دخلت العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي منعرجاً جديداً بعد إعلان الرئيس قيس سعيد رفض ما سماه "صدقة" تريد بروكسل منحها لبلاده، في تطور يشي بمزيد من التأزم بين الطرفين على رغم التقارب الذي ساد خلال الأشهر الماضية، وهو تقارب أملاه ملف الهجرة غير النظامية الذي يؤرق الجانبين.
وأعلنت المفوضية الأوروبية، أول من أمس الأربعاء، عن صرف 60 مليون يورو إلى تونس في إطار مساعدة سارعت وزارة الخارجية التونسية إلى رفضها، حيث قالت في بيان إن "البلاد لم تبد أية موافقة على صرف هذا المبلغ"، مما يعكس عجزاً عن احتواء الخلافات التي شقت العلاقات بين الطرفين.
وكان الرئيس سعيد قد رفض هذا المبلغ قائلاً إن "تونس التي تقبل التعاون لا تقبل ما يشبه المنة أو الصدقة، فبلادنا وشعبنا لا يريدان التعاطف، بل لا يقبلانه إذا كان من دون احترام".
"علاقات الند للند"
يأتي هذا التوتر في العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي في وقت تشهد فيه السواحل الإيطالية، وخصوصاً جزيرة لامبيدوزا، تزايداً قياسياً في أعداد المهاجرين غير النظاميين على رغم الجهود الكثيفة التي تبذلها قوات الحرس الوطني التونسية لصد هؤلاء.
ووقعت تونس والمفوضية الأوروبية اتفاق "الشراكة الاستراتيجية" في الـ16 من يوليو (تموز) الماضي ،وهو اتفاق من بين نقاطه مكافحة مهربي البشر.
وقال رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان الناصري إن "الاتفاق الذي تم مع الاتحاد الأوروبي أظهر تناقضاً داخل البرلمان الأوروبي، حيث رفض كثيرون هذه الاتفاق وقالوا إنها غير شرعية، وشككوا فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الناصري في تصريح خاص إلى "اندبندنت عربية" أن "الاتحاد الأوروبي يتعامل مع تونس بنظرة استعمارية واستعلائية ويظنون أنه بمبلغ زهيد ستكون تونس حرساً لحدودها، وهو اتفاق فيه جزء لاسترجاع المهاجرين التونسيين، وحتى الأفارقة من جنوب الصحراء، وهو ما يعكس سعياً إلى جعل تونس دولة استيطان، وهذا لن يكون، نحن نرفضه رفضاً تاماً". وأوضح أنه "رأينا تقليلاً من القيمة التونسية وضرباً للسيادة الوطنية. يجب أن يعلم الاتحاد الأوروبي أن تونس لا تقل شأناً عنه، وأن العلاقات يجب أن تكون الند للند، لذلك ندعم موقف رئيس الجمهورية قيس سعيد ونطالب باحترام السيادة الوطنية، وأن لا يتم استرجاع دور الوصي على تونس من قبل بعض الأطراف".
وشدد على أن "العلاقات حتى تكون طيبة وسليمة يجب أن تكون بمنطق الند للند، وأن تتم دراسات للاتفاقات الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي لذلك حتى فرضية مراجعة هذه الاتفاقات تبقى واردة بقوة، اليوم ندعم قرار رئيس الجمهورية برفض المنح التي يتحدثون عنها ونريد جلوساً على طاولة الحوار باحترام متبادل".
وكانت زيارة لوزير الخارجية التونسي نبيل بن عمار إلى روسيا قد أثارت تكهنات بإمكانية تغيير تونس سياستها الخارجية والتخلي عن حليفها التقليدي، أي الغرب، لكن موالين للرئيس سعيد ينفون الاصطفاف مع أي حلف في خضم التجاذب بين موسكو والعواصم الغربية.
وقال الناصري إن "تونس تبقى دائماً دولة حياد، لا يمكن أن نصطف خلف حلف معين، دبلوماسيتنا منفتحة على التعامل مع أكثر من جهة على الساحة الدولية".
الضغط على الأوروبيين
كانت سواحل لامبيدوزا قد شهدت توافداً كبيراً للمهاجرين غير النظاميين، مما أعطى انطباعاً لدى المتابعين بأن تونس تضغط على بروكسل بهذه الورقة، وهو ما تنفيه البلاد التي تبذل بالفعل جهوداً قوية للتصدي لهؤلاء.
واعتبرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، أمس الخميس، أن بلادها لا يمكن أن تواجه بمفردها الهجرة، وعلقت على رفض الرئيس سعيد لقبول التمويلات بأن "العلاقة مع الدول الأفريقية يجب أن تتغير، بشكل يضع حداً للنهج الأبوي المتبع من جانبنا، كما لو كنا متفوقين، وهذه ليست الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه القضية".
وقال الناشط السياسي والنائب البرلماني السابق مجدي الكرباعي إن "تونس لم ترفض في الحقيقة هذه التمويلات، وقد تم ضخها بالفعل في الموازنة، وقالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية إن هذا ما طلبته تونس في إطار اتفاق الشراكة الشاملة".
وأضاف الكرباعي في تصريح خاص أن "الظاهر بعد سماع تونس لخطاب ميلوني التي تقول إنها ستجعل الاتحاد الأوروبي يصرف 900 مليون يورو لتونس من دون شرط، وهو أشبه بالاتفاق مع صندوق النقد، جعل تونس تراجع موقفها وتطلب مزيداً من الأموال للتصدي الهجرة غير النظامية". وشدد على أن "تونس تريد أن تأخذ أموالاً أكثر لأنها في ضائقة مالية بعد تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ولم يبق لها أية وسيلة ضغط إلا مسألة الهجرة غير نظامية، وأظن أوروبا هي الوحيدة القادرة على إقراضها وتونس تستعمل ورقة الهجرة كوسيلة ضغط، إلا أن هناك دولاً مثل ألمانيا وإسبانيا، وكذلك فرنسا ترفض المساعدات إلى تونس في ظل الوضع السياسي، وكذلك وضعية الحقوق والحريات، إيطاليا لا تكترث بهذه العوامل، لذلك هي تضغط من أجل إعطاء الأموال إلى تونس دون أن تكترث للوضع السياسي أو الحقوقي".
وفي ظل مؤشرات التنافر بين تونس والاتحاد الأوروبي، فإن من غير الواضح ما إذا سيلتزم الطرفان بتهدئة العلاقات، خصوصاً أن ملف الهجرة غير النظامية العالق بينهما يؤرق كلا الطرفين.