ملخص
"لقد كانت واشنطن واضحة في ضرورة قيام القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بوقف القتال فوراً"
في وقت دخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" شهرها السابع من دون وجود بوادر لإنهائها سلمياً أو عسكرياً، وهو ما أحدث حالة من الإحباط وسط السودانيين بخاصة سكان الخرطوم، تواصلت العمليات العسكرية بين الطرفين على جبهات القتال المختلفة في مدن العاصمة الثلاث، إذ تعرض سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية لهجمات عسكرية مكثفة من قبل "الدعم السريع"، فضلاً عن وقوع اشتباكات عنيفة بين طرفي القتال حول المناطق المتاخمة لمجمع الذخيرة الصناعي في المنطقة ذاتها، وبحسب شهود فإن الجيش السوداني واصل قصفه المدفعي من قاعدة وادي سيدنا شمال أم درمان على أهداف لتجمعات ومواقع "الدعم السريع" بأحياء أم درمان القديمة وأمبدة، فيما ردت الأخيرة، من منصاتها، بالخرطوم بحري.
أضاف الشهود أن اشتباكات وقعت بين القوتين في منطقة الفتيحاب والمربعات (تقاطع ود البلال) جنوب أم درمان، وأنهم سمعوا دوي أصوات مضادات طيران وأسلحة خفيفة وثقيلة، لافتين إلى وقوع مواجهات بين الجانبين في منطقة أبو آدم جنوب الخرطوم، وكذلك بمنطقة سلاح الأسلحة الواقعة شمال بحري. وأكد الشهود سماعهم دوي قصف مدفعي عنيف في حي النهضة وما جاوره من أحياء بمنطقة جنوب الحزام القريبة من تمركز قوات "الدعم السريع" في نواحي أرض المعسكرات والمدينة الرياضية جنوب شرقي العاصمة.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها قامت قوة من "الدعم السريع" تضم نحو 40 مركبة قتالية بدخول بلدة العلقة بولاية النيل الأبيض المتاخمة للحدود الجنوبية للعاصمة، وأظهر فيديو بثته هذه القوات مخاطبة أفراد لها تجمعاً من سكان البلدة، مؤكدين أن زيارتهم جاءت لتفقد أحوال هؤلاء المواطنين وحل مشكلاتهم والاطلاع على أوضاعهم الأمنية على أرض الواقع، وذكرت مصادر أن هذه القوة ظلت موجودة في هذه البلدة ساعات عدة، واتجهت جنوباً، في وقت شوهد الطيران الحربي التابع للجيش يحلق في سماء المنطقة، مما أدى إلى إثارة الرعب وسط المواطنين في مدينة الدويم التي تبعد نحو 80 كيلومتراً عن القرية، في حين أعاد الجيش انتشاره في المدينة مع إغلاق عدد من محطات الوقود.
وأشارت المصادر ذاتها إلى توغل قوات "الدعم السريع" شمال ولاية الجزيرة، وتحديداً في منطقة كاب الجداد، إذ مارست أعمال نهب وسلب لممتلكات المواطنين، فيما أرسلت الولاية تعزيزات عسكرية لتمشيط ومسح حدودها المتاخمة للعاصمة.
جبهات قتال
وعن تطور الوضع العسكري، قال عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين اللواء معاش معتصم العجب "استراتيجية الدعم السريع تعتمد على فتح جبهات قتال عديدة، وهو ما حدث في نيالا والفاشر والجنينة بدارفور والأبيض بكردفان وعدد من قرى ومدن ولاية الجزيرة كالعيلفون، بهدف إرهاق قوات الجيش في تلك المناطق وقطع أوصاله حتى لا تصل الخرطوم لإسناده عسكرياً". ورأى العجب أنه من ناحية الموقف العملياتي، فإن وضع قوات "الدعم السريع" أفضل، فهي تحاصر مدن العاصمة الثلاث وأن خطوط إمدادها مؤمنة، إضافة إلى تميزها بسرعة الحركة خلاف الجيش الذي تعاني قواته البطء وعدم التسليح الجيد وانعدام خطوط الإمداد. وبين عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين أنه من الصعوبة بمكان حسم أي من الطرفين هذه الحرب، وأنه على رغم سيطرة الجيش على 80 في المئة من الوحدات العسكرية في العاصمة، فإن الكفة تميل عسكرياً إلى "الدعم السريع".
حماية المدنيين
ولمناسبة مرور ستة أشهر على الحرب، قالت السفارة الأميركية في الخرطوم "إن اندلاع الصراع المأسوي في السودان لا معنى له، فهذا البلد يعاني أزمة نزوح متصاعدة وتدهوراً كبيراً في الوضع الإنساني، واضطر أكثر من 5.8 مليون مدني إلى الفرار من منازلهم منذ 15 أبريل (نيسان)، بما في ذلك أكثر من 1.1 مليون فروا إلى البلدان المجاورة"، وأشارت، في بيان "إلى أن الجهات الإنسانية الفاعلة تستجيب بشجاعة، لكنها تكافح من أجل الوصول إلى المحتاجين بسبب القتال العنيف والعقبات التي تفرضها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وتظل الولايات المتحدة أكبر مانح إنساني للسودان وستواصل دعمها السكان الضعفاء في البلاد وأولئك الذين أجبروا على الفرار بسبب الصراع".
وتابع بيان السفارة الأميركية "لقد كانت واشنطن واضحة في ضرورة قيام القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بوقف القتال فوراً، بما يتوافق مع التزاماتها بموجب إعلان مبادئ جدة الصادر في 11 مايو (أيار) في شأن حماية المدنيين في السودان، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وحماية المدنيين وحقوق الإنسان الخاصة بهم، والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي". وأكدت السفارة أنه "في سياق الخروج من الصراع من طريق التفاوض، لا بد من استعادة التحول الديمقراطي في السودان من خلال نقل السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية، ونكرر دعمنا الشعب السوداني وتطلعاته إلى الحرية والسلام".
وقف الحرب
وقال عضو مجلس السيادة السابق القيادي في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) محمد الفكي سليمان، في تسجيل صوتي على "فيسبوك" "أمس، أكملنا الشهر السادس على الحرب اللعينة التي دمرت البلاد، وهنا أدعو الجبهة المدنية التي بصدد عقد اجتماع، في الأيام المقبلة، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى أن تضع نصب أعينها على الهدف الأول، وهو وقف الحرب مهما كانت التنازلات، من دون النظر إلى المصالح السياسية الضيقة، وألا تخضع لابتزاز القوى الداعمة للحرب". وطالب سليمان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بالاعتذار عن الانقلاب العسكري الذي نفذه في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، كما سبق أن اعتذر قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" عن مشاركته في الانقلاب، كما دعا البرهان إلى الاتجاه مباشرة إلى منبر جدة، الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة من أجل الحل السياسي حماية للبلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوه القيادي في قوى الحرية والتغيير بأن الانتهاكات الإنسانية وأعمال النهب التي تمارسها قوات "الدعم السريع" في ازدياد مستمر، مما ينتهك حقوق المدنيين، مؤكداً ضرورة أن يكون هناك حزم على الأرض، ومشدداً على وجوب استئناف المحادثات بين طرفي النزاع في وقت قريب، ومحاصرة كل الجهات التي ترغب باستمرار الحرب.
كوابيس إنسانية
في الأثناء، أوضح منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة مارتن غريفيث أن الحرب أدخلت السودان في أحد أسوأ كوابيس الأوضاع الإنسانية في التاريخ الحديث. ولفت إلى استمرار سفك الدماء والعنف والتقارير المروعة عن حالات الاغتصاب والعنف الجنسي التي لا تتوقف وتزايد الاشتباكات على أسس عرقية بخاصة في دارفور. وبين غريفيث أن عمال الإغاثة ما زالوا يواجهون عراقيل في الوصول إلى المحتاجين بسبب انعدام الأمن والقيود، مع قتل أو احتجاز ما لا يقل عن 45 من العاملين في المجال الإنساني منذ منتصف أبريل، وجميعهم تقريباً من الموظفين السودانيين. وتابع "حتى في المناطق التي يمكننا الوصول إليها يعاني العاملون في المجال الإنساني نقص التمويل، إذ لم يتم تلقي سوى 33 في المئة فقط من مبلغ 2.6 مليار دولار المطلوب لمساعدة المحتاجين في السودان هذا العام"، وزاد منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة "لقد حان الوقت لوفاء الأطراف بالالتزامات التي تعهدت بها في مدينة جدة لحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، ولكي تجدد التزامها بالحوار على أعلى المستويات لإنهاء هذا النزاع إلى الأبد".