Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دوقة وندسور كانت عميلة لهتلر بحسب الوثائق البريطانية

تنازل إدوارد الثامن عن العرش البريطاني أنقذ الإمبراطورية من براثن الحكم النازي

مشهد من فيلم "بقايا النهار" لجيمس آيفوري (موقع الفيلم)

ملخص

تنازل إدوارد الثامن عن العرش البريطاني أنقذ الإمبراطورية من براثن الحكم النازي

حين نشرت وزارة الخارجية البريطانية قبل سنوات وثائق أفرج عنها بعد تكتم دام أكثر من ستة عقود، لم يفاجأ كثر من المراقبين بالوقائع التي تضمنتها الوثائق، وكانت تتعلق بملفات تتحدث، خصوصاً عن ارتباط دوق ودوقة وندسور بالنازيين، ومباشرة مع هتلر، قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبعدها. فهذا الارتباط كان معروفاً منذ زمن بعيد، لكنه كان دائماً أقرب إلى الإشاعات والحكايات منه إلى الحقائق الموثقة، وذلك على رغم أن الصحافة العالمية كانت تكثر من الحديث عنه في حينه. الجديد إذا كان في الكشف عن وثائق دامغة في ذلك السياق. أما الأهم فهو أن كثراً ربطوا للمناسبة، وللمرة الأولى على الأرجح، بين تعاطف "صاحبي أكبر حكاية حب في القرن الـ20" مع هتلر والنازيين بشكل عام، مع ما نتج عن "حكاية الغرام" من "تنازل" الملك إدوارد الثامن عن عرش بريطانيا عام 1936، بعد أشهر من تسنمه العرش، لصالح أخيه الذي ارتقاه تحت اسم جورج السادس، ليصبح المستقيل مجرد الدوق وندسور، ويعطى صورة العاشق الرومانسي الذي فضل قلبه على عرشه، واختار بين حياة الملوك الراسخة، وحياة أخرى كزوج ثالث للسيدة الأميركية المطلقة مرتين من قبله واليس سيمبسون، ذلك أن الحكاية كانت –كما نعرف دائماً– تقول إن مجلس العرش وكنيسة إنجلترا خير للملك الشاب، فاختار أن يتزوج حبيبة قلبه.

ملك رومانطيقي

إذا أتت وثائق وزارة الخارجية البريطانية لتكشف حقائق أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تنسف من الأساس حكاية الغرام الرومانسي. وكانت هذه الحكاية ألهبت خيال ملايين البشر، وحيرت آخرين من الذين كانوا يعرفون دائماً أن المطلقة الأميركية ليست حسناء ولا وديعة كما يفترض بحبيبة يضحى من أجلها أن تكون، كما يعرفون أن الملك إدوارد الثامن، أي دوق وندسور لم يكن على وسامته رومانطيقياً، بل كان زير نساء معروفاً. ومن هنا بدأت فصول الحكاية بالظهور، واضحة لتقول، لا.. إن تنازل إدوارد الثامن عن العرش، كان تحت ضغط يهدف إلى منع تحول بريطانيا إلى النازية.. وببساطة، لأن السيدة سيمبسون لم تكن سوى عميلة نازية تعمل لصالح هتلر، وكلفت ذات يوم بمهمة مرافقة إدوارد الثامن حين كان لا يزال أمير ويلز الشاب، إذ كشف هذا باكراً عن ميول نازية. وتحت ضوء هذا الكشف تتخذ الحكاية طابعاً آخر تماماً، بدلاً من أن تكون حكاية عاطفية تصبح حكاية جاسوسية.

حديث الناس

والحقيقة، أن من يقرأ سيرة دوق وندسور سوف يدهشه واقع بسيط، يمر به عادة مرور الكرام، وهو أن ذلك الشخص المليء بالشباب والحسن لم يكن، أصلاً، من النوع الرومانسي. لقد عرف دائماً بمغامراته الغرامية، ودائماً مع نساء يكبرنه سناً. وهو منذ كان يافعاً كانت مغامراته حديث الناس في بريطانيا. وفي هذا الإطار قد يكون من المفيد ذكر "آخر فضيحة" من فضائح ذلك الشاب الخارج لتوه من المراهقة قبل 80 عاماً، وهي فضيحة تتعلق، كما ذكرت صحيفة "صنداي تايمز" (11-7-1999) بإدوينا التي تتساءل الصحيفة عما إذا لم تكن "الابنة غير الشرعية" لإدوارد الثامن. وملخص الحكاية التي ترويها الصحيفة أن أمير ويلز، في سنوات الـ20 كان اعتاد زيارة منطقة بيتسفورد للصيد، وكان له صديق يمتلك عزبة هناك هو الكابتن جورج دراموند. وهذا الصديق كانت له زوجة حسناء تدعى كاتلين. واليوم يقول المعمرون من أهل تلك القرية، إن الأمير الشاب أغرم بكاتلين، التي سرعان ما حملت وأنجبت طفلة، شديدة الشبه بالأمير، أطلق عليها اسم إدوينا (مؤنث إدوارد). صحيح أن تلك الحكاية كلها تدخل في باب التخمين وليس ثمة ما أو من، يؤكدها حقاً، لكن دلالتها لا تخفى على أحد: "إن الأمير الشاب لم يكن ذلك الملاك، الذي يمكن أن يقع فجأة في غرام رومانسي، يقوده إلى التنازل عن العرش، خصوصاً مع السيدة سيمبسون التي كانت كما أشرنا تكبره سناً، ولا تعتبر شديدة الحسن، مقارنة مع عشيقات كان الأمير الوسيم الشاب على علاقة، أو معرفة بهن، فما الحكاية إذن؟

كل شيء بدأ همساً

هنا، جواباً على هذا السؤال، تأتي الفرضية التي كان الحديث يجري عنها همساً، ثم صارت موضع بحث، لم ينته حتى اليوم. وأهم ما فيها أنها فرضية تنسف "حكاية الحب الرومانسي" من أساسها. وأغرب ما فيها أنها تقوم على سلسلة من الإشاعات التي يؤكد كثيرون بعضها. ويؤكد البعض مجملها، فيما يرمي آخرون دائماً إلى رفضها من أساسها. وخلاصة تلك الإشاعات ترتبط، من ناحية بماضي السيدة سيمبسون، ومن ناحية ثانية بالأسباب السياسية "الحقيقية" التي أملت على إدوارد الثامن ضرورة التنازل عن العرش، والأمران، في النهاية، مترابطان، بحسب أصحاب هذه النظرية. فالحقيقة أن الرأي العام البريطاني لم يسمع باسم السيدة سيمبسون إلا عند نهاية عام 1936، حين بدأت أزمة التنازل عن العرش بالتراكم. وعلى الفور أصبحت تلك السيدة الأميركية، المرأة التي يكرهها البريطانيون أكثر من أي امرأة أخرى. وراح كثيرون ينقبون عن ماضيها، وتراكمت الحكايات: سنوات غامضة في الصين (وربما في بيوت الهوى في شانغهاي، بحسب رأي البعض)، ارتباط بالنازيين (يصل إلى حد القول إن السيدة كانت عشيقة لوزير الخارجية النازي ريبنتروب)، ماض تعيس في الولايات المتحدة، وحكايات احتيال مالي. ومن ناحية ثانية راحت الأقلام تصورها: أنانية، صاحبة مؤامرات ومناورات، ولا مبالية بمصير الآخرين. ومن هنا حتى اعتبارها، من قبل البعض، عميلة تشتغل لحساب النازيين، خطوة أخذ البعض يجرؤ على قطعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مجلس العائلة يحسم

ولقد ظل الأمر قائماً على فرضيات جاء بها بعض المؤرخين، الذين استندوا إلى القليل من المعلومات، ولكن إلى ما اعتبروه هم، تحليلاً منطقياً حتى جاءت وثائق وزارة الخارجية لتجمع تقارير الاستخبارات إلى وقائع معروفة، ومنها زيارات الثنائي إلى برلين قبل وصول الأمير إلى العرش، ثم منها أن الأقرب بين أصدقاء دوق وندسور إليه كان زعيم الحزب الفاشي البريطاني موسلي، الذي أقام الاثنان في بيت يملكه في فرنسا بعد أن بارحا بريطانيا إثر التنازل عن العرش، وصولاً إلى أن معظم أصدقاء الزوجين في فرنسا كانوا من غلاة المتعاونين مع هتلر والقوات الألمانية المحتلة فرنسا. وكانت السيدة سيمبسون قبل وصولها إلى لندن أمضت أكثر من عام في برلين فور تسلم النازيين للحكم فيها. وحين تعرفت على أمير ويلز، تعرفت عليه عن طريق مجموعة من النبلاء الإنجليز الذين كانوا في ذلك الحين متعاطفين مع النازية وهي نوعية من الناس تمكن الكاتب ايتشيغيرو من أن يصف حياتهم واجتماعاتهم خلال تلك المرحلة وصفاً بديعاً في روايته "بقايا النهار" التي حولها جيمس آيفوري فيلماً في سنوات الـ80.

وهنا من ناحية أخرى لا بد من الإشارة إلى أن أمير ويلز، وقبل ارتقائه العرش كان معروفاً بميوله النازية. وهو نفسه، بحسه المغامر، وصراحته التي لم يتخل عنها أبداً، لم يخف إعجابه بالتجربة النازية في ألمانيا. وأقام اتصالات عدة مع القيادات النازية، في برلين، كما في لندن. ومن المؤكد اليوم أن التقاءه بالمطلقة الأميركية، أتى ضمن إطار تلك اللقاءات. وكل ذلك في بريطانيا ذات التقاليد الصراعية الفكرية العريقة، كانت مسرحاً لتنافس شديد بين الأيديولوجيا الشيوعية والأيديولوجيا النازية، ولكن أن تكون لأمير ويلز ميول نازية فكرية أمر، وأن يحمل معه حين ارتقائه العرش بعض بقايا تلك الميول أمر أيضاً، أما أن يأتي معه إلى العرش بالمرأة التي كان أساطين النظام يرون أنها هي صلة الوصل بينه وبين النازيين، فأمر آخر تماماً، أو لا يمكن القبول به. فهل انطلاقاً من هنا كان ذلك الترتيب على قمة العرش البريطاني حينها؟

ممنوع من الحكم

تقول الحكاية إذاً إنه في تلك السنوات الصاخبة، كان من المستحيل على بريطانيا أن يحكمها ملك ذو ميول نازية واضحة، حتى ولو كان الملك يملك ولا يحكم. وفي الوقت نفسه كان من المستحيل خلع الملك وإعلان نازيته على الملأ، لذلك كان من الضروري اللجوء إلى حكاية –ويا حبذا لو كانت رومانسية– تخلص العرش من ملك نازي، وتبقيه نقياً طاهراً في أعين الشعب. صحيح أن الغرام الطويل والمثالي الذي عاشه الدوق والدوقة سنوات طويلة بعد ذلك، قد لا يعطي لمثل هذه الفرضية كل صدقيتها، ولكن في المقابل، هل يمكن لعقل أن يقبل تلك الحكاية الأخرى، عن شاب وسيم متعدد العلاقات، ستكشف الصحافة عن أن له طفلة غير شرعية، رضي يوماً أن يتخلى عن عرشه الإمبراطوري كرماً لعيني امرأة تكبره سناً، وتقل عنه وسامة، وكانت حكايات ماضيها معروفة له حتى وإن كانت مخفية عن الناس أجمعين؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة