ملخص
تقول الولايات المتحدة لإسرائيل إن من حقها بالطبع الدفاع عن نفسها، لكن على الأخيرة أن تكون على دراية بالتهديدات الأوسع نطاقاً واحتمال حدوث عواقب جيوسياسية خطرة
ربما على غرار كثر، أمضيت وقتاً طويلاً في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي المروع. كان كل مقطع فيديو يظهر عملاً فظيعاً جديداً لا يمكن فهمه. وكانت التعليقات الواردة تحته تبلغ مستويات أعلى من الغضب والكراهية والتعصب.
دعونا نأمل في أن تصاغ السياسة الخارجية الأميركية بتفكير أكثر هدوءاً، من دون الالتفات إلى آلة الغضب التي تشكل كثيراً مما يعرف الآن باسم "إكس" (يجب أن يعطى حقاً التصنيف "إكس" [محظور على غير البالغين] بالنظر إلى ما تحتويه كثير من منشوراته)، لكنه كان ذات مرة يسمى "تويتر".
بيد أن منشوراً واحداً لفت انتباهي – كان من بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي خلال عهد أوباما. قال: "القرارات التي تتخذ الآن ستؤثر في ملايين الأرواح وتخاطر بأنواع التصعيد كافة. كان ينبغي للولايات المتحدة أن تتعلم من أحداث 11 سبتمبر (أيلول) مقدار الكلفة الباهظة المترتبة على التأثر بالغضب والخوف. آمل في أن يكون هذا ما نقوله للحكومة الإسرائيلية".
غني عن القول إن تعليقاته أثارت ردود فعل حادة ومتناقضة. بالطبع، كان جزءاً من إدارة أصدرت تصريحات جريئة في ما يتعلق بالشرق الأوسط، لكن ما الإجراءات الملموسة التي تحققت بالضبط؟ الخطوط الحمراء على استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية ضد شعبها، ثم – حسناً – عدم القيام بشيء حيال ذلك، لقد أهدر عدم اتخاذ إجراء قدراً كبيراً من السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة. وماذا عن توجيهها للأمور من الخلف لما حدث في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أتذكر جلوسي وحديثي مع رودس، في حديقة بالرياض خلال زيارة أوباما المتوترة إلى المملكة العربية السعودية عام 2016، حول مدى صعوبة المحادثة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بعدما حاضر أوباما أمام قادة المملكة عن حقوق الإنسان.
لكن هذا لا يجعل رودس مخطئاً في تحذيراته اليوم. أمام الرأي العام، تقف الولايات المتحدة بثبات وراء إسرائيل في مواجهة الفظائع الإرهابية التي ارتكبتها "حماس" نهاية الأسبوع ما قبل الماضي. ومع ذلك، من الجدير بالذكر أن في أعقاب ذبح إسرائيليين أبرياء مباشرة – شباب في مهرجان موسيقي، وعائلات داخل مستوطنات، وناجين من المحرقة أخذوا كرهائن – قال مكتب الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية عبر "إكس" إنه "يدين في شكل لا لبس فيه هجوم إرهابيي ’حماس‘ والخسائر المتكبدة في الأرواح. نحض الأطراف كلها على الامتناع عن العنف والهجمات الانتقامية. فالإرهاب والعنف لا يحلان شيئاً". وسرعان ما حذفت التغريدة بعد صيحات منددة.
صدر أوضح بيان للسياسة الخارجية الأميركية من بايدن في خطاب قوي وعاطفي ألقاه في البيت الأبيض، إذ تحدث عن "الشر المطلق" لهجوم "حماس". وقال: "الولايات المتحدة تساند إسرائيل. سنتأكد من أن دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية يمكنها الدفاع عن نفسها اليوم وغداً كما نفعل دائماً".
لا يزال الاقتباس المنسوب إلى غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل قبل أكثر من 50 سنة، أوضح تعبير عن المعضلة."إذا ألقى العرب أسلحتهم ما من حرب. إذا ألقى الإسرائيليون أسلحتهم ما من إسرائيل"
في اليوم التالي في القدس، وقف كبير الدبلوماسيين الأميركيين، أنتوني بلينكن (وهو نفسه يهودي، نجا زوج والدته من معسكرات الموت النازية)، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عرض علني آخر لتضامن الولايات المتحدة مع إسرائيل – على رغم الصعوبات العديدة التي شابت العلاقة مع زعيم إسرائيل اليميني.
ومع ذلك، يبدو لي من غير المعقول أن الولايات المتحدة لم تعبر في السر – وفي رسائل أكثر ترميزاً بقليل في العلن – عن مخاوف واضحة، وخشية تأثير ما يجري في الصورة الأكبر: "الاحتمالات" الرهيبة. ماذا لو شن "حزب الله" موجة من الهجمات من الشمال؟ ماذا يحدث إذا بدأت انتفاضة في الضفة الغربية أيضاً؟ والاحتمال الكابوسي: ماذا لو جرت إيران – القوة العظمى الإقليمية – إلى النزاع؟ ربما ثمة جدل حول مدى دعم / تشجيع طهران لعملية "حماس" الجريئة – لكنني لا أعرف أي شخص يعتقد بأن ما جرى كان يمكن أن يجري من دون رضا إيران الضمني.
تقول الولايات المتحدة لإسرائيل إن من حقها بالطبع الدفاع عن نفسها، لكن على الأخيرة أن تكون على دراية بالتهديدات الأوسع نطاقاً واحتمال حدوث عواقب جيوسياسية خطرة. ولن يؤدي إخبار مليون شخص في غزة بأن أمامهم 24 ساعة للخروج إلا إلى تأجيج حدة المشاعر والتوترات.
لكن ماذا كان لبلد آخر أن يفعل لو كان محل إسرائيل؟ كيف يفاوض "حماس" – مجموعة تريد أن تشهد دماره وتضمن ذلك في ميثاقها؟ لا يزال الاقتباس المنسوب إلى غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل قبل أكثر من 50 سنة، أوضح تعبير عن المعضلة. "إذا ألقى العرب أسلحتهم ما من حرب. إذا ألقى الإسرائيليون أسلحتهم ما من إسرائيل". تشبه إسرائيل، من نواح كثيرة، ديمقراطية ليبرالية حديثة – مثل بريطانيا أو فرنسا أو إيطاليا – وكثيراً ما يحكم عليها من خلال تلك المعايير الغربية، لكنها ترى نفسها في صراع وجودي من أجل البقاء لا نمر به نحن داخل البلدان الأوروبية.
ولهذا السبب، لا تملك الولايات المتحدة سوى نفوذ محدود على ما ستفعله أو ما لن تفعله إسرائيل. ستفعل إسرائيل ما تعتقد بأنها بحاجة إلى القيام به لتأمين حدودها، للحفاظ على سلامة سكانها، إذ إنها فشلت بشكل مذهل في القيام بذلك نهاية الأسبوع ما قبل الماضي.
وهنا يأتي دور اختبار صلابة الدعم الأميركي. الشيء الوحيد الذي لا يفعله بايدن الآن هو تقديم التزام غير مشروط لإسرائيل مهما استغرق الأمر من وقت. الوقت جوهري. افعل كل ما تحتاج إلى القيام به، لكن افعل ذلك بسرعة، قبل أن يصبح رد الفعل العنيف أكبر من اللازم. ولهذا دور على الصعيد المحلي الأميركي أيضاً.
على مر السنين، تراجع دعم الديموقراطيين لإسرائيل بشكل كبير. كان صلباً جداً – لكن ليس الآن. وجد استطلاع مفصلي أجرته مؤسسة "غالوب" في مارس (آذار) من هذا العام أن التعاطف مع القضية الفلسطينية فاق التعاطف مع القضية الإسرائيلية للمرة الأولى في صفوف ناخبي الحزب الديمقراطي – 49 في المئة في مقابل 38 في المئة.
على رغم أن الجمهوريين يجيزون لإسرائيل القيام بما تراه مناسباً، إلا أن هذا الدعم يتأثر بالخلل السياسي في الكونغرس الأميركي، وتحديداً في مجلس النواب. لا يوجد حتى الآن رئيس لمجلس النواب، لذلك لا يمكن تمرير أي قرارات، لا يوجد سوى مشروع قانون تمويل موقت للحكومة لتبقى أبواب إداراتها مفتوحة، يبدو أن المأزق سيستمر على رغم صخب بعض الجمهوريين لوقف تمويل أوكرانيا وتحويله إلى إسرائيل بدلاً من ذلك (يمكن أن يكون الجانبان السياسي والنفسي لذلك موضوع عمود منفصل بالكامل).
بينما يتبلور ذلك، يقوم بلينكن بجولة في الشرق الأوسط لحشد الدعم للموقف الأميركي من تلك البلدان التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. كان من الممكن أن يحدث تحول محوري كبير لو طبعت المملكة العربية السعودية العلاقات مع إسرائيل، وهو أمر كان الدبلوماسيون الأميركيون يعملون بجد لتحقيقه. هو احتمال كان قريباً في شكل مذهل قبل هجوم "حماس" – وربما كان أحد دوافع الإرهابيين للهجوم عندما شنوه: إفشال الاتفاق بجعله مستحيلاً من الناحية السياسية. كذلك تقوم إيران بمناورات في محاولة لإثارة المعارضة ضد إسرائيل.
الصورة قاتمة للغاية، لكنني كنت مع دبلوماسي أميركي كبير في ليلة سابقة الذي رأى بأن هناك فرصة سانحة هنا، وهو أن إيران بالغت في التدخل وأن هناك فرصة لعزلها أكثر وتكثيف الضغط على الدولة الشيعية. ربما، لكن الأمر يبدو أشبه بالصفير الذي يقوم به المرء للحفاظ على معنوياته مرتفعة عندما لا يستطيع البلد الأقوى بأشواط في العالم سوى المشاهدة والأمل والصلاة.
© The Independent