ملخص
أولويات العام المقبل تركز على تطوير القطاع الزراعي وتحسين قيمة الصادرات ودعم الاقتصاد الرقمي وحفز الاستثمار الخاص
تخطط تونس لتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية في العام المقبل 2024 تمهيداً للخروج الحذر والتدرجي من الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي تعصف بالبلاد على مدار سنوات عدة، إذ تسعى الحكومة إلى وضع خطة تنموية لـ2024 تتزامن مع الانتخابات الرئاسية، تستهدف استعادة وتيرة النمو الذي لا يزال هشاً، وتشير التوقعات إلى أن معدل النمو التونسي سيكون أقل من اثنين في المئة خلال العام المقبل.
إلى ذلك تمثل السنة المقبلة اختباراً جدياً لرئيس الحكومة أحمد الحشاني بعد تعيينه في نهاية أغسطس (آب) الماضي لصمود الاقتصاد وعدم السقوط في مشكلات أعمق، في ظل حجم التحديات تزامناً مع ظرف اقتصادي محلي وإقليمي ودولي طغت عليه التوترات السياسية والعسكرية وتواصل النزاع المسلح بين روسيا وأوكرانيا، قبل اندلاع صراع آخر بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية وما قد ينتج منه من ارتفاع أسعار النفط.
وبحسب وثيقة الملامح الكبرى لمسيرة معدل النمو التونسي خلال 2024، التي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منها، أقرت الحكومة التونسية صراحة أن "الخروج من هذا الوضع الاقتصادي الدقيق والحرج يتطلب بذل جهود استثنائية لإحداث صدمة إيجابية تسهم في دعم النمو واستعادة التوازنات المالية".
وأشارت الوثيقة إلى أبرز الرهانات والتحديات التي ستواجه البلاد في السنة المقبلة، مؤكدة أن "التحديات تحتاج إلى إعداد خطة وطنية لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية يكون أساسها التوازن بين متطلبات الاستقرار الاقتصادي والنمو والتماسك الاجتماعي وتأمين تناسق السياسات الاقتصادية والمالية وتفعيل الاستراتيجيات القطاعية وتوفير المساندة للمؤسسات مع تكريس نزاهة المنافسة وشفافية المعاملات، إضافة إلى تسريع تنفيذ البرامج الوطنية للرقمنة، وكذلك تحسين برامج الإحاطة الاجتماعية وتحسين ظروف عيش للفئات الضعيفة".
وتتوقع أن يتراوح نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الداخل لتونس (بالأسعار الجارية) خلال العام المقبل ما بين 1.4 و1.9 في المئة في مقابل 0.9 في المئة متوقعة خلال العام الحالي.
وأرجعت الحكومة الضعف اللافت في معدل النمو المتوقع في السنة الحالية إلى الانخفاض الحاد للقيمة المضافة للقطاع الزراعي (نمو سلبي بـ13.4 في المئة).
أولويات عام 2024
وفق الوثيقة فإن أبرز الأولويات في 2024 تتمثل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ودفع الاستثمار الحكومي والخاص عبر تطوير مردودية القطاع الزراعي باقتراح إجراءات وتدابير، ترتكز على تخصيص 100 ألف هكتار من الحبوب المطرية وإحكام استغلال الأراضي الدولية الفلاحية في إطار عقود كراء إضافة إلى تبسيط الإجراءات وحذف الوثائق المتعلقة بملكية الأراضي الفلاحية.
وتشير الوثيقة إلى أنه "سيسمح للقطاع الخاص باستيراد الأعلاف والبذور، إضافة إلى اعتماد مقاربة متجددة لمقاومة ظاهرة الشح المائي وتسريع مشاريع تحلية مياه البحر واستغلال المياه المعالجة".
يشار إلى أن حصة القطاع الخاص في الناتج المحلي تصل إلى نحو 10.7 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت الوثيقة إلى أن "الحكومة وضعت على رأس أولويات العام المقبل تحسين أداء وتنافسية القطاع الصناعي بتسريع إجراءات إعداد ميثاق يسمح ويدعم بالشراكة بين القطاعين العام والخاص للنهوض بالقدرة التنافسية لقطاع الصناعات الصيدلية ومتابعة وتثمين إنتاج زيت الزيتون والتمور (من الإنتاج إلى التصدير) علاوة على تعزيز تنافسية إنتاج الأسمنت في الأسواق الخارجية وتقليص معدل التلوث البيئي ومراجعة الإطار التنظيمي والقانوني للأقطاب التكنولوجية".
من جانب آخر ركزت الحكومة في الوثيقة ضمن قائمة الأولويات على دعم الاقتصاد الرقمي بالتركيز على الجوانب التشريعية والقانونية من خلال الحرص على إصدار المجلة الرقمية وإصدار قانون الاستعمالات الرقمية وتسريع تنفيذ مشاريع تطوير البنية التكنولوجية، لا سيما رفع طاقة تدفق الإنترنت وتحسين جودة تغطيتها.
تحسين تنافسية الصادرات
من ضمن الإجراءات والتدابير المقترحة للعمل بها العام المقبل لتحسين تنافسية الصادرات التونسية، تعزيز دور ممثلي التجارة التونسية بالخارج ودعم التوجه نحو قارة أفريقيا وإعداد برنامج شامل للاستفادة من الاتفاقات التجارية مع القارة السوداء، خصوصاً دول جنوب الصحراء وتطوير المبادلات التجارية مع دول الجوار ليبيا والجزائر عبر الإسراع في إنجاز مناطق تجارية حرة معها بعد أن تأخرت كثيراً، هذا إلى جانب تحسين القاعدة التصديرية من خلال تصويب الامتيازات وتوجيهها نحو القطاعات الواعدة، فضلاً عن دعم التجارة الإلكترونية بتطوير الإطار التشريعي في ظل الإمكانات المهمة التي تنطوي عليها.
دفع أكبر للاستثمار الخاص
وأكدت الوثيقة أن "من بين أولويات العمل الحكومي في عام 2024 المصادقة على الإجراءات الداعمة للاستثمار في إطار مشروع قانون النهوض بالاستثمار من خلال تفعيل برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الطاقات المتجددة وضبط خطط عمل قطاعية ملزمة لدفع المؤسسات على الإنتاج الذاتي للطاقات المتجددة والاستثمار في الطاقة"، مضيفة أنه "سيتم العمل على اعتماد استراتيجية وطنية للنهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة، إلى جانب تيسير النفاذ إلى السوق بتقليص التراخيص ومراجعة كراسات الشروط مع تسريع عمل اللجان المكلفة بإسناد التراخيص والامتيازات مع ضبط خطة عمل شمولية لإدراج العمل غير المنظم في الدورة الاقتصادية".
والتزمت الحكومة في خطتها التنموية والإصلاحية بالمصادقة على قانون الصرف الجديد، فضلاً عن التسريع في صرف المنح المالية المخصصة لصالح المستثمرين الذين استوفوا الشروط اللازمة وتسوية جزء من مستحقات الدولة تجاه المؤسسات مع العمل على تنشيط السوق الثانوية لسندات الدولة بما يدعم تعبئة موارد تمويل إضافية.
أخطار محدقة
وتضمنت وثيقة ملامح النمو للعام المقبل إعداد الحكومة لسيناريو كلفة التأخر في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، محذرة من أخطار المحدقة بالبلاد في حال التأخر أو عدم إنجازها، ففي حال تأخر إنجاز الإصلاحات لجهاز الإنتاج فإن الأخطار المحتملة على المدى القصير تتمثل في عدم قدرة الاقتصاد على الاستجابة للطلب وتراجع الاستثمار وارتفاع البطالة الهيكلية مع توسع رقعة الفقر وتوسع القطاع الموازي.
أما بالنسبة إلى تداعيات عدم إصلاح منظومة الأسعار قد ينجم عنه نقص المنتجات الأساسية وعدم القدرة على تزويد الأسواق، مما يؤجج الاحتجاجات الاجتماعية، إذ إن التدهور السريع والخطر للموازنات المالية العامة وعدم إنجاز الإصلاحات المطلوبة قد ينجم عنه تفاقم الصعوبات التي تواجه الخزانة العامة، مما يؤدي إلى اعتماد إجراءات تقشفية، وارتفاع الأخطار يتعلق بتأزم الأوضاع المالية للمؤسسات العامة وتداعياتها على القطاع المصرفي والمالي.
وأشارت الوثيقة إلى أنه في حال عدم إنجاز الإصلاحات سيزيد الضغط على المدخرات من العملة الأجنبية، وهو ما ينعكس سلباً على تآكل المدخرات واضطراب التوريد وصعوبة التزود بالمواد الأساسية، وهو ما يضغط أيضاً على القطاع المالي الهش ما سيؤثر في ارتفاع الأخطار السيادية مع إمكان تسجيل سحب مكثف للودائع والادخار لدى البنوك العمومية.
سيناريوهات موازية
ولتفادي السيناريوهات السلبية تضمنت الخطة التنموية حزمة من المقترحات الواجب تنفيذها ومتابعة تنفيذ الإصلاحات باعتماد نظام حوكمة ناجع لمتابعة وتقييم الإصلاحات من خلال تكليف فريق متعدد الخبرات بتقديم المشورة الفنية وإعداد تقارير دورية ربع سنوية (ثلاثة أشهر) لتعرض على مجالس عمل وزارية، علاوة على دعم النمو الاقتصادي واعتبار النمو الاقتصادي هدفاً جوهرياً للسياسات القطاعية للخروج من الأزمة مع اعتماد أهداف كمية لكل الإجراءات المشخصة ومتابعتها دورياً لرفع نسبة إسهام القطاعات في النمو.
وتقترح الوثيقة كذلك دعم الاستثمار من خلال الالتزام بتنفيذ إجراءات إصلاح مناخ الأعمال (185 إجراء) واحترام وتيرة التنفيذ.