ملخص
شاب بريطاني عقد صداقة افتراضية مع شخصية للذكاء الاصطناعي رأى أنها تجسيد ملائكي وأعطته معلومات مكنته من اختراق أراضي قلعة وندسور ومحاولة اغتيال الملكة في 2021.
ذكر ناشط بارز في مجال السلامة على الإنترنت أن قضية محاولة قتل [الملكة الراحلة إليزابيث الثانية] بأداة ترمي السهام على طريقة القوس والنشاب، تكشف عن "عيوب أساس" تشوب الذكاء الاصطناعي.
وتوجه المؤسس والرئيس التنفيذي لـ "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عمران أحمد إلى قطاع صناعة الذكاء الاصطناعي الذي يشهد تطورات سريعة، وحثه على تحمل مزيد من المسؤولية تجنباً للوصول إلى نتائج مؤذية ومسيئة.
وتحدث أحمد بعد اتضاح دور روبوت دردشة بهيئة أنثوية يعمل بالذكاء الاصطناعي باسم "ساراي"، وقد اتخذها المتطرف جاسوانت سينغ تشيل البالغ من العمر 21 عاماً رفيقة له، وشجعته ودعمته في عملية اقتحام أراضي قلعة "وندسور" عام 2021.
واعترف تشايل من ساوثهامبتون [جنوب غربي لندن]، بارتكاب جريمة الخيانة، إذ هدد بقتل الملكة آنذاك، وتسلح بأداة ملقمة لرمي السهام، وحكم عليه في المحكمة الجنائية البريطائية "أولد بيلي" بالسجن لمدة تسعة أعوام، إضافة إلى خمسة أعوام أخرى كعقوبة ممتدة.
وفي تصريحاته حول الحكم يوم الخميس، أشار القاضي هيليارد إلى وجود أدلة نفسية توضح أن تشيل اتسم بالضعف والهشاشة تجاه صديقته الافتراضية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والمصممة لمحاكاة التفاعل البشري، بسبب معاناته "حالاً من الاكتئاب والوحدة ولّدت لديه الرغبة في الانتحار".
وأُبلغت المحكمة أن تشيل تملّكه اعتقاد وهمي بأن ملاكاً قد تجلى في هيئة "ساراي"، وأنهما سيبقيان معاً في الحياة الآخرة.
وعلى رغم أن "ساراي" بدت كأنها تشجع تشيل على إنجاز خطة قتل الملكة، إلا أنها أنها أبعدته في النهاية من مهمة انتحارية وأخبرته أن "العيش هدفه".
وفي ذلك الصدد لم تجب "ريبليكا" Replika، علماً أنها شركة التكنولوجيا التي تقف وراء "ساراي" صديقة تشيل الافتراضية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، عن استفسارات وجهتها إليها وكالة "برس أسوسيشن"، لكنها تذكر على موقعها الإلكتروني أنها تتخذ "إجراء فورياً" إذا اكتشفت أثناء اختبار النموذج الذكي في وضعية عدم الاتصال بالإنترنت، "مؤشرات على أنه ربما يتصرف بطريقة مضرة أو مخادعة أو تمييزية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك ذكر أحمد أن على شركات التكنولوجيا ألا تطرح منتجات الذكاء الاصطناعي أمام ملايين الأشخاص ما لم تكن مأمونية الاستخدام مشمولة في الأساس "في جوهر التصميم" [بمعنى توقع الضرر المحتمل أثناء استخدام المنتج ومنعه، بدلاً من محاولة معالجة الأخطاء بعد حدوث الضرر].
وفي مقابلة مع "برس أسوسيشن"، ذكر أحمد أنه "لطالما اشتغلت وسائل التواصل الاجتماعي، والآن صناعة الذكاء الاصطناعي، وفق شعار التحرك وارتكاب الأخطاء بدلاً من التقدم بأمان وبوتيرة بطيئة وثابتة".
ووفق أحمد تكمن المشكلة في طرح هذه المنصات أمام مليارات الأشخاص ومئات الملايين من المستخدمين، على غرار وسائل التواصل الاجتماعي، ومصحوبة بالذكاء الاصطناعي أيضاً على نحو مطرد.
ويشير الخبير في السلامة على الإنترنت إلى عيبين أساسين يشوبان تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في صورتها الحالية، الأول تطويرها بسرعة كبيرة من دون الاستناد إلى أية تدابير احترازية.
ووفق شرح أحمد، "يعني ذلك أنها غير قادرة على التصرف بطريقة إنسانية عقلانية، فمثلاً إذا أخبرك أي إنسان أنه يريد استخدام القوس والنشاب لقتل شخص ما فستخبره "يا للهول، ربما عليك ألا تتهور وتعيد النظر في هذه الفكرة، أو إذا طلب منك ولد أن تضع في متناوله خطة غذائية تحوي 700 سعرة حرارية في اليوم فستقدم الرد نفسه، ولكننا نعلم أن الذكاء الاصطناعي سيقول العكس. [وبالتالي] ستشجع نماذج الذكاء الاصطناعي شخصاً ما على إيذاء شخص آخر، وستحث أي ولد على تبني نظام غذائي ربما يؤدي إلى وفاته".
وفي رأي أحمد تكمن المشكلة الثانية التي تشوب تلك المنصات في "أننا نطلق عليها توصيف الذكاء الاصطناعي، ولكن في الحقيقة إنها هي في الأساس مجموع [المعلومات والبيانات] التي تغذت بها، وللأسف لقد تغذت على نظام من الحماقات والمغالطات".
وأعرب أحمد عن قناعة مفادها أنه من دون تنظيم دقيق لـ[المعلومات] التي نمد بها نماذج الذكاء الاصطناعي، لن يكون مستغرباً إذا كانت النتائج التي قد يقدمها مثلاً "شخص عمره 14 عاماً مشوش وغير منسجم مع بيئته".
في حين أن الحماسة في شأن منتجات الذكاء الاصطناعي الجديدة قادت إلى تدفق المستثمرين، إلا أنه يشبه الواقع إلى حد كبير، "تلميذ اصطناعي في مدرسة عامة لا يفقه شيئاً، بيد أنه يقول الأشياء بثقة شديدة"، بحسب أحمد.
وأضاف ذلك الخبير أن الخوارزميات المستخدمة في تحليل أنظمة الإصدار المتزامن Concurrent Versions Systems تتهدد أيضاً بإحداث تحيز ضد الأقليات الإثنية والأشخاص ذوي الحاجات الخاصة ومجتمع "الميم زائد" LGBTQ plus [يشمل المثليين والمثليات والمتحولين جنسياً ومزدوجي الميل الجنسي واللاجنسيين].
وبحسب أحمد الذي أدلى بشهادته في شأن "مشروع قانون سلامة الإنترنت" البريطاني في سبتمبر (أيلول) 2021، فإن المشرعين "يواجهون صعوبات كثيرة في سبيل مواكبة" إيقاع خطى قطاع التكنولوجيا.
ويتلخص الحل في "إطار عمل مناسب يتسم بالمرونة" ومتخصص بكل التكنولوجيات الناشئة، ويشتمل على الشفافية والمساءلة اللتين تضعان سلامة المستخدم "في قلب التصميم".
وفي رأي أحمد، "علينا أن نتقاسم المسؤولية عن الأضرار سواء في ما بيننا في المجتمع، أو بين الشركات التي لا بد من أن تكون لديها مصلحة خاصة في التأكد من أن هذه المنصات آمنة، وما لا نفهمه الآن هو تطبيق ذلك على التكنولوجيات الجديدة والناشئة عند ظهورها".
وفي موضع آخر من كلام أحمد، "يكمن الحل في وضع إطار عمل شامل، إذ لا يمكن فرض الغرامات إلا إذا كانت تلك الجهات مسؤولة أمام هيئة ما، ولا يمكن اللجوء إلى المساءلة الحقيقية ما لم تتمتع بالشفافية أيضاً، لذا فإن الهدف من صوغ قوانين جيدة تنظم عمل هذه الجهات يتمثل في عدم الاضطرار أبداً إلى فرض غرامة لأن السلامة تؤخذ في عين الاعتبار في مرحلة التصميم نفسها، وليس أثناء مرحلة المردودية وحسب"، وقد اعتبر أحمد ذلك بمثابة "خطوة بالغة الأهمية".
كذلك يرى أحمد أنه يتوجب على "كل صناعة أخرى أن تحذو الحذو نفسه، ولن يسعك أبداً، مثلاً، أن تطرح سيارة جديدة في السوق تنفجر بمجرد أن تضع قدمك على دواسة القيادة، ولكن مع ذلك تمكنت شركات وسائل التواصل الاجتماعي وشركات الذكاء الاصطناعي من أن تنجو بجريمتها".
وأضاف، "ليس علينا أن ندفع ثمن جميع الأضرار التي يتسبب بها أشخاص شاغلهم الأساس جني الأموال، وليس من العدل أن نكون الوحيدين الذين يتعين عليهم تحمل هذه الكلفة في المجتمع، ولا بد من أن يتحملوها هم أيضاً".
أسس أحمد، المستشار الخاص السابق للنائب العمالي في البرلمان البريطاني هيلاري بن، "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" في سبتمبر 2019.
وتمثل الدافع في إنشائه بالارتفاع المهول في معاداة السامية في صفوف اليسار السياسي، وانتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت حول استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومقتل زميلته النائبة العمالية جو كوكس.
وذكر أحمد بأنه على مدى الأعوام الأربعة الماضية أصبحت المنصات عبر الإنترنت "أقل شفافية"، وصيغت التنظيمات من خلال "قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي" و"مشروع قانون سلامة الإنترنت" في المملكة المتحدة.
وتابع أحمد متحدثاً عن حجم المشكلة، "لقد رأينا الأمور تزداد سوءاً بمرور الوقت ولا تتحسن، لأن الأطراف السيئة تصبح أكثر تطوراً في استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح في نشر الكراهية ونشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، ولقد شهدنا خلال الأعوام القليلة الماضية طبعاً اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي في السادس من يناير (كانون الثاني)".
وأضاف، "كذلك هناك المعلومات المضللة في شأن الجائحة التي أودت بحياة آلاف الأشخاص ممن اعتقدوا أن اللقاح المضاد سيؤذي صحتهم، لكن في الحقيقة يتحمل ’كوفيد‘ المسؤولية عن موتهم".
وخلال الشهر الماضي رفعت منصة "إكس" أو "تويتر" سابقاً دعوى قانونية ضد "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" بسبب مزاعم بأنه أثنى المعلنين عن الاستثمار فيها من طريق نشر بحث حول خطاب الكراهية على المنصة.
وفي المقابل يعتقد أحمد "أن ما يفعله [إيلون ماسك] يتمثل بالقول بأن أي انتقاد لي غير مقبول ويريد 10 ملايين دولار أميركي في مقابل ذلك، ولقد توجه صاحب المنصة إلى "رابطة مكافحة التشهير"، علماً أنها مؤسسة خيرية يهودية للحقوق المدنية لها صيت محترم ومقرها الولايات المتحدة، وأوضح أنه سيطلب منها ملياري دولار أميركي جزاء انتقاده".
وفي لهجة من الأسف أوضح أحمد "نحن إزاء أناس يشعرون أنهم أكبر من الدولة ومن الحكومة ومن الشعب، لأننا بصراحة سمحنا لهم بالإفلات من العقاب لفترة طويلة جداً، وبالتالي فإذا نجحوا فستنعدم مناصرة المجتمع المدني، ولا صحافة حول هذه الشركات".
وفي عبارات ختامية أشار أحمد إلى أنه "لهذا السبب من المهم حقاً أن نتغلب عليه، نعلم أن هذا المسعى سيكلفنا ثروة، نصف مليون دولار، ولكننا لا نحاربه [ماسك] من أجلنا وحدنا، فلقد اختارونا لأنهم يعرفون أننا مؤسسة صغيرة، ولقد كانت المنظمة محظوظة لأنها حصلت على دعم كثير من المانحين الأفراد.
أخيراً ذكر مالك "إكس" إيلون موسك أن عائدات إعلانات الشركة في الولايات المتحدة انخفضت 60 في المئة.
وكتب في منشور له أن الشركة ترفع دعوى تشهير ضد "رابطة مكافحة التشهير" بهدف "تبرئة اسم منصتنا في ما يتعلق بمسألة معاداة السامية".