Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن
0 seconds of 1 minute, 20 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
01:20
01:20
 

صراع "القنبلة الديموغرافية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين

انحسار هواجس تل أبيب في شأن التفوق العددي لسكان الضفة والقطاع على رغم موجات النزوح منها وإليها

ملخص

تقلصت هواجس إسرائيل في شأن التفوق العددي للفلسطينيين خصوصاً بعد زيادة عدد اليهود إلى تل أبيب مما يحدث فرقاً في نسبة النمو السكاني بها

لعقود طويلة آمنت إسرائيل أنها ستواجه صعوبة في الاحتفاظ بغالبية يهودية أمام تزايد أعداد الفلسطينيين سنة بعد سنة، إلا أن تعاظم التهديدات الأمنية والعسكرية عليها بشكل غير مسبوقة أثار تخوفات جدية لدى الأوساط الأمنية الإسرائيلية من تفاقم ظاهرة هجرة اليهود خارج إسرائيل، وتزايد أحاديثهم عن حزم أمتعتهم والمغادرة دون عودة.

تصاعد العمليات الفلسطينية النوعية خلال الآونة الأخيرة وارتفاع أعداد القتلى الإسرائيليين بشكل غير مسبوق إلى جانب تدهور الوضع الاقتصادي والأزمات الداخلية التي تعصف بتل أبيب والإحباط من تعثر مسار التسوية مع الفلسطينيين. كل هذا دفع كثراً لمغادرتها، فلا استقرار ولا أمن يدعوهم للبقاء.

وبحسب بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الإسرائيلي، فإن عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل بعد الحرب مع قطاع غزة عام 2015 واستمرت 51 يوماً، بلغ 16 ألفاً و700 شخص عاد منهم 8500 فقط، في حين أشارت بيانات وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، والوكالة اليهودية إلى خفض الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بشكل حاد في النصف الأول من العام الحالي، بنحو 20 في المئة.

وفي أعقاب انتخابات تنصيب الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أشارت تقارير إلى ارتفاع عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يسعون إلى الحصول على الجنسيات الأوروبية بشكل ملحوظ.

وأفاد استطلاع رأي أجرته "القناة 13" الإسرائيلية نهاية يوليو (تموز) الماضي، بأن 28 في المئة من المشاركين فيه قالوا إنهم يفكرون في مغادرة إسرائيل أعقاب تمرير حكومة بنيامين نتنياهو أول القوانين ضمن حزمة التعديلات على النظام القضائي.

قنبلة ديموغرافية

في ضوء ذلك، ليس من المستغرب أن يثير التهديد الديموغرافي من أعداد الفلسطينيين المتزايدة الهواجس الإسرائيلية، على رغم الحديث عن أن اليهود في إسرائيل باتوا يفوقون الفلسطينيين عدداً، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1967.

في السياق، أعلنت دائرة الإحصاء الإسرائيلية أن عدد اليهود من سكان إسرائيل بلغ 9.7 مليون نسمة بينهم 7.1 مليون من اليهود (73.5 في المئة)، فيما بلغ عدد السكان العرب الفلسطينيين مليوني نسمة (21 في المئة)، وهي معطيات تشمل المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأشارت إلى أن عدد السكان الإسرائيليين منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 تضاعف 12 مرة عما كان عليه، والذي لم يتجاوز آنذاك 806 آلاف نسمة. وبحسب توقعات دائرة الإحصاء الإسرائيلية، فإن عدد سكان إسرائيل سيبلغ 11.1 مليون نسمة خلال 2030، و13.2 مليون نسمة في 2040، ومن المتوقع أن يصل عدد السكان عام 2048 إلى 15.2 مليون.

في المقابل، قال الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إن نحو 7 ملايين فلسطيني يعيشون في فلسطين التاريخية، بينهم 3.2 مليون نسمة بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، و2.1 مليون نسمة في قطاع غزة و1.7 مليون فلسطيني يعيشون في المدن والبلدات العربية والمختلطة في إسرائيل. وأشار الجهاز الفلسطيني إلى أن العامل الأساس لزيادة عدد اليهود في إسرائيل يعود إلى أعداد المهاجرين إليها، الذي "يحدث فرقاً في نسبة النمو السكاني بإسرائيل".

 

 

بدروه، شكك الإحصاء الإسرائيلي من أن الأرقام والبيانات الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية غير دقيقة وتنطوي على مبالغة لأسباب سياسية عدة، وبحسب التقارير الإسرائيلية وما نقلته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، فإن وثائق الجهاز الفلسطيني ولجنة الانتخابات في وزارة الداخلية الفلسطينية أحصتا 500 ألف فلسطيني يسكنون في الخارج منذ أكثر من سنة، ضمن إحصاء السكان، وهذا بعكس ما هو متبع في العالم الذي يستثني من تعداد السكان في الوطن المقيمين بالخارج منذ أكثر من عام.

إضافة إلى ذلك، يتجاهل الجهاز الفلسطيني ميزان الهجرة السلبي، والبالغ نحو 390 ألف عربي من الضفة الغربية منذ إحصاء 1997، بحسب دائرة السكان الإسرائيلية المسؤولة عن المعابر الدولي، إضافة إلى ذلك، هناك 375 ألف عربي من القدس الشرقية، و150 ألف عربي من الضفة الغربية وغزة، ممن هم متزوجون من عرب إسرائيليين، ويدخلون ضمن جهازي الإحصاء الفلسطيني والإسرائيلي.

ويرى الباحث في العلاقات الإسرائيلية - الأميركية والشرق الأوسط يورام أتينغر، أن السكان العرب يتوجهون نحو التقدم في السن، بينما اليهود نحو الأكثر شباباً، قائلاً "الزيادة المستمرة لعدد اليهود ناجمة من زيادة نسبة الخصوبة وميزان الهجرة، وخلال الأعوام الخمسة المقبلة نحن أمام زيادة محتملة في أعدد المهاجرين تصل إلى 500 ألف شخص، فالحكومة وضعت الهجرة في رأس أولوياتها". وأضاف "الذين يدعون أن هناك قنبلة ديموغرافية موقوتة عند الفلسطينيين هم على خطأ كبير، أو أنهم مضللون بشكل فاضح".

آثار عميقة

لا ينكر الفلسطينيون أن العوامل السياسية التي خلفت آثاراً عميقة في فرص حياتهم وفي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية منذ عام 1967، أثرت في بنيتهم السكانية بالضفة والقطاع، وانخفض معدل مواليد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني من 4.6 في 2003 و4.1 في 2017 إلى 3.8 خلال 2019 بواقع 3.8 مولود في الضفة الغربية، مقابل 3.9 مولود في قطاع غزة، في حين كان معدل الخصوبة لدى الفلسطينيات في عام 1960 يبلغ 9.3.

وقالت مديرة البرامج في جمعية تنظيم وحماية الأسرة سارة الجعبري في وقت سابق إن "التغيرات الاجتماعية والثقافية حولت المجتمع الفلسطيني من تقليدي إلى مجتمع يفضل النوعية على العددية". وأضافت، "هناك زيادة في الوعي بين النساء والرجال الفلسطينيين بضرورة تجنب الزواج المبكر (أقل من 18 سنة) وأهمية تنظيم النسل لحماية الأسرة وتعزيز الرفاهية الأسرية".

اقرأ المزيد

وفي ما أظهرت بعض الأبحاث أن السكان الفلسطينيين وغيرهم من الفئات المعرضة للتهديد حول العالم، يعتبرون إنجاب الأطفال وسيلة للنضال، أكدت أخرى أن ارتفاع نسب البطالة والفقر بين الفلسطينيين أسهم في تدهور معدل الخصوبة لدى النساء الفلسطينيات، إذ أصبحت فكرة الإكثار من الإنجاب لدعم النضال الوطني من مخلفات الماضي، كما أن ارتفاع نسب التعليم عند الفلسطينيين وانخراط النساء في سوق العمل أسهم في انتشار ثقافة تحديد النسل وتقليل الإنجاب لضمان عيش كريم ومستقبل أفضل.

وتصل نسبة مشاركة الفلسطينيات في سوق العمل 19 في المئة، وهي الأدنى بين دول الإقليم والعالم، حيث يبلغ متوسط مشاركة المرأة العربية في سوق العمل 28 في المئة، بينما يبلغ متوسط المشاركة العالمية 69 في المئة، وتأتي هذه النسبة المتدنية على رغم ارتفاع معدلات التعليم لصالح المرأة الفلسطينية، حيث بلغت نسبة الملتحقات في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 62 في المئة من مجموع الطلبة الملتحقين.

اعتبارات ديموغرافية

وعلى رغم الارتفاع في التحصيل العلمي، وخروج المرأة للعمل، فإنه في إسرائيل لا يوجد لذلك علاقة بمسألة الخصوبة، وإنما العكس تماماً، حيث يرتفع معدل الخصوبة مع ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع مستوى التحصيل العلمي ليصل معدل الخصوبة في إسرائيل حالياً إلى 3.1.

ويؤكد معهد الدراسات "تاوب" لدراسة السياسات الاجتماعية في إسرائيل، أن الولادة في إسرائيل تسير خلافاً لكل دول العالم، ففي السنوات 1996 حتى 2016 ارتفع معدل الخصوبة وسط النساء العلمانيات من 1.8 طفل للمرأة إلى 2.2 طفل، في ظل تراجع النساء العربيات داخل إسرائيل، خصوصاً المسلمات من 9 إلى 3.

ويعود سبب هذه الزيادة في أعداد اليهود وفق عالم الاقتصاد الإسرائيلي في جامعة تل أبيب دان بن ديفيد، إلى الإنجاب المتزايد عند اليهود الأرثوذكس المتدينين (الحريديم) الذين يبلغ معدل الخصوبة لديهم 6.6، أي أكثر من ضعف المعدل القومي، وثلاثة أضعاف معدل اليهود العلمانيين. 

وعلى رغم أن (الحريديم) يمثلون 13 في المئة فقط من عدد السكان، فإن نسلهم يشكل 19 في المئة من عدد الأطفال الإسرائيليين دون سن 14 سنة، و24 في المئة من الأطفال دون سن الرابعة وبحلول عام 2065 سيكون نصف عدد الأطفال الإسرائيليين من (الحريديم).

 

 

ووفق تحليلات ديفيد "سيغير هذا شكل إسرائيل ويهدد اقتصادها". وأمام هذه الزيادة، وجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة ديموغرافيا يهودية توسعية ومتشددة في وقت لم يعودوا يميلون إلى التصدي لها عبر سياسة إنجاب عدد كبير من الأطفال.

وأشار معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، إلى أن عدد السكان الفلسطينيين في 2050 سيصل إلى ما لا يقل عن 10 ملايين في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين سيكون هناك 10.6 مليون يهودي و3.2 مليون عربي في إسرائيل.

وقال المعهد إن "احتساب مهاجرين غير يهود لصالح سكان إسرائيل جعل عدد اليهود يفوق عدد الفلسطينيين في الميزان الواسع". ووفقاً للدراسة "إذا استمر السكان الفلسطينيون في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة في النمو بمعدل أسرع من السكان اليهود، فمن المتوقع أن يتغير هذا التوازن في مرحلة ما"، بخاصة أن معدل الخصوبة الفلسطينية في قطاع غزة ما زال عالياً.

تشجيع حكومي

ولأن التهديد الديموغرافي الفلسطيني لا يقل خطورة عن غيره من التهديدات بالنسبة لإسرائيل، عمدت الحكومات الإسرائيلية طوال عقود ماضية، على توفير برامج تحث الإسرائيليين على إنجاب مزيد من الأطفال، وراح البعض لاعتبار الإجهاض لدى النساء الإسرائيليات تهديداً للاعتبارات الديموغرافية اليهودية، فيما أسهمت المنظومة الصحية الإسرائيلية بشكل كبير في مساعدة الراغبين في علاج الخصوبة، وتمنح دعماً للإخصاب خارج الجسم بنحو 150 مليون دولار في السنة.

وبحسب معهد "فان لير" بالقدس، المتخصص في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية، تعد إسرائيل من الدول الريادية في العالم في مجال علاجات الإخصاب، حيث تقوم بمنح تسهيلات ضخمة لهذه العلاجات، وعليه تمكن مئات آلاف الأزواج الإسرائيليين من جميع القطاعات والطبقات، من تحقيق أمنيتهم بالتحول إلى منجبين بواسطة التكنولوجيا المتطورة.

نوعية جديدة

بالنسبة إلى كثير من الساسة الإسرائيليين، فإن التهديد الديموغرافي، الذي كثيراً ما شكل عقدة لإسرائيل آخذ في الاختفاء، وأن الغالبية الفلسطينية بين البحر والنهر لم تعد تشكل تهديداً، وراح البعض لوصفها بداية نهاية الهوس الإسرائيلي تجاه "القنبلة الديموغرافية" الفلسطينية. في حين يرى محللون فلسطينيون في الشأن الديموغرافي، أن تعمد السياسات الإسرائيلية لإفقار الفلسطينيين وزيادة بطالتهم وتشتيتهم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً على مدار عقود، كبحت من رغبتهم في الإنجاب كما الماضي، ودفعت كثيراً من العائلات لتفضيل النوعية على العددية، والتركيز على إنجاب فلسطينيين جدد بالفكر والنضال.

ولعل مشاهد الازدحام غير المسبوق في مطار تل أبيب والمطارات الأخرى على أثر عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها "حماس" على مستوطنات غلاف غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وما تلاها من حرب ما زال مشتعلة منذ أكثر من أسبوعين وخلفت آلاف القتلى من كلا الجانبيين، تمهد وفق تعبيرهم "لقنبلة ديموغرافية من نوع آخر".

المزيد من تحقيقات ومطولات