ملخص
أعلنت منصة "إكس" أنها تراقب وتزيل حسابات فلسطينية عن المنصة بدعوى أنها رصدت أكثر من 50 مليون منشور عالمي يتناول الأحداث والمفوضية الأوروبية تهدد المنصة بعقوبات
لم تعد الخوذ الزرقاء ولا الدروع الواقية المحملة بمعدات وآلات التصوير، كفيلة بحماية الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة بعد اليوم، فمع بدء عملية "طوفان الأقصى" التي تشنها حركة "حماس" على مستوطنات غلاف غزة منذ صباح السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، قُتل سبعة صحافيين فلسطينيين أثناء عملهم بتوثيق تطورات الأحداث في ميدان غزة، إثنان منهم سقطا بنيران الجيش الإسرائيلي عند السياج الأمني الإسرائيلي الفاصل مع غزة شرق مخيم البريج للاجئين وسط القطاع، فيما فُقدت آثار اثنين آخرين ولا يزال مصيرهما مجهولاً، وأصيب 10 آخرون بجروح متفاوتة. وبحسب توثيقات نقابة الصحافيين الفلسطينيين، فإن الصحافيين محمد الصالحي وإبراهيم لافي، اللذين قتلا على مقربة من السياج وهما يحاولان توثيق القصف وحالة الهلع في صفوف المدنيين الفلسطينيين، كانا يرتديان زياً يميزهما ويحملان معدات وآلات تصوير. وفجر الثلاثاء، قتل ثلاثة صحافيين أثناء تغطيتهم قصف الطائرات الإسرائيلية على مبنى سكني في حي الرمال غرب مدينة غزة. ووفقاً لمكتب الإعلام الحكومي، فإن قصف أبراج سكنية توجد فيها مقار العديد من المؤسسات الإعلامية وتدميرها بشكل كامل أو جزئي، ومنها برجا "فلسطين" و"وطن"، تسبب بالإضرار بمقار ما يزيد على 40 وسيلة إعلامية.
وتؤكد المادة "34" من الفصل "10" من دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني لعام 2005، على أنه "يجب احترام وحماية الصحافيين المدنيين العاملين في مهام مهنية بمناطق نزاع مسلح، ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية". كما وتنص المادة "79" من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 حول القانون الدولي الإنساني، على أن الصحافيين الذين يؤدون مهامهم في النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل أشكال الهجوم المتعمد. وأشارت مؤسسات إعلامية وحقوقية محلية، إلى مقتل أكثر من 60 صحافياً فلسطينياً خلال قيامهم بعملهم الصحافي منذ عام 2000.
ملاحقة دولية
وعلى رغم أن لهيب الحرب الأعنف بين إسرائيل وغزة منذ سنوات لم يهدأ بعد، خرج صحافيو القطاع ومثلهم في مدن الضفة الغربية تنديداً بما اعتبروه "استهدافاً للصحافيين والقتل العمد من قبل إسرائيل"، مطالبين الاتحاد الدولي للصحافيين واتحاد الصحافيين العرب وكافة المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية الدولية، بضرورة التحرك لحمايتهم، وفتح تحقيقات رسمية تجاه ما يجري بحق المؤسسات الإعلامية وقتل إعلاميين في الضفة والقطاع، وملاحقة المرتكبين ومساءلتهم وتقديمهم للمحاكمة.
وأكد نقيب الصحافيين ناصر أبو بكر، خلال مشاركته الوقفة الاحتجاجية وسط مدينة رام لله، "أن إسرائيل تتذرع بالضرورات الأمنية وما تسميه "الخرق الأمني" لتنفيذ عمليات الاغتيالات والقتل الممنهج ضد الصحافيين الفلسطينيين"، متسائلاً "إلى متى ستظل إسرائيل من دون محاسبة أو عقاب يردعها عن الجرائم التي تنفذها أمام عدسات الكاميرات والعالم بدم بارد؟".
بدورها، طالبت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" التي شاركت الصحافيين في احتجاجاتهم، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في حرية الرأي والتعبير، بالتحرك الفعلي والجاد وبالسرعة الممكنة للضغط على إسرائيل لوقف استهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية خلال الحرب على القطاع ووضع حد لها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار مثل تلك الأحداث.
وقال مدير الهيئة في فلسطين عمار دويك "سلوك دولة الاحتلال بحق الصحافيين ما هو إلا استمرار لنهج وسياسة هادفة إلى تكميم الأفواه واغتيال الكلمة والصورة". وأضاف "استمرار سلسلة الإعدامات لهؤلاء العاملين في الميدان، وإعاقة عملهم في أداء واجبهم المهني والأخلاقي، يأتي خلافاً للمواثيق الدولية والحقوقية التي تكفل حرية العمل الصحافي، وتنص على حماية الصحافي أثناء النزاعات المسلحة". وأردف "يقع على عاتق المجتمع الدولي إلزام إسرائيل باحترام حرية التعبير المكفولة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". من جانبه، دان "معهد الشرق الأوسط للإعلام والدراسات السياسية" MEMPSI استهداف الصحافيين الفلسطينيين، قائلاً في بيان "إن ذلك يأتي من أجل طمس الحقائق المتعلقة بالتغطية الإعلامية لمجريات الأحداث الدائرة في غزة"، مؤكداً "وقوفه إلى جانب العاملين في المؤسسات الإعلامية الفلسطينية كافة".
فيما أعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن قلقها إزاء اختفاء المصورين الصحافيين نضال الوحيدي وهيثم عبدالواحد في بيت حانون منذ السبت الماضي، داعيةً السلطات الإسرائيلية والفلسطينية البحث عنهما وضمان حمايتهما.
وبحسب تقرير أخير لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، تَعرَّض أكثر من 144 صحافياً فلسطينياً وأجنبياً، لاعتداءات الجيش الإسرائيلي خلال تغطيتهم الأحداث بفلسطين خلال السنوات الأربع الأخيرة، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بالقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتج من أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظلام رقمي
وتأتي الاحتجاجات الفلسطينية كذلك، اعتراضاً على ممارسات منصات التواصل الاجتماعي الحادة بحق الصحافيين الفلسطينيين، وتقييدها مئات الحسابات الإعلامية وإلغاء أخرى، ومنع النشر على خلفية تغطية الأحداث الحالية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. من جهتها، أعلنت منصة "إكس" صباح الثلاثاء، أنها ومن خلال تعاونها مع منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب، تراقب وتزيل حسابات فلسطينية عن المنصة بدعوى أنها رصدت أكثر من 50 مليون منشور عالمي يتناول الأحداث.
وخلال النصف الأول من العام الحالي، رصد مركز "صدى سوشال" المتخصص بتوثيق الانتهاكات الرقمية التي يتعرض لها الفلسطينيون، توثيق أكثر من 450 انتهاكاً رقمياً بحق المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي، 58 في المئة منها كانت بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، وتنوعت بين حذف الحسابات والصفحات أو فرض تقييدات رقمية.
وفيما يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة، تعطّل شبكات الاتصال والإنترنت جراء قصف البنية التحتية وانقطاع الكهرباء، تمنع إسرائيل منذ سنوات تدفق المعدات والتكنولوجيا داخل القطاع، وتفرض قيوداً على استخدام الإنترنت هناك، وتمنع الغزييّن من استخدام خدمات شبكات الجيل الثالث.
واعتبر المركز أن إعلان "إكس" هو بمثابة "إنحيازٍ رسمي وتام لإسرائيل، ضد الفلسطينيين الموجودين تحت هجوم الطائرات الإسرائيلية"، مشيراً في بيان إلى أنه "لا يقل خطورة عن المشاركة الفعلية العسكرية مع الجيش في جرائمه ضد الفلسطينيين في قطاع غزة".
ويرى مدير المركز إياد الرفاعي أن هذه الإجراءات "تجعل الصحافة الرقمية غير فعّالة ومنقوصة، وتعيق تدفق المعلومات ونشر الأخبار في مثل هذه الظروف الحرجة. وتنتهك الحق الأساسي في التعبير عن الذات، والعالمي في الوصول إلى المعلومات بحرّية". وأضاف "الوصول الرقمي حق إنساني، وإغلاق الإنترنت لا يعوق قدرة الأشخاص على التواصل والتعبير فحسب، بل يحد أيضاً من الوصول إلى الحاجات الأساسية مثل الرعاية الصحية العاجلة والمعلومات الموثوقة. يجب على إسرائيل السماح للفلسطينيين بالوصول إلى حقوقهم الأساسية".
تهديدات دولية
من جهتها، هددت المفوضية الأوروبية أمس الأربعاء، منصة "إكس" بعقوبات، داعية رئيسها إيلون ماسك لتقديم توضيحات خلال 24 ساعة حول تداول معلومات خاطئة وصور عنيفة مرتبطة بالنزاع في إسرائيل. وقد عبّرت المفوضية نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي عن قلقها من معدل المعلومات الخاطئة على "إكس"، مشيرة إلى نتائج ضعيفة سجلتها خلال اختبارات أجريت على عدد من المنصات.
وأكد مدير مركز لتطوير الإعلام الاجتماعي نديم ناشف، أن هناك "كماً هائلاً من التحريض باللغة العبرية على شبكات التواصل الاجتماعي"، قائلاً "أهمية قصوى يجب أن نوليها لمكافحة خطاب الكراهية والتحريض، لأنه قد يترجم لاعتداءات وهجمات على أرض الواقع". ودعا شركات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤولياتها، والتأكد من عدم وجود أي مضمون من هذا القبيل على منصاتها.
من جهته، لم يعقب الجيش الإسرائيلي حتى الآن، على مقتل الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة أخيراً، لكنه قال في وقت سابق، إنه "يتأسف لأي ضرر يلحق بالمدنيين أثناء النشاط العملياتي، ويعتبر حماية حرية الصحافة والعمل المهني للصحافيين أمراً بالغ الأهمية". وذلك في إطار رده على تقرير لجنة حماية الصحفيين CPJ، الذي نشر في مايو (أيار) الماضي، والذي أشار فيه إلى أن "الجيش الإسرائيلي يقتل الصحافيين، من دون أن تتم محاسبة أو ملاحقة أي من الجنود المتورطين". وشدد الجيش الإسرائيلي في بيانه آنذاك على أنه "لا يستهدف عمداً غير المقاتلين، ولا يستخدم الذخيرة الحية في القتال إلا بعد استنفاد جميع الخيارات الأخرى". وأضاف "نفحص ونحقق بانتظام في أفعال الجيش من خلال آليات تفتيش وتحقيق مستقلة ومتعمقة، من بينها آلية تقييم تقصي الحقائق". مضيفاً أنه في الحالات التي "يتم فيها إثارة ادعاء بإلحاق ضرر غير قانوني بالمدنيين، بما في ذلك ضد الصحافيين، يتم بدء إجراء تحقيق لتوضيح الادعاء".