ملخص
البعض يرى "أننا أمام معادلة تتصدرها قوتان متطرفتان تتنافسان على من يتفوق في تدمير الآخر، وفي المحصلة فإن كلا الطرفين يرتكبان جريمة، وضحاياهما هم الأبرياء"
أظهرت الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية فجوة على الساحة السياسية والشعبية في إقليم كردستان العراق لجهة الحياد أو التعاطف مع أحد طرفي الصراع، انطلاقاً من أبعاد وأوجه التشابه والاختلاف بين القضيتين الكردية والفلسطينية، فيما صدرت دعوة من رجال دين لإبداء موقف رسمي يبرئ الإقليم من "تهمة" ارتباطه بعلاقات مع الإسرائيليين.
وتنقسم المواقف بين جهة تستند إلى منطلق ديني إنساني لمناصرة "حماس" والفلسطينيين بكونهم شعباً "قابعاً تحت احتلال يمارس جرائم وفظائع بحق المدنيين"، وجهة مقابلة تتبنى موقفاً رافضاً لسياسات "حماس" بكونها حركة متطرفة ساندت "الحملات القمعية" التي تعرض ويتعرض لها الأكراد، من قبل حكومات أنقرة وطهران، وإعلان قادة الحركة دعهم "الصريح" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حملة بلاده العسكرية على الأكراد بخاصة في سوريا.
وسارعت حكومة الإقليم يوم أمس الثلاثاء عبر بيان صدر باسم ناطقها الرسمي بيشوا هورامي، إلى إدانة الهجوم الذي طاول مستشفى المعمدان في غزة، أكد فيه أن "خيار الحرب لن يحل الخلافات"، داعياً المجتمع الدولي إلى "تكثيف مساعيه لحماية المدنيين والأبرياء".
تعاطف خفي
وتصف أوساط سياسية موقف حكومة الإقليم من الحرب في فلسطين بأنه "خجول" لا يرقى إلى مستوى الحدث، ويعطي انطباعاً عن تعاطف غير معلن للإسرائيليين، إذ أكد رئيس "جماعة العدل" الإسلامية المعارضة علي بابير أن "ما حدث بين المناضلين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة، هو تطبيق لكلام الله تعالى"، وشدد على أن "أي شخص لا يدعم مسلمي فلسطين، فهو كمسلم وككردي ستكون عليه علامة استفهام". بينما وصف القيادي في الجماعة عبد الستار مجيد هجوم "حماس" على إسرائيل بأنه "بطولة غير مسبوقة للشعب الفلسطيني المظلوم والمحتل ضد طغيان ووحشية النظام الصهيوني المدعوم منذ 100 عام من قبل أميركا والغرب"، لافتاً إلى أن "الشعب الكردي يعاني مثل الفلسطينيين من اضطهاد واستعباد، وتاريخهم مليء بالدماء والإبادة الجماعية".
ودعا نحو 500 من رجال الدين المسلمين في الإقليم المجتمع الدولي إلى "وقف الحرب ضد قطاع غزة"، وحضوا حكومة الإقليم على "إبداء دعم صريح للشعب الفلسطيني وقطاع غزة بغية إسكات الأصوات التي تتهم الكرد بالتعاطف مع اليهود"، مؤكدين أن "دعم إخواننا في غزة له أهمية قصوى، لأننا أجيال القائد صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الشريف من سطوة اليهود، وأن الشعبين الكردي والفلسطيني كلاهما مضطهدان وقضيتهما متشابهتان".
وغالباً ما واجهت القوى الكردية الحاكمة في الإقليم بخاصة الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، الذي يقود حكومة الإقليم بالشراكة مع منافسه التقليدي حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، تهمة ارتباطها بعلاقات سرية مع إسرائيل، بخاصة أن الأخيرة كانت الدولة الوحيدة التي أعلنت رسمياً دعمها لخوض أكراد العراق استفتاء للانفصال عن العراق عام 2017، كما كانت داعمة لثورتهم المسلحة ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة في العقدين السادس والسابع من القرن الماضي.
الحرب ليست الحل
وفي رد على الانتقادات الموجهة ضد الحكومة، قال العضو البارز في الحزب "الديمقراطي" عبد السلام برواري لـ"اندبندنت عربية"، إن "الموقف الرسمي الكردي واضح، والذي صدر عن رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في منتدى عقد أخيراً في أربيل، أكد فيه على نقطتين رئيستين، الأولى وهي أن للشعب الفلسطيني الحق الشرعي ليتمتع بدولة وأن يعمل الجميع من أجل تحقيقه، والثانية المتعلقة بتطورات الحرب الجارية هي أن التجارب والتاريخ يثبتان أن العنف واللجوء إلى لغة السلاح كأسلوب لحل المشكلات السياسية كانت نتائجه على الدوام مأساوية، وأن الحل يكمن في الحوار، وهذا الموقف كان محل ترحيب على الساحة العربية"، واستدرك أن "الإقليم باعتباره جزءاً من دولة العراق، لا يمكن أن يعلن عن موقف أكثر مما قدمه، لأن الموقف الرسمي يصدر من العاصمة بغداد". ونوه برواري إلى "تصيد البعض في كل مناسبة لكي يلصق التهمة بالكرد وحكومتهم في مسألة ارتباطهم بعلاقة مع إسرائيل أو التعاطف معها، لكن رد الفعل لحكومة الإقليم دائماً هي المعيار وليس صدور مواقف من بضعة أفراد أو جهات من منطلق ديني ضيق لا يمت للسياسة بصلة".
وسبق أن تعرض الأكراد إلى انتقادات حادة حين شوهد رفع أعلام إسرائيلية في أكثر من مناسبة، آخرها كان في احتفال ترويجي لدعم الانفصال، كما واجه الإقليم حملة استنكار في أعقاب عقد منظمة أميركية مؤتمراً في أربيل لدعم السلام مع إسرائيل مطلع خريف عام 2021، إلا أن حكومة الإقليم نفت لاحقاً إعطاءها موافقة لعقد المؤتمر، وأنه جرى "من دون علمنا ولا يعبر عن موقفنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ازدواجية في الموقف
وخاض مسؤولون ونواب سجالاً حامياً إزاء المواقف التي صدرت محلياً بعد هجوم "حماس" والرد الإسرائيلي. فقد قال القيادي السابق في "الديمقراطي" سرو قادر، إن "الذين يدعمون الآن حركة حماس في كردستان، دعموا سابقاً التنظيمات الإرهابية مثل داعش وأنصار الإسلام، وكانوا جزءاً من حركة أنصار الإسلام الكردية المتشددة، التي تشكلت من بقايا تنظيم القاعدة"، بينما اعتبر النائب السابق البارز في برلمان الإقليم علي محمد صالح، موقف قادر بأنه "تجاوز على مشاعر مئات الآلاف من المسلمين الكرد لأن القضية الفلسطينية وتنظيم داعش مختلفتان إلى أبعد الحدود"، وقال "أنتم إذا كنتم وطنيين، لماذا تلتزمون الصمت على الاحتلال التركي لغرب كردستان (المناطق الكردية في سوريا)، وما ترتكبه أنقرة من جرائم بحق الكرد هناك؟ ثم هل من الجائز غض النظر عن مصير سكان يتجاوز عددهم 2.8 مليون شخص، لمجرد أن مواقف قادتهم السياسيين كانت مناصرة للأتراك؟"، وختم متسائلاً "ما الذي قدمه الإسرائيليون بكل إمكاناتهم المهولة لشعبنا الكردي؟".
قيادات متسلطة
من جهة أخرى، ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بوصف الشعبين الكردي والفلسطيني ضحيتين واقعتين تحت قيادات "منتفعة تفتقر للحكمة"، وفق المحلل السياسي سرتيب جوهر، الذي يرى أن "الشعبين الفلسطيني والكردي يناضلان منذ عقود من أجل التحرر، ومن سوء حظهما أنهما كانا ضحية أقلية حاكمة تحتكرها عائلات وقوى تبغى مصالح شخصية، وما يحدث في غزة لا يتحمل مسؤوليته الشعب الفلسطيني بل يدفع ضريبة سياسة حركة مسلحة تظهرها إسرائيل كتنظيم داعش". موضحاً أن "أوجه الشبه بين القضيتين الكردية والفلسطينية تكمن في أخطاء ترتكبها القيادات، لقد خسر الكرد في العراق في استفتائهم للانفصال عام 2017 نصف مساحتهم من الناحية العسكرية، بسبب خطأ استراتيجي لا يقل عن خطأ حركة حماس التي قد تخسر غزة".
أما الباحث كامران سبحان فإنه يرى "وجوب دعم الكرد للمظلومين طالما أنهم كانوا كذلك في جل تاريخهم، حيث تستباح دماء الأطفال والنساء والمدنيين العزل، ومن المؤسف أن يتشفى البعض لإبادتهم جماعياً"، منوهاً إلى أن "شعراء فلسطين الكبار مثل محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما، كتبوا أشعاراً تعبر عن آلام الشعب الكردي، فالقضية ليست منحصرة بحركة حماس واليهود، بل بحياة مدنيين أبرياء في كل مكان".
معادلة تاريخية
وجهة نظر كردية ثالثة تذهب باتجاه الوقوف على الحياد لجهة أن طرفي الصراع، "حماس" وإسرائيل يشتركان في ممارسة العنف من دون أي اعتبارات لحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار، أوضح الكاتب والباحث سردار عزيز أن "تعامل الأتراك مع الكرد في سوريا يشبه إلى حد كبير تعامل إسرائيل مع غزة، لذا فإن إدانة الهجوم على غزة في مقابل دعم أردوغان لضربه الأكراد، يعد نفاقاً فاضحاً"، مبيناً أن "الكرد من الناحية الإنسانية يشبهون الفلسطينيين، لكنهم مستفيدون أكثر من الناحية الجيوسياسية بحكم اهتمام واشنطن بمناطقهم، وليس أن تهمشهم كما حصل في العامين الماضيين"، واستدرك "لكن ليس بالضرورة أن يعبر الكرد عن موقف رسمي لدعم أي من الأطراف".
وفي هذا السياق، حمّل الناقد في مجال العلوم السياسية مريوان وريا قانع في مقال، الطرفين مسؤولية التصعيد بالقول "أينما يوجد احتلال فهناك تظهر مقاومة، وأينما يوجد ظلم فهناك رد فعل، وهذه معادلة تاريخية إنسانية وأخلاقية في مختلف المجتمعات، لذا فإن ما يحدث في غزة على رغم بعده الدموي القاتل، فإنه كان سائداً على مر التاريخ بخاصة خلال القرن العشرين". ويعتقد أن "للمعادلة وجهين، فـ"حماس" كقوة إسلامية منغلقة وغير ديمقراطية تعمل بمنطق الجهاد الديني، حولت مشكلتها مع إسرائيل برمتها إلى مشكلة دينية، لتتخطى القضية الفلسطينية برمتها، التي تضم الديانات الأخرى والعديد من القوى والشعوب العلمانية. بالتالي عمدت إلى أسلمة الصراع مع إسرائيل. أما حكومة نتنياهو فإنها تخطت في معاداتها للفلسطينيين كل الحكومات السابقة، في حرق وتدمير واستيطان القرى الفلسطينية واقتحام المسجد الأقصى، لنكون أمام المعادلة تتصدرها قوتان متطرفتان تتنافسان على من يتفوق في تدمير الآخر، وفي المحصلة فإن كلا الطرفين يرتكبان جريمة، وضحاياهما هم الأبرياء".