

وعلى رغم الإدانة، وعلى رغم ترجيج كفة عدم استماع الجانب الإسرائيلي لمطالبة عمر، إلا أنه حذر أيضاً من أن تصاعد حدة العنف بسبب ما وصفه بـ"الممارسات الاستفزازية المتكررة التي دأب الجانب الإسرائيلي اللجوء إليها" قد يؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة في التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ناهيك بتبعاتها السلبية على مسار عملية السلام، وهو ما اعتبره البعض موقفاً ليناً، مقارنة بالطنطاوي الذي يتحدث عن "زوال إسرائيل"، وفي أقوال أخرى متعقلاً حيث عقارب الساعة لا ينبغي إعادتها إلى الوراء، وذلك بحسب موقف المتلقي المسبق من إسرائيل وعلمية السلام.

حزب الوفد والكشف الطبي

الطريف أن مرشح حزب الوفد العريق عبدالسند يمامة لم يصدر تصريحاً أو موقفاً أو تعليقاً أو مناشدة حول "عملية حماس" والأوضاع الملتهبة. ويرجح البعض أنه انشغل بالاختبارات الطبية التي يخضع لها المرشحون المحتملون من أجل تقديم أوراق الترشح، والبعض الآخر اعتبر ما قاله نائب رئيس حزب الوفد البرلماني سليمان وهدان كافياً للتعبير عن توجهات الحزب، ومن ثم يمامة.

تحدث وهدان في اليوم التالي لاندلاع عملية "حماس" عن ضرورة وقفة حاسمة تجاه "غطرسة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني"، مع التأكيد أن الحل الأمثل لحل القضية هو "الدبلوماسية والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في أن يعيش في دولة مستقلة من خلال اتفاق أوسلو للسلام".

ومن أوسلو إلى القاهرة، وتحديداً القصر الرئاسي المصري حيث تتجه أنظار الناخبين الباحثين عن موقفين (وربما موقف واحد) مما يجري في غزة وإسرائيل، موقف مصر الرسمي، وموقف مرشح الانتخابات الرئيس السيسي.

الغالبية العظمى من المصريين تتعامل مع الأخبار والبيانات الرسمية الصادرة عن القاهرة في شأن الأوضاع الحالية باعتبارها موقف الرئيس الحالي وكذلك المرشح الرئاسي.

الرئيس وحلقة العنف والدولتان

البيانات والأخبار والتصريحات جميعها تشير إلى أن الرئيس المصري يحذر من حلقة عنف مفرغة، وضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب تعريض "المدنيين" لمزيد من المخاطر نتيجة تصاعد حدة العنف، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلباً في مستقبل جهود التهدئة، والدولة المصرية دائماً في القلب من مثل تلك الجهود.

جهود الرئيس المصري والمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم تتغير، ولن تتغير على الأرجح في البرنامج الانتخابي المقبل حتى في ظل "عملية حماس". وقف العنف بين الطرفين، وحقن "كل الدماء" والعمل على حل الدولتين تشكل أركان الموقف الحالي والمستقبلي.

 

 

الموقف الحالي في غزة وإسرائيل وجنوب لبنان، وما تحمله الساعات والأيام القليلة المقبلة فرضت نفسها فرضاً على المرشحين، المؤكدين والمحتملين وعلى الناخبين، المهتمين فعلياً بأمر الانتخابات أو اللامباليين بها. الموقف الحالي أطاح بالاقتصاد المتمكن من قوائم أولويات الجميع في هذه العملية الانتخابية، دفاعاً أو هجوماً، تهويلاً أو تهويناً، ووضع "هجوم حماس" بدلاً منه، لا سيما في أعقاب حادثة الإسكندرية التي نجم عنها مقتل سائحين إسرائيليين وشعور الجميع بأن العملية، ولو كان هدفها الأقصى، فإنه سينال أو يؤثر أو كليهما في الجميع.

وفي خضم تلك الأجواء، يبذل البعض جهوداً على الأثير العنكبوتي للتذكرة بموقف الرئيس السابق الراحل التابع لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، الذي عرف بعدائه وعداء الجماعة التاريخي المعلن  لإسرائيل، إضافة إلى الفعاليات الشعبية والدينية المتواترة على مدار عقود لـ"نصرة الأقصى" والهتاف بضرورة التوجه إلى الأقصى "شهداء بالملايين"، وهي الأنشطة التي يقول نشطاء إنها ظلت حبراً على ورق، باستثناء ذلك الحبر الذي استخدم لكتابة ورقة الرسالة التي وجهها مرسي إلى الرئيس الإسرائيلي حينئذ شيمون بيريز، والتي خاطبه فيها بـ"عزيزي وصديقي العظيم"، وذلك في أكتوبر عام 2012.

كانت الرسالة خطاب اعتماد السفير المصري الجديد لدى إسرائيل. واشتملت وقتها على رغبة مرسي في "تطوير علاقات المحبة التي تربط البلدين"، وأثارت وقتها طوفاناً من الغضب بين معارضين للجماعة اعتبروها كشفاً لحقيقة الإخوان، ومؤيدين لها تعاملوا معها باعتبارها صيغة روتينية معمولاً بها في دول العالم.

المزيد من تحقيقات ومطولات