في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أعلنت روسيا عن وصول أول سفينة من الصين عن "طريق بحر الشمال"، الذي يربط آسيا بأوروبا عبر القطب الشمالي، في ما يعد واحداً من طموحات موسكو الكبيرة لتطوير تجارتها الدولية.
لم يعلن الحاكم الإقليمي الروسي "أنتون أليخاوف"، عن ماهية الشحنة، غير أنه أكد على أنها غادرت شنغهاي عبر منطقة "أرخانغيلسك"، شمال روسيا، قبل أن تصل إلى "بالتبيسك" في منطقة كاليننغراد، وهي جيب روسي على أبواب الاتحاد الأوروبي.
هل يمكن المرور من أمام هذا الخبر مرور الكرام؟
بالقطع لا، ذلك أنه يتضمن ما يمكن أن يشبه الثورة في الانتقال حول العالم، من خلال ممرات مائية بديلة عن تلك التقليدية من جهة، كما أنه يفتح الأعين على الصراع القائم والمقبل بين القوى القطبية، على الثروات الدفينة في قاع القطب الشمالي عينه.
عطفاً على ذلك، فإن الحديث عن مستقبل القطب الشمالي من حيث الموقع والموضع، يفتح الباب واسعاً لفكرة الصراع العسكري في قمة العالم الشمالي، ويميط اللثام عن المواجهات التي يمكن أن تجري بها المقادير بين موسكو وبكين من جهة، وبين واشنطن وأتاوا من جهة ثانية.
ما الذي يجري في هذه البقعة المثيرة حول العالم، وكيف لها أن تشكل ملامح صراع لوجستي لا شك فيه، في مقبل الأيام؟
التغيرات المناخية وطريق الشمال
منذ فترة ليست بالبعيدة بدأت روسيا تفكر جدياً في بلورة طريق آخر لتسهيل تجارتها العالمية، طريق مختلف عن المرور حول العالم من خلال قناة السويس المصرية التي تصل العالم القديم بالجديد، عبر البحر الأحمر ومنه إلى المتوسط، انطلاقاً إلى بقية المحيطات العالمية.
تبدو فكرة الطريق عبر القطب الشمالي لتسهيل تجارة روسيا مع أوروبا فكرة مثيرة، ذلك أن مثل هذا الطريق قد يقلص مسافة السفر عبر قناة السويس من 21 ألف كيلومتر حالياً، إلى 12 ألفاً و800 كيلومتر، كما أنه يخفض المدى الزمني ليصل إلى نحو أسبوعين في أقصى تقدير.
هل جاءت التغيرات المناخية الأخيرة لتمكن موسكو من تحقيق أحلامها التاريخية، بإيجاد ممر قريب إلى بقية أرجاء العالم، عطفاً على تيسير التنقيب عن الكنوز القابعة في قاع القطب الشمالي؟
مؤكداً أن الاحتباس الحراري، ومن ثم حالة الغليان التي تحدث عنها الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، قد ساعدا في ذوبان الجليد، وبهذا بات الطريق مفتوحاً أمام المرور في الشتاء، بعد أن كان صالحاً في فصل الصيف فقط.
هل كانت روسيا في انتظار التغيرات المناخية لفتح طريق في الممر الشمالي، أم أنها وضعت المشهد نصب عينيها منذ زمن طويل؟
المؤكد أن الأمر كان أحد خياراتها المتقدمة منذ سنوات طوال حين كانت قد خصصت كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية، وهو ما يوضحه الخبير لدى معهد الطاقة والتمويل "سيرغي كوندراتيف"، إذ يشير إلى أن أسطول الكاسحات النووية هذا يعمل تحت إشراف عملاق الطاقة النووية الروسية "روساتوم"، وهو أسطول فريد من نوعه في العالم لأن روسيا "وحدها تملك هذا الطريق البحري الشمالي، حيث كاسحات الجليد هذه مطلوبة".
أخيراً بدا واضحاً أن موسكو تتحين الفرصة بالفعل، للترويج لهذا الطريق، ففي مارس (آذار) 2021، عندما علقت سفينة حاويات عملاقة في قناة السويس وعطلت حركة الملاحة العالمية، استغلت موسكو الفرصة للقول إن الطريق القطبي الشمالي لم يعد حلماً، بل أصبح واقعاً يتطور.
في هذا السياق، فإن المراقبين يتوقعون أن تزيد شركة "روساتوم" في السنوات الخمس المقبلة عدد كاسحات الجليد النووية التي تملكها، من خمس إلى تسع.
أما الهدف الذي تسعى وراءه موسكو فهو أن تبلغ كميات البضائع التي تنقل عبر القطب الشمالي من 80 مليون طن بحلول عام 2024، و160 مليوناً عام 2035، في مقابل حوالى 33 مليوناً في 2020.
هل هذا المشروع قابل للتحقق من الناحية العملية؟
المؤكد أن الأرقام ضئيلة جداً مقارنة بالمليار طن من البضائع التي تعبر قناة السويس، غير أن هناك نية واضحة للاعتماد على عمالقة الاقتصاد الروسي على غرار مجموعات "غازبرومنفت" و"نوريلسك نيكل" و"روسنفت"، التي تسعى جيمعها في طريق حيازة مزيد من كاسحات الجليد لفتح طريق القطب الشمالي.
موسكو- بكين... كسر العزلة الاقتصادية
تبدو أهمية الممر في القطب الشمالي، واضحة جداً لروسيا، سيما إذا أخذنا في الاعتبار أن الأمر يعد بمثابة فرصة رائعة لكسر العزلة الاقتصادية المفروضة على روسيا، بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، التي بدأت في فبراير (شباط) من عام 2022.
على أن علامة استفهام مهمة للغاية تواجه المشهد الخاص بروسيا، وتتعلق بقدرتها على العمل بمفردها في منطقة القطب الشمالي، أو الاستعانة بالصين، الحليف الذي أفرزته الأوضاع الجيوسياسية الأممية الجديدة، بخاصة المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.
بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن التعاون الجديد بين موسكو وبكين، يتجلى في زيادة شحنات النفط الخام عبر طريق بحر الشمال، الذي يعبر القطب الشمالي غرب روسيا إلى مضيق بيرينغ.
هنا ينبغي الإشارة إلى أنه طالما أحبطت روسيا جارتها الصين، نظراً لأهداف موسكو المتمثلة بأن تصبح لاعباً رئيساً في القطب الشمالي، وتحمي بشكل وثيق دورها المهيمن على المنطقة.
وبالنسبة إلى الصين التي أعلنت نفسها دولة "قريبة من القطب الشمالي" في عام 2018 على رغم كونها تبعد أكثر من 1450 كيلومتراً عنه، فإن "الترحيب الروسي الجديد بالتعاون معها، أمر يمثل فرصة طال انتظارها".
ووفقاً للصحيفة الأميركية "أرادات بكين توسيع دورها في القطب الشمالي لزيادة الوصول إلى طرق الشحن والموارد الطبيعية وفرص البحث العلمي الأخرى، وتوسيع نفوذها العسكري والاستراتيجي".
الصحيفة الأميركية عينها تشير إلى إصرار وزارة الدفاع الروسية على القول بأن التدريبات العسكرية الروسية – الصينية المشتركة، إنما كانت ولاتزال مصممة لتحسين التعاون بين القوات البحرية في البلدين والدفاع عن الخطوط التجارية البحرية في المنطقة.
وعلى رغم أن الناطق باسم السفارة الصينية في واشنطن قد علق بالقول، "لن تستخدم الصين مسائل تتعلق بالقطب الشمالي لتعزيز مصالحها الجيوسياسية، وإنها لا تنوي ذلك"، إلا أن أحداً في الدوائر الغربية لا يصدقها، ويدرك الجميع أن ساحة القطب الشمالي، ليست سوى ملعب جديد من ملاعب خريطة الشطرنج الإدراكية العالمية بين واشنطن وموسكو وبكين.
روسيا... ومستقبل كنوز القطب الشمالي
حكماً تبدو الاهتمامات الاقتصادية الروسية اليوم، في مقدم الأولويات، سيما بعد سلسلة العقوبات التي أوقعتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا، من جراء هجومها على أوكرانيا.
هنا بات واضحاً أن التحدي الذي تواجهه موسكو، هو اقتصادي بقدر لا يقل عن العسكري، بل في واقع الأمر يمكن القطع بأنه كلما قويت شوكة الحضور الاقتصادي الروسي حول العالم، كلما مكنها ذلك من الصمود العسكري في مواجهة كييف ونظام زيلنسكي.
هنا تبدو الحاجة ليس فقط لمسارات تجارية ومساقات بحرية بهدف تسهيل عقد الصفقات وتعظيم شأن التجارة الروسية مع بقية أنحاء العالم، بل الأهم هو الحصول على موارد جديدة يمكن من خلالها دعم قيمة العملة الروسية التي تدهورت عبر عامين مضيا من "اقتصاد الحرب".
هل قاع القطب الشمالي يمكنه أن يلعب دوراً في هذا الإطار؟
من دون الغوص في التفاصيل، يمكن الإشارة إلى أنه في عام 2000 صدر أول تقرير عن دائرة المسح الجيولوجي الأميركية، رجح أن يحتوي قاع القطب الشمالي على نحو 25 في المئة من الاحتياطيات العالمية غير المكتشفة من النفط والغاز.
يمكن للقارئ أن يتخيل مقدار هذا الكنز الطاقوي، وكيف له أن يغير وجه روسيا اقتصادياً، ومن يقدر له أن يدخل معها في شراكات استراتيجية كما الحال مع الصين.
لا تتوقف كنوز القطب الشمالي عند هذا الحد، إذ تتجاوزها إلى احتياطيات كبيرة من المعادن الثمينة مثل الماس والبلاتين والقصدير والمنجنيز والنيكل والرصاص.
والشاهد أنه بحديث الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل، فإن هناك نحو 90 مليار برميل من النفط، وهي كمية كافية لتغطية الطلب الأميركي على النفط خلال 12 عاماً، عطفاً على نحو 50 تريليون متر مكعب من الغاز.
والثابت أن هذه الأرقام قد تكون أولية وليست نهائية، حيث تبلغ مساحة القطب نحو 21 مليون كيلومتر مربع.
وبحسب معهد دراسات القطب الشمالي، يمكن أن تدر كميات الثروات الهائلة أرباحاً بالمليارات، لو جرى الأخذ بالاعتبار فقط المعادن النفيسة، فقد قدرت الكمية الأكثر ربحاً، هي استخراج المعادن الأرضية النادرة، لا سيما "النيوديميوم" المستخدم في المكثفات والمحركات الكهربائية، والتيربيوم الذي تحتاج إليه صناعة المغناطيسات والليزر، التي تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار على الأقل.
إضافة إلى ذلك، هناك تركيزات كبيرة من المعادن المهمة للإنتاج، مثل الفوسفات والبوكسيت وخام الحديد والنيكل والبلاديوم والفاناديوم.
وبتقديرات أولية غربية، فإن "القيمة الإجمالية " للموارد المعدنية في الأراضي القطبية شمال روسيا فقط تتجاوز 22.4 تريليون دولار أميركي.
من هنا يطفو على السطح تساؤل، هل لابد من عسكرة القطب الشمالي من جانب روسيا، للحفاظ على حصة موسكو في هذه الثروة المستقبلية؟
عسكرة روسية مقبلة لا محالة
في منتصف أغسطس (آب) المنصرم، كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يتفقد القوات الروسية المنتشرة في القطب الشمالي، وكذلك الاستعدادات "للدفاع عن منشآت مهمة بشكل خاص" في هذه المنطقة الاستراتيجية.
البيان الذي صدر عن وزارة الدفاع الروسية في هذا الشأن أشار إلى أن شويغو قام بهذه الزيارة برفقة أليكسي ليخاتشيف، رئيس شركة "روساتوم" النووية الحكومية، وقد زارا "نوفايا زيمليا" في أقصى شمال روسيا.
هل تعني تلك الكلمات أن هناك مخططات روسية بعينها للمنطقة تتجاوز انتشار القواعد العسكرية التقليدية؟
الشاهد أن شويغو وليخاتشيف، عاينا موقعاً لتجارب الأسلحة النووية التي تم استخدامها خلال الحقبة السوفياتية، حيث كانت تجري فيه "اختبارات متقدمة للأسلحة والمعدات العسكرية".
تبدو روسيا عاقدة العزم على تعزيز وجودها العسكري في القطب الشمالي، وهو ما كشفت عنه قناة "سي أن أن"، التي أشارت في تقرير لها إلى أن روسيا تعمل على توسيع قواعدها العسكرية في القطب الشمالي، وذلك اعتماداً على صور لأقمار اصطناعية حصلت عليها المحطة الإخبارية.
تظهر الصور سلسلة من أجهزة الرادار والمدارج الروسية التي خضعت للتطوير أخيراً، وتكشف عن "تقدم مستمر في تحصين وتوسيع منطقة يقول المحللون إنها ذات أهمية حيوية للاستراتيجية الدفاعية لروسيا".
وتشير الصور إلى استمرار العمل في محطات الرادار في موقع "أولينيغور سك" بشبه جزيرة كولا شمال غربي روسيا، وفي فوركوتا شمال الدائرة القطبية الشمالية مباشرة.
وبحسب الشبكة الإخبارية الأميركية، فإن العمل يمضي قدماً لإكمال واحد من خمسة أنظمة رادار "ريزوناس إن"، في منطقة "أوستروفنوي"، وهو موقع غرب روسيا قرب النرويج وفنلندا.
هل يراقب الروس "الناتو" من القطب الشمالي؟
غالب الظن أنهم يفعلون ذلك، سيما أن رادار "ريزونانس إن" قادر على اكتشاف الطائرات الشبحية الأميركية، والمراقبة تمتد للأمام من خلال "تحسينات تجرى على المدرج وساحة انتظار السيارات في قاعدة "ناغورسكوي" الجوية" وهي منشأة عسكرية تقع في أقصى شمال روسيا، إضافة إلى تطوير مدرج في قاعدة "تيمب" الجوية بجزيرة كوتيلني شمالي شرقي البلاد.
هل بدأ "الناتو" يستشعر نوعاً من القلق بالفعل من جراء تطورات المشهد الروسي؟
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "يانس ستولتنبرغ" يصرح للشبكة الأميركية الإخبارية عينها بالقول، "إن هناك الآن حشداً عسكرياً روسياً كبيراً في القطب الشمالي، مع التوترات الأخيرة التي تسببت في مضاعفة وجود الحلف" رداً على ذلك.
في الوقت عينه أكد مسؤول استخباراتي غربي كبير لوسائل إعلام أميركية، أن روسيا سحبت نحو ثلاثة أرباع قواتها البرية من منطقة القطب الشمالي لإرسالها إلى أوكرانيا، بهدف تعزيز هجومها المتعثر هناك.
موسكو وبروكسل مواجهة محتملة
يطل التساؤل عن إمكانية المواجهة العسكرية بين "الناتو" وروسيا في منطقة القطب الشمالي برأسه من نافذة الأحداث، سيما في ضوء إعادة تقسيم العالم مناطقياً وجيوسياسياً.
ولتأصيل المخاوف من هذه الفرضية، ربما يجدر بنا العودة إلى الأيام والأسابيع الأولى من قيام القوات الروسية بالدخول إلى المناطق الأوكرانية.
في هذا التوقيت تم تعليق العمل بما يعرف بـ"مجلس القطب الشمالي"، وهو مجموعة من ثمان دول تترأسها روسيا حالياً، وتضم أيضاً كندا والدنمارك وإيسلندا والنرويج والولايات المتحدة (أعضاء الناتو)، إضافة إلى فنلندا والسويد، وجاء تعليق عمل المجلس من الجانب الغربي.
بعد أيام قليلة من دخول الروس أوكرانيا، وفي مارس 2022، أجرت قوات "الناتو" تدريباً يدعى "الاستجابة الباردة"، نصف السنوية واسعة النطاق في النرويج التي جرت بالقرب من الحدود الروسية وشهدت مشاركة حوالى 30 ألف جندي من 27 دولة.
كانت هذه التدريبات في واقع الحال مخططة منذ فترة طويلة، لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا زاد من حدة التوتر المرتبط بهذه المناورات الدورية، في وقت أصبح "الناتو" يعتبر أن روسيا أصبحت خصماً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ومستعداً لتحمل أخطار أكبر لاستعراض قوته في أوروبا.
بدا واضحاً هذه المرة أنها مناورات غير اعتيادية تتحسب لمواجهة مع الروس، بخاصة بعد أن شارك فيها نحو 3000 من مشاركة البحرية الأميركية، الأمر الذي دعا "نيكولاي كورتسونوف" السفير المتجول بوزارة الخارجية الروسية ومبعوث روسيا بمجلس القطب الشمالي ورئيسه الحالي، إلى انتقاد مشاركة دول "الناتو" غير القطبية في هذه المناورات.
هل فهم الروس رسالة "الناتو"، أي الجاهزية للمواجهة العسكرية في الأجل القريب؟
المسؤول الروسي في تصريحات لمجلة "نيوزويك" الأميركية صرح بأن "تدويل الأنشطة العسكرية للحلف في خطوط العرض العليا، التي تشمل مشاركة دول الناتو غير القطبية الشمالية، لا يمكن إلا أن يسبب القلق".
وأضاف، "في هذا الصدد هناك أخطار وقوع حوادث غير مقصودة، وإضافة إلى الأخطار الأمنية، يمكن أن تسبب هذه التطورات أيضأ أضراراً جسيمة للنظام البيئي الهش في القطب الشمالي".
هل كان "الناتو" يتوقع سيناريوهات عسكرية روسية قريبة مما جرى في أوكرانيا؟
المؤكد أن سيناريو التدريبات العسكرية لـ"الناتو" في الدائرة القطبية الشمالية، كان متشابهاً منذ سنوات، وتقوم هذه المناورات على افتراض أن النرويج تتعرض لهجوم من دول خيالية، وإن كان القاصي والداني يقطع بأنها روسيا الحقيقية وليس الخيالية، ما يؤدي إلى تفعيل بند الدفاع الجماعي للحلف ووصول قوات من الولايات المتحدة وأكثر من اثني عشر شريكاً للدفاع عن البلاد.
يعن لنا هنا أن نتساءل عن المخططات العسكرية الروسية، وهل تضع في حساباتها المستقبلية محاولة تشتيت جهود واشنطن وبروكسل عند نقطة زمنية بعينها، وبهدف موصول بتخفيف الضغط على الجبهة الأوكرانية، وخلق جيوب عسكرية مزعجة لواشنطن وكندا وبالقرب من آلاسكا بنوع متميز؟
يمكن أن يكون لهذا السيناريو محل من الأعراب كما يقال، ولا يتوقف الأمر عند القطب الشمالي، فروسيا على سبيل المثال تحاول إيجاد ثغرات في الاستراتيجية العسكرية الأميركية في أكثر من موقع وموضع حول العالم، بدءاً من مياه المحيط الهادئ، حيث تدفع الصين بطريقة ماورائية لمزاحمة واشنطن، وربما تأمل أن ينفجر أحد الألغام العالقة بين بكين وواشنطن، كما الحال في منطقة بحر الصين الجنوبي من ناحية، أو عند جزيرة تايوان من ناحية أخرى.
وفي كل الأحوال فإن روسيا تعمل بنهج التفوق النوعي في عالم الأسلحة ما يجعل ساحة الصراع واسعة وممتدة بخاصة في ضوء صواريخها الفرط صوتية والمجنحة وصولاً إلى ترسانتها النووية المحدثة وفي المقدمة منها الصاروخ النووي الجهنمي المعروف باسم "سارامات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخاوف بيئية تستيقظ من الماضي
هل هناك جزئية أخرى تتجاوز المخاوف من السباق العسكري في القطب الشمالي، طمعاً في مواقع ومواضع لوجستية تمكن الروس من مواجهة "الناتو"، وتحدث قلقاً كبيراً وواسعاً على الصعيد العالمي من جراء المجهول الساكن مخيف في الأعماق؟
في مارس الماضي، صدرت دراسة عن جامعة "إيكس مرسليا" في فرنسا، تقطع بأن الذوبان السريع للمناطق المتجمدة في القطب الشمالي، قد تسبب إعادة إحياء المواد العضوية القديمة المحفوظة في طبقات التربة العميقة منذ آلاف السنين.
وحذر الفريق البحثي، تحت إشراف عالم الأحياء الدقيقة "جان ماري كلافيري"، من خروج "فيروسات الزومبي" المعدية (كما أطلقت عليها الدراسة) الموجودة على عمق 16 متراً تحت الجليد، بعد ذوبان الأنهار المتجمدة أو البقع الثلجية نتيجة الاحتباس الحراري بعد 48 ألفاً و500 عام من تجميدها.
يخشى العلماء من نشاط الفيروسات بمجرد تعرضها للحرارة بعد أن ظلت خامدة لعشرات الآلاف من السنين.
اختبر عالم الأحياء "جان ميشال كلافيري" الأستاذ الفخري للطب وعلم الجينوم في كلية الطب بجامعة "إيكس مرسيليا" عينات مأخوذة من التربة الصقيعية في سيبيريا لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على جزئيات فيروسية معدية.
خلال بحثه عما يصفه بـ"فيروسات الزومبي"، وجد بعضاً منها بالفعل، وأشار في بحثه إلى أن الفيروسات التي تصيب الأمبيا مازالت معدية بعد فترة طويلة من تجميدها، مما ينذر بوجود خطر أكبر.
هل العالم على موعد مع كوارث بيولوجية تصيب البشر حال تعميق الممر القطبي الشمالي؟
هذا وارد وبقوة، غير أن هناك وجهاً آخر من أوجه الصراع في تلك المنطقة الجليدية في أعلى العالم، هو وجه موصول بالقطبية الصينية المقبلة لا محالة...