ملخص
أوربان أصبح أول زعيم من دول الاتحاد الأوروبي يلتقي بوتين بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية لقرار "توقيفه".
"حزام واحد... طريق واحد" المبادرة التي دعا إليها الرئيس الصيني شي جينبينغ للمرة الثالثة جمعت هذا العام ممثلي ما يزيد على 130 من بلدان العالم، و30 منظمة دولية تصدرهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ظروف استثنائية بالغة الفرادة والتميز. كما أن توقيت انعقاد المبادرة جاء في ظل تصاعد المواجهة بين روسيا وخصومها الغربيين على وقع استمرار "الحرب" أو "العملية العسكرية الروسية الخاصة" التي تستمر للعام الثاني على التوالي في أوكرانيا، وتصاعد حرب العقوبات المفروضة على موسكو منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014.
كما أنها تنعقد في ظروف أعقبت صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس بوتين في شأن مزاعم "جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال ونقلهم بصورة غير قانونية" من أوكرانيا، على حد قول رئيس المحكمة بيوتر هوفمانسكي.
كذلك تأتي القمة في وقت تخرج المجر من الإجماع الأوروبي ضد روسيا. وحول الموقف من سياسات المجر ورئيس حكومتها أشارت وكالة أنباء "بلومبيرغ" إلى أن رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان "قوض وحدة الغرب من خلال أفعاله، حيث دعا علناً الاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات المفروضة على موسكو، وأعلن دعوته إلى الحد من تخصيص المساعدة لأوكرانيا وتأخير توسع حلف الناتو".
وقال السفير الأميركي في بودابست ديفيد بريسمان، "نحن نعتبر المجر حليفاً، لكن في الوقت نفسه نرى أنها تعمق علاقاتها مع روسيا، على رغم حربها الوحشية ضد أوكرانيا". وأضاف أن "أعضاء الناتو لديهم مخاوف أمنية بسبب العلاقات بين المجر وروسيا".
وكان الرئيس بوتين غادر بلاده للمرة الثانية منذ صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية، بعد الأولى التي أجرى خلالها زيارة لقيرغيزستان للمشاركة في قمة رؤساء بلدان كومنولث "البلدان المستقلة" في وقت سابق من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وكتب بريسمان على شبكاته الاجتماعية، "قرر الزعيم المجري دعم الرجل المسؤولة قواته عن جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وهو الوحيد بين حلفائنا. كما أن المجر تتوسل للحصول على صفقات تجارية، بينما تضرب روسيا المدنيين في أوكرانيا". وقال المتحدث باسم الحكومة المجرية زولتان كوفاكس إن بودابست ملتزمة بالحفاظ على العلاقات مع روسيا. وأشار إلى أن ذلك، وبحسب اعتقاده، سيساعد على التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع الأوكراني. كما أن الاجتماع بين أوربان وبوتين عقد في هذا السياق. وأضاف كوفاكس على الشبكات الاجتماعية "وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت المجر تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع روسيا، إلى جانب الواقع الاقتصادي الواضح للاعتماد على الطاقة الروسية".
اهتمام غير مسبوق
وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين وسط مظاهر استثنائية من الحفاوة وكرم الاستقبال. وكان يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية أكد أن بوتين تمت دعوته إلى منتدى "حزام واحد، طريق واحد" باعتباره الضيف الرئيس، كما كان الأول الذي تحدث في افتتاح المنتدى مباشرة بعد الرئيس شي جينبينغ. وقد أسهمت كل هذه الظروف في إضفاء أجواء استثنائية على إقامة هذا المنتدى للمرة الثالثة في الذكري العاشرة لإطلاق الرئيس الصيني لمبادرة "الحزام والطريق".
وقد أكد وجود بوتين بين هذا الكم من ضيوف المنتدى الذين توافدوا للمشاركة في هذا الحدث المشهود، عدم عزلة الرئيس الروسي وبلاده على رغم استمرار العقوبات الغربية المفروضة عليه وعلى بلاده منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. ومن هنا لقي لقاء الرئيس بوتين مع فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي اهتماماً غير مسبوق، زاد من فرادته كون أوربان واحداً من الزعماء الغربيين القلائل الذين شاركوا في هذا المحفل المهم، في الوقت الذي لم توجه فيه الدعوة إلى شخصيات من أمثال المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيرهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن الدعوة جاءت في توقيت يشهد توتراً في علاقات أوربان مع نظرائه من زعماء بلدان الاتحاد الأوروبي بسبب موقفه المخالف لمواقف نظرائه تجاه الأزمة الأوكرانية وكثير من قرارات الاتحاد الأوروبي، وذلك فضلاً عن أن ما ينتهجه من سياسات تجاه روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين يقف على طرفي نقيض من مواقف نظرائه الأوروبيين ولا سيما سياساته في مجالات الوقود والطاقة، ورفضه لكثير من قرارات الاتحاد الأوروبي.
ولعل ذلك كله هو ما أضفى على لقاء الزعيمين بوتين وأوربان مثل هذا القدر من الإثارة، التي زادتها السفارة الأميركية في بودابست حدة بما أصدرته من بيان تنتقد فيه اللقاء، إلى جانب موقف حلف الناتو الذي عقد اجتماعاً طارئاً أعرب فيه حلفاء المجر عن قلقهم إزاء اجتماع أوربان مع بوتين في بكين، فضلاً عن إدانة أعضاء التحالف لتصرفات أوربان، كما أشرنا عليه نقلاً عن وكالة أنباء "بلومبيرغ".
وقالوا أيضاً إن أوربان أصبح أول زعيم من دول الاتحاد الأوروبي يلتقي بوتين بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية لقرار "توقيفه". وكان ذلك كله تفسيراً لما استهل به بوتين ذلك اللقاء الذي جرى في مقر إقامة الرئيس الروسي وسط اهتمام كبير من مختلف الأوساط الإعلامية العالمية.
لقاء الأصدقاء
كان بوتين استهل ذلك اللقاء بقوله إنه "على رغم حقيقة أن فرص الحفاظ على الاتصالات وتطوير العلاقات في الظروف الجيوسياسية الحالية محدودة للغاية، فإنه لا يسعنا إلا أن نشعر بالرضا تجاه الحفاظ على علاقاتنا مع عديد من الدول الأوروبية وتطويرها. والمجر هي إحدى هذه الدول". ومضى بوتين ليقول إن "مواقف روسيا والمجر لا تتطابق دائماً، لكن من المهم للغاية أن تتاح لنا الفرصة لتبادل وجهات النظر مع إحدى دول الاتحاد الأوروبي، ليس فقط في شأن العلاقات الثنائية، ولكن أيضاً في شأن الوضع في العالم وأوروبا".
بهذه الكلمات بدأ الرئيس فلاديمير بوتين أول لقاء له منذ بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، مع "صديقه القديم" فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية الذي ثمة من يعده ونظيره الصربي ألكسندر فوتشيتش من الزعماء الأوروبيين القلائل الذين يتخذون موقفاً متميزاً تجاه روسيا في أزمتها القائمة مع أوكرانيا والبلدان الغربية.
وكان الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش المنتدى الدولي الثالث "حزام واحد... طريق واحد"، وعلى رغم أنه واحد من القلائل الذين يرتبطون بروسيا وببوتين بعلاقات متميزة، إلا أنه لم يعقد معه مفاوضات ثنائية، وذلك ما صرح به فوتشيتش للصحافيين في بكين.
ونقلت قناة "آر تي أس" التلفزيونية عن ألكسندر فوتشيتش قوله، "التقيت الرئيس بوتين، لم يكن لدينا اجتماع ثنائي، تحدثنا لفترة وجيزة". ومن المعروف أن العلاقات الروسية- الصربية تتسم بدفء خاص، فضلاً عن أنها تتسم بطابع براغماتي، فعلى رغم الضغوط الغربية، تستمر العلاقات بين موسكو وبلغراد في التطور باتجاهات مختلفة، إذ ترفض بلغراد فرض عقوبات معادية لروسيا وتحاول اتباع سياسة التوازن بين موسكو والغرب في الوضع الدولي الصعب الحالي.
ونتيجة لذلك، نجحت صربيا تماماً في تنويع العلاقات التجارية الدولية بما يتجاوز العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، شأنها في ذلك شأن المجر التي قال رئيس حكومتها "لم نكن أبداً في مثل هذا الوضع الصعب، كما أن المجر لم ترغب أبداً بمواجهة روسيا". ولمزيد من الإيضاح وتفسير ما وراء اتصالات بلاده مع روسيا، أضاف أن "المجر في اتصالاتها مع روسيا تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه". وأعرب عن أمله في الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أن شهدت تراجعاً من جراء استمرار الحرب في أوكرانيا.
وتابع أنه يريد أن يشكر شركتي "روس آتوم" و"غازبروم" على العمل مع الجانب المجري، "على حقيقة أن الأولى لا تزال شريكاً ممتازاً لنا، والثانية تفي بالتزاماتها والاتفاقيات المبرمة". وأردف أوربان: "بالنسبة للمجر، الطاقة النووية هي وسيلة لضمان أمن الطاقة، وقد أكدت قيادة هذا البلد مراراً وتكراراً".
ومن الماضي نذكر مقابلة أجراها أوربان مع صحيفة Die Weltwoche الأسبوعية السويسرية، قال فيها إنه خلال المفاوضات مع بوتين، عندما التقاه آخر مرة في موسكو قبل أسبوعين من الحرب حاول معرفة ما إذا كانت موسكو ترى نفسها تهديداً، سأله: هل عضوية المجر في حلف الناتو مشكلة بالنسبة لك؟ هل تطلب من المجر الانسحاب من حلف الناتو؟ طلبت منه توضيح ذلك منذ البداية. وأجاب بوتين بأن عضوية المجر في حلف الناتو ليست مشكلة، لا توجد سوى مشكلة (في العضوية المحتملة) لأوكرانيا وجورجيا.
وقال أوربان إن "هناك مشكلة أخرى تتمثل في قواعد الصواريخ الأميركية المقامة بالفعل في رومانيا وبولندا، فضلاً عن التوسع المحتمل لحلف الناتو إلى أوكرانيا وجورجيا لوضع الأسلحة هناك". وقال أيضاً إنه لا يمكن أن يكون هناك منتصرون في هذه الحرب. ولذا فقد كان لقاء أوربان مع بوتين في بكين لفتة بالغة الأهمية وتأكيداً جديداً على تمسك رئيس الحكومة المجرية بما سبق وانتهجه من مواقف، وليصبح رئيس الحكومة المجرية أول زعيم غربي يلتقي بوتين بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرار "اعتقاله".
لقاء أوربان مع شي
ومن اللافت في هذا الصدد أن يحرص رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان على تنويع سياساته وعلاقات بلاده بعيداً من أطر العزلة التي تتمسك بها بلدان الاتحاد الأوروبي والعالم الغربي، وذلك ما أكده الرئيس شي لدى استقبال أوربان بقوله، "أود أن أغتنم هذه الفرصة للعمل معكم ومع القادة المشاركين الآخرين لمشاركة رؤية للتعاون وتعزيز التنمية الأوسع للتعاون في (الحزام والطريق) على مدى السنوات العشر المقبلة".
وقال شي جينبينغ إن المجر كانت من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية وأقامت علاقات دبلوماسية معها، بالتالي فإن الصداقة بين البلدين ذات تاريخ طويل. وأضاف "في السنوات الأخيرة، تطورت العلاقات بين الصين والمجر دائماً على مستوى عال، بغض النظر عن التغيرات في الوضع الدولي". وتم تذكير المشاركين بأن العام المقبل سيصادف الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمجر. وتابع أنه من الضروري اغتنام هذه الفرصة للاستفادة من هذا الزخم للمضي قدماً والارتقاء بالتعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين إلى مستوى جديد.
ومن الملاحظ أن أوربان وفي إطار حرصه على أن يكون منفتحاً على العالم بكل اتجاهاته، أعرب أخيراً عن إدانته لهجوم "حماس" على إسرائيل، في الوقت نفسه الذي تبادل فيه وزير خارجيته بيتر سيارتو حديثاً مع حسين أمير عبداللهيان وزير الخارجية الإيراني حول الوضع في الشرق الأوسط. كما جرى الاتفاق وفي أعقاب اجتماع وزاري عقد أخيراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول أن خبراء الطاقة النووية الإيرانية سيقومون بزيارة المجر لدراسة عمل الصناعة النووية المجرية، ليكون ذلك دليلاً على أن المجر تظل الشريك الغربي الحقيقي الوحيد لإيران، تماماً مثل روسيا. وهذا هو نموذج فيكتور أوربان. ولإظهار هذا النموذج، التقي مع فلاديمير بوتين.